قدرات فرنسا النووية في ميزان "الردع الأوروبي"

تباين سياسي واسع بشأن ترسانة باريس النووية واعتماد أوروبا عليه

time reading iconدقائق القراءة - 9
حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديجول التي تعمل بالطاقة النووية. 12 أبريل 2020 - AFP
حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديجول التي تعمل بالطاقة النووية. 12 أبريل 2020 - AFP
دبي -الشرق

أعاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إحياء الجدل بشأن ما إذا كان ينبغي للترسانة النووية الفرنسية أن تلعب دوراً في ردع الهجمات ضد الحلفاء الأوروبيين، مما أثار انتقادات من المعارضة التي اتهمته بـ"التنازل" عن السيادة الوطنية.

وفي مقابلة نظمتها الصحف الإقليمية لمجموعة "إبرا" (Ebra) سُئل الرئيس الفرنسي عما إذا كانت فرنسا مستعدة لـ"إضفاء الطابع الأوروبي" على قدرتها على الردع النووي؟"، وأجاب ماكرون أن "فرنسا مستعدة للمساهمة بشكل أكبر في الدفاع عن أوروبا"، مضيفاً أن الأسلحة النووية الفرنسية يمكن أن تكون جزءاً من استراتيجية دفاعية أوروبية مشتركة.

وذهب ماكرون بعيداً في قوله بأن باريس يمكنها استخدام سلاحها النووي "عندما تكون مصالحها الحيوية مهددة، وسبق لي أن قلت إن هناك بعداً أوروبياً لهذه المصالح الحيوية".

وهذه هي المرة الثانية التي يعرب فيها ماكرون عن استعداد فرنسا للمشاركة بشكل أكبر في الردع الأوروبي. 

وأثارت هذه التصريحات غضباً واسعاً وسط المعارضة الفرنسية التي اتهمت الرئيس ماكرون بـ"التنازل" عن السيادة الوطنية. ومنذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أصبحت فرنسا الدولة العضو الوحيدة التي تمتلك قدرة الردع النووي.

فماذا نعرف عن قدرات فرنسا النووية؟

في 18 أكتوبر 1945، أنشأ الجنرال شارل ديجول لأول مرة، لجنة الطاقة الذرية الفرنسية بهدف استغلال الإمكانات العلمية والصناعية والعسكرية للطاقة الذرية. لم يبدأ التطبيق العسكري للطاقة الذرية إلا في عام 1951. وفي يوليو 1952، اعتمدت الجمعية الوطنية خطة خمسية ذات هدف أساسي هو بناء مفاعلات لإنتاج البلوتونيوم. بدأ العمل في مفاعل ماركول في صيف عام 1954 وفي مصنع لفصل البلوتونيوم في العام التالي.

وبدأ تطوير محطات الطاقة النووية في فرنسا في سبعينيات القرن الماضي جزئياً، رداً على الحظر النفطي الذي فرضته منظمة أوبك في عام 1973. 

كم من رأس نووي لدى فرنسا؟

ظلت ترسانة فرنسا النووية مستقرة على مدى العقد الماضي وتحتوي على ما يقرب من 290 رأساً حربياً.

وكان الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي أكد في 21 مارس 2008 تخفيض الترسانة النووية في البلاد إلى أقل من 300 رأس حربي. 

وأضاف أن المخزون المكون من 300 رأس حربي، هو "نصف الحد الأقصى لعدد الرؤوس الحربية التي كانت تمتلكها فرنسا خلال الحرب الباردة". 

كما أكد الرئيس السابق فرانسوا هولاند الرقم نفسه في 19 فبراير 2015، عندما أعلن أن فرنسا لديها مخزون من 300 رأس حربي لـ "ثلاث مجموعات من 16 صاروخاً يُطلق على الغواصات و54 نظام إطلاق جوي متوسط المدى من طراز ASMPA".

وأعاد الرئيس إيمانويل ماكرون التأكيد من جديد على امتلاك فرنسا أقل من 300 رأس حربي في خطاب ألقاه في 7 فبراير 2020 بالإليزيه.

وفقًا لتقديرات مجلة "دا بولتان"، بلغ مخزون الرؤوس الحربية الفرنسية ذروته (1991-1992) عند حوالي 540 رأساً حربياً، وحجم المخزون اليوم هو تقريباً نفس ما كان عليه في عام 1984، على الرغم من اختلاف التركيبة بشكل كبير.

متى تستخدم فرنسا النووي؟

أكدت المراجعة الاستراتيجية للدفاع والأمن القومي لعام 2017 التي أجرتها وزارة الدفاع الفرنسية، أن العقيدة النووية هي "دفاعية بحتة"، وأن استخدام الأسلحة النووية "لن يكون ممكناً إلا في الظروف القصوى للدفاع المشروع عن النفس"، بما في ذلك المصالح الحيوية لفرنسا. ومع ذلك، فإن ماهية هذه "المصالح الحيوية" بالضبط لا تزال غير واضحة، وفق "دا بولتان".

وجاء في الكتاب الأبيض الصادر عن وزارة الدفاع لعام 2013 أن الردع النووي الفرنسي "يضمن، بشكل دائم، استقلالنا في اتخاذ القرار وحرية العمل في إطار مسؤولياتنا الدولية، بما في ذلك في حالة وجود أي تهديد بالابتزاز قد يكون موجهاً ضدنا".

هل تملك غواصات نووية؟

تشكل القوة الفرنسية للصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات SLBMs العمود الفقري للردع النووي الفرنسي.

وتقوم البحرية الفرنسية حالياً بتشغيل 4 غواصات صاروخية باليستية تعمل بالطاقة النووية من طراز "SLBMs" ومجهزة بصواريخ باليستية طويلة المدى مسلحة نووياً.

وتتمركز الغواصات النووية في قاعدة إيل لونج البحرية بالقرب من بريست في بريتاني، التي تضم مخزناً للرؤوس الحربية النووية.

ميزانية النووي الفرنسي

في عهد الرئيس ماكرون، انخرطت فرنسا في تحديث وتعزيز قواتها النووية على المدى الطويل. وخصّص قانون التخطيط العسكري لعام 2018، 37 مليار يورو (43.7 مليار دولار) بهدف صيانة وتحديث القوات النووية والبنية التحتية الفرنسية خلال الفترة من 2019 إلى 2025.

كما خصّصت ميزانية عام 2022 لوزارة القوات المسلحة (وزارة الدفاع الفرنسية) 5.3 مليار يورو (6.3 مليار دولار) للأنشطة المرتبطة بالأسلحة النووية، وهو ما يزيد بمقدار 0.3 مليار يورو عن ميزانية عام 2021.

وزاد هذا الرقم مرة أخرى عندما أصدرت فرنسا خطط ميزانيتها لعام 2023، إذ خصصت 5.6 مليار يورو (6.14 مليار دولار) لتحديث قواتها النووية.

لماذا يلوح ماكرون بالنووي؟

ليست المرة الأولى التي يلوّح فيها ماكرون باستخدام الترسانة النووية. ففي عام 2020 أكد في حديث مع وسائل إعلام فرنسية، أنه إذا لم يتم ردع المعتدي، فإن "القوات النووية الفرنسية قادرة على إلحاق أضرار غير مقبولة على الإطلاق بمراكز قوة تلك الدولة: مراكزها العصبية السياسية والاقتصادية والعسكرية".

ودعا ماكرون إلى "حوار استراتيجي" بشأن "دور الردع النووي الفرنسي في الأمن الجماعي لأوروبا"، في محاولة لفتح مناقشات بشأن هذه القضية مع ألمانيا، التي تستضيف الأسلحة النووية الأميركية على أراضيها.

وأعلن ماكرون في تلك الفترة، أن "المصالح الحيوية لفرنسا أصبحت الآن ذات بعد أوروبي"، وسعى إلى إشراك الاتحاد الأوروبي في "الدور الذي يلعبه الردع النووي الفرنسي في أمنها الجماعي". 

تجري فرنسا عادةً 4 مناورات نووية جوية كل عام، تُعرف باسم "بوكر". تهدف هذه التدريبات إلى محاكاة غارة جوية استراتيجية ويتم إجراؤها في سماء فرنسا.

يشمل تمرين "بوكر" غالبية طائرات رافال الفرنسية ذات القدرة النووية، والتي تحمل صواريخ كروز مُطلقة من الجو من طراز air-sol moyenne portée.

وتم إجراء أحدث مناورة "بوكر" في مارس 2023، وتضمنت طائرات رافال ذات قدرة نووية من كل من القوات الجوية الاستراتيجية FAS والقوة الجوية النووية FANu.

أصوات معارضة

ردت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، عبر منصة "إكس"، على الرئيس الفرنسي، وعلقت على أن أجندة ماكرون تسعى إلى "تجريد الشعب الفرنسي من كل ما بناه".

وفي مارس الماضي، كانت لوبان اقترحت أنها كرئيسة لن تنحني أمام "جشع الاتحاد الأوروبي" بشأن الترسانة النووية الفرنسية، مقترحة "تكريس الردع النووي في الدستور باعتباره عنصراً غير قابل للتصرف في السيادة الفرنسية".

من جانبه، قال النائب الفرنسي في البرلمان الأوروبي عن حزب التجمع الوطني (يمين متطرف)، تييري مارياني، على منصة "إكس"، إن ماكرون "أصبح يمثل تهديداً وطنياً" وأعرب عن مخاوفه من أنه بعد الأسلحة النووية، ربما "تبيع فرنسا بثمن بخس" للاتحاد الأوروبي مقعدها الدائم في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة".

وكتب باستيان لاشود، عضو البرلمان والمتخصص في شؤون الدفاع من حزب "فرنسا الأبية" (يسار راديكالي) على منصة "إكس"، أن "الردع النووي ليس للمشاركة".

وعلى الطرف المقابل، قالت المرشحة الرئيسية للاتحاد الأوروبي عن حزب الخضر، ماري توسان، التي تؤيد "قيادة فيدرالية أوروبية"، في قناة "فرانس 3" إنها تفضل "تقاسم قوة الأسلحة الفرنسية، بما في ذلك الأسلحة النووية".

تصنيفات

قصص قد تهمك