"ميثاق بروكسل".. إصلاح لنظام الهجرة أم إغلاق لأبواب أوروبا؟

time reading iconدقائق القراءة - 11
مهاجرون يقفون على متن قارب صيد في ميناء باليوخورا بعد عملية إنقاذ قبالة جزيرة كريت باليونان. 22 نوفمبر 2022 - Reuters
مهاجرون يقفون على متن قارب صيد في ميناء باليوخورا بعد عملية إنقاذ قبالة جزيرة كريت باليونان. 22 نوفمبر 2022 - Reuters
لندن-بهاء جهاد

ينتظر ميثاق الهجرة الجديد في الاتحاد الأوروبي إقراره من قبل مجلس التكتل وبرلمانه في مطلع العام الجديد، وهي خطوة تكون شكلية عادة، لكن أسئلة كثيرة تطرح حول أهداف "ميثاق بروكسل" من إصلاح نقاط ضعف سلفه، اتفاقية دبلن الموقعة في عام 1990، ومدى مراعاته لحقوق الإنسان المنصوص عليها في القوانين الدولية.  

ويحدد الميثاق الجديد بنوداً رئيسية لإصلاح واقع الهجرة إلى القارة العجوز، أو بتعبير أدق، إجراءات لتقليص فرص الحالمين بالوصول إلى "الجنة الأوروبية" المنتظرة. ودفعت هذه الإجراءات البعض إلى وصف الميثاق الجديد للهجرة بأنه "تاريخي"، فيما اعتبره آخرون "انتصاراً مدوياً لأحزاب اليمين في دول التكتل"، أما التيارات المعارضة، فأسقط في يدها، وقبلت على مضض، خشية معاداة الشارع "الساخط" على اللاجئين.

ولد ميثاق الهجرة الجديد بعد 3 سنوات من المفاوضات الشاقة بين دول الاتحاد الأوروبي، لكن دولاً عدة في الاتحاد استبقت صدوره بقوانين وإجراءات محلية تعبّر عن رفض شعبي واضح للسياسات الحكومية التي جاءت بملايين اللاجئين من قارتي آسيا وإفريقيا على المدار الأعوام الثمانية الماضية، وفجّرت الخلافات بين دول التكتل.

زيادة معاناة المهاجرين 

وفق النظام الجديد، تبدأ إجراءات اللجوء إلى الاتحاد الأوروبي خارج حدود التكتل، فمن كان وطنه الأصلي آمناً أعيد إليه دون النظر في أسباب فراره منه. أما من استحال ترحيلهم مباشرة، فيوضعون في مراكز احتجاز بانتظار حسم طلبات لجوئهم، بعد فرزهم وفقاً لأهلية منحهم حق الإقامة الأوروبية، واستناداً لجنسيتهم وإقامتهم الأصلية. 

لم تنجح ألمانيا في استثناء الأسر التي تضم أطفالاً من شرط الاحتجاز. ولم تفلح دول القارة المطلة على البحر المتوسط بإسقاط شرط إلزامها بمتابعة ملفات من يطؤون أرضها كمحطة أولى، وفق "اتفاقية دبلن"، لكن "الميثاق الجديد" أقرّ ضرورة تقديم المساعدة لهذه الدول من خلال قبول جزء من اللاجئين، أو توفير دعم مالي أو لوجستي لها.  

وقالت منظمة العفو الدولية إن النظام الجديد سيزيد من معاناة المهاجرين في كل خطوة نحو اللجوء في إحدى دول الاتحاد الأوروبي، لكن رئيس المفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين فيليبو جراندي أشاد بـ "الخطوة الإيجابية" في تغريدة عبر X، فكيف تختلف نظرة مؤسستين إنسانيتين وحقوقيتين بطابع دولي، إزاء "الإصلاح" الأوروبي؟  

رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتو ميتسولا أجابت على التساؤل، خلال مؤتمر صحافي عقب إعلان ميثاق الهجرة الجديد، فقالت: "إن حزمة الإجراءات الجديدة ليست مثالية، لكنها تعكس تسوية سياسية توصلت لها أحزاب الوسط في البرلمان، لا تعكس توجهات تيارات اليمين، بل تحمل طابعاً براجماتياً لحل أزمة استهلكت سنوات من السجال". 

ثلاثة محددات سياسية 

ويعكس "الإصلاح التاريخي"، وفق الباحث في الشأن الأوروبي فادي أديب، تغير منهج الاتحاد الأوروبي في التعامل مع المهاجرين، فحلت المعايير السياسية مكان الاعتبارات الإنسانية، وتحول الهدف لدى القادة والمسؤولين الأوروبيين، من استقبال اللاجئين والترحيب بهم إلى منعهم من بلوغ دول التكتل والعيش فيها إلا بشروط صعبة". 

ولفت أديب، في حديث مع "الشرق"، إلى أن "ميثاق الهجرة الجديد" وضع 3 محددات رئيسية للعمل في هذا الملف، وهي الاحتجاز والترحيل وتقييد اللجوء، منوهاً إلى أن كلا من المحددات الثلاث يحمل طابعاً سياسياً خالصاً، ويضع الأبعاد الإنسانية للهجرة في المرتبة الثانية عند رسم الخطط والقرارات والإجراءات لمعالجة أزمة اللاجئين.  

والتباين بين السياسي والإنساني حول "الميثاق الجديد" بدا واضحاً في ردود مؤسسات الاتحاد الأوروبي ذاتها، فبعدما بشرت رئيسة مفوضية الشؤون الداخلية في الاتحاد يلفا جوهانسون بـ"ميثاق بروكسل"، علق المجلس الأوروبي للاجئين على تغريدتها بالقول "إن ما اتفق عليه هو مجرد تقويض لحقوق الأشخاص الذين يبحثون عن الحماية".  

واعتبرت 15 منظمة غير حكومية في مجال الإغاثة الاتفاق "فشلاً تاريخياً"، وقالت إنه سوف يتسبب بمزيد من الوفيات في البحر، لكن دولاً مثل إيطاليا لم تعد تستقبل سفن اللاجئين قبل إعلان الاتفاق.

ومنظمة "دعم اللاجئين في بحر إيجة" وصفت مراكز احتجاز المهاجرين في اليونان مؤخراً بأنها "وصمات عار" في سجل حقوق الإنسان.

استغلال ملف المهاجرين 

يقول الصحافي المختص بالشأن الألماني لؤي غبرة إن المزاج الشعبي تجاه المهاجرين تغيّر خلال بضع سنوات، "لم يندم الألمان على سياسة الباب المفتوح التي تبنتها المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، لكنهم اليوم يدينون فشل الأجهزة الحكومية في دمج المهاجرين، وتساهلها مع انتهازية دول أوروبية في ملف الهجرة واستقبال اللاجئين".  

ويلفت غبرة، في حديث مع "الشرق"، إلى أن أحزاب البرلمان الألماني (البوندستاج) وجدت أن اليمين الشعبوي يسجل انتصارات شعبية من خلال استغلال النقطتين السابقتين في ملف المهاجرين، فعمدت لدعم "ميثاق بروكسل"، الذي يمنع دولاً في التكتل من تمرير اللاجئين إلى ألمانيا للتخلص منهم، كما يلزم دول الاتحاد الأوروبي بتقاسم عبء اللاجئين.

وظفر مؤخراً حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني، للمرة الأولى برئاسة بلدية مدينة، حيث فاز مرشّح الحزب تيم لوشنر بـ 38.5% من الأصوات في الجولة الثانية من انتخابات بلدية بيرنا الواقعة قرب الحدود مع التشيك، متفوقاً على مرشّحي "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" حزب المستشارة ميركل، والديمقراطيين الأحرار الليبراليين.

ويحظى حزب "البديل من أجل ألمانيا" بدعم قوي في مناطق ألمانيا الشرقية السابقة، حيث تبلغ نسبة تأييده نحو 32%، وفقاً لاستطلاع حديث أجرته مجلة "دير شبيجل". وحصل الحزب على أول منصب إداري له في يونيو بولاية شرقية هي ثورينغيا، وأول رئاسة بلدية لبلدة في يوليو الذي تلاه في ولاية ساكسونيا-أنهالت المجاورة. 

انتصار اليمين الشعبوي

ولم يكن النجاح السياسي، الذي حققه اليمين الشعبوي في ألمانيا من خلال استغلال قضية المهاجرين، حالة استثنائية في الاتحاد الأوروبي، فقد نقلت صحيفة "فاينانشيال تايمز" عن وزيرة العدل الألمانية السابقة كريستينه لامبريشت قولها إن الأحزاب اليمينية في دول التكتل حولت "مشكلات اللاجئين" إلى أزمات وطنية تحتاج الأولوية القصوى في الاهتمام والخطط. 

وتلفت الوزيرة السابقة إلى أن أزمة اللاجئين ليست كبيرة أو ضخمة بالشكل الذي تصوره تيارات اليمين الشعبوي، لكن هذه التيارات أحسنت استغلال الأزمة لحشد الرأي العام خلفها، وأجبرت الأحزاب التقليدية من اليسار والوسط على مجاراتها أو المغامرة بخسارة الأصوات في الانتخابات البرلمانية والمحلية في عامي 2024 و2025.  

والخشية من خسارة الانتخابات لا تنطوي على مبالغة، بالنظر إلى النجاح الذي حققه الحزب المناهض للمهاجرين والمسلمين في هولندا قبل شهر واحد فقط، حيث حصد حزب "الحرية" بزعامة اليميني المتطرف خيرت فيلدرز على غالبية تضم 37 مقعداً من أصل 150 في البرلمان الهولندي، متفوقاً بذلك على تحالفات اليسار والوسط.  

ويقول الباحث في الشأن الهولندي عيسى مكسميليان إن فوز حزب "الحرية" في الاستحقاق البرلماني الأخير يثير قلقاً أوروبياً من تداعيات محتملة لقضية المهاجرين على العلاقات بين دول الاتحاد الأوروبي، فهذه القضية تستدعي، برأي فيلدرز، إعادة تقييم عضوية هولندا في التكتل، وربما سبباً للاستقلال عنه كما فعلت المملكة المتحدة.  

ويلفت ماكسميليان، في حديث مع "الشرق"، إلى أن ترحيل اللاجئين قد يتصدر أولويات حزب "الحرية" في المستقبل القريب، وما رفضه البرلمان قبل نحو ثلاثة أعوام من مقترحات في هذا المجال، ربما يعاد طرحها مرة أخرى بقوة وحظوظ أكبر في تمريرها، منوهاً إلى "أن "ميثاق بروكسل" للهجرة فتح الباب لكل الاحتمالات وأبعدها".

إجراءات  أحادية  

تقول الإحصائيات إنه خلال 11 شهراً في سنة 2023، رصدت وكالة "فرونتكس" أكثر من 355 ألف محاولة عبور للحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، بنسبة ارتفاع 17% مقارنة بالعام الذي سبقه. كما قد تتخطّى طلبات اللجوء في الاتحاد الأوروبي مليون طلب بحلول نهاية العام 2023، بحسب وكالة اللجوء في الاتحاد الأوروبي. 

وكان ترحيل اللاجئين بين أبرز النقاط التي تضمنها قانون الهجرة الجديد الذي أقر في فرنسا قبل أيام قليلة فقط من إعلان "ميثاق بروكسل". صحيح أنه يستهدف بدرجة أساسية المهاجرين الذين يرتكبون الجرائم، لكن صفة "غير النظامي" التي تضع اللاجئ أمام تهديد الترحيل لم تعد تراعي الشروط الإنسانية التي تدفع الإنسان للهجرة واللجوء. 

والإجراء الذي تبنته فرنسا قبيل ولادة "ميثاق بروكسل" على المستوى الأوروبي، عرفت مثله خلال 2023، دول مثل إيطاليا وألمانيا وبولندا.

تتعدد الأشكال، لكن الغاية هي ذاتها، فقد بات الترحيل أحد أعمدة سياسات الهجرة في دول التكتل سواء على المستوى الوطني، أو في اتفاقية الهجرة الجديدة التي توصل لها الأوروبيون مؤخراً. 

خطط ترحيل المهاجرين  

في بيان على موقعها الرسمي، حذرت منظمة PICUM غير الحكومية في بروكسل، وهي شبكة من المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق المهاجرين، من أن ترحيل المهاجرين لن يكون حلاً لأزمة الاتحاد الأوروبي في هذا الملف. كما لفتت المنظمة الحقوقية إلى أن ما تفعله دول التكتل لشرعنة ترحيل اللاجئين يخالف مبادئ حقوق الإنسان الدولية، ويتعارض حتى مع الدساتير الوطنية في أحيان كثيرة. 

وتقتصر غالبية عمليات ترحيل اللاجئين في أوروبا حتى الآن على دول القارة فيما بينها، وقد سهلت المحكمة الأوروبية الأمر عبر قرار أصدرته مطلع ديسمبر الجاري، لا يحمل دول الاتحاد أي تداعيات قانونية عند ترحيل مهاجر داخل حدود التكتل، لكن حكومات أوروبية عدة الآن تسعى إلى ترحيل المهاجرين خارج القارة العجوز.  

في أكتوبر، قال مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي (يوروستات) إن عدد المرحلين من دول الاتحاد الأوروبي ارتفع بنسبة 29% في الربع الثاني من عام 2023، موضحاً أن من بين أكثر من 100 ألف شخص من غير مواطني التكتل صدرت لهم أوامر بمغادرة إحدى دول الاتحاد، تم ترحيل نحو 27 ألف مهاجر إلى دولة أخرى. 

تصنيفات

قصص قد تهمك