"السل".. رحلة وباء فتاك بات "ذكرى سنوية"

time reading iconدقائق القراءة - 7
مريضة مصابة بالسل تتلقى علاجاً في منزلها بمنطقة فونافوتي، الجزيرة الرئيسية في توفالو في جنوب المحيط الهادئ - undp.org
مريضة مصابة بالسل تتلقى علاجاً في منزلها بمنطقة فونافوتي، الجزيرة الرئيسية في توفالو في جنوب المحيط الهادئ - undp.org
القاهرة-الشرق

في الـ 24 من مارس كل عام، تُحيي الأمم المُتحدة ذكرى اليوم العالمي لمرض السل، أحد أقدم الأمراض التي تستهدف الجهاز التنفسي فتهلكه، وتستنفد طاقة المُصابين به وحيويتهم فتميل وجوههم وأجسادهم إلى بياض باهت، كان وراء  تسمية المرض خلال القرن الـ18 بـ"الوباء الأبيض".

لكن الوباء لم يحظ بتعريف رسمي سوى بحلول عام 1882، حين أعلن الطبيب الألماني روبرت كوخ اكتشاف البكتريا المُسببة للمرض، ما دحض الكثير من الأساطير الممتدة عبر القرون حوله.

ولم يكن اكتشاف البكتريا سوى محطة ضمن رحلة طويلة في الحرب على الوباء الفتاك، قبل أن يُصبح أقل مهابة ووطأة أمام غيره من الأوبئة.

أساطير داء السل

اكتشف العلماء آثار عدوى السل في بقايا آدمية عاش أصحابها قبل 9 آلاف عام، ما يثبت أن البشرية عرفت هذا الوباء منذ عهد قديم، لكن كان يُطلق على أعراضه أسماء مختلفة، إلى أن وصل العلماء للبكتريا المُسببة للإصابة به، ليصبح بعدها يحمل اسم وباء السل، وفقاً لموقع مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة.

والسل مرض معدٍ يُصيب الجهاز التنفسي، وينتقل عبر رذاذ الأفراد المُصابين به أثناء السعال والحديث، وفقاً لموقع "مايو كلينك"، الذي يعدد بين أعراضه، السعال الممتد لبضعة أسابيع والمصحوب بالدم، إضافة إلى الإرهاق وفقدان الوزن وآلام الصدر. 

وكانت هذه الأعراض في القديم تمثل أحجية للمرضى وذويهم، وانتشرت الخرافات حول المرض ومُسبباته، وطرق الشفاء منه.

خلال العصور الوسطى، كان يتم التداوي من سل الرقبة والغدد اللمفاوية عبر طقس ملكي في كل من إنجلترا وفرنسا، حيث اعتاد المُصابون بالمرض الوقوف في صفوف طويلة في حضرة ملك البلاد، الذي ينعم على كل منهم بلمسه ملكية، اعتُقد آنذاك أنها تُشفي من المرض. 

ولاحقاً في القرن الـ19، اعتقد بعض أبناء مدن إقليم نيو إنجلاند تفشي العدوى بين أفراد الأسر يرجع لكون أول المُصابين بيها من مصاصي الدماء، ما دفعهم لاستخراج جثث بعض المتوفين من المصابين بالسل بعد دفنها لإقامة طقوس وشعائر مُحددة، إلا أن محاولات النجاة التقليدية لم تكن مجدية، إذ إن الوباء تسبب بالفعل في 25% من إجمالي الوفيات بأوروبا ما بين القرنين الـ17 و الـ19، وفقاً لمركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.

اكتشاف كوخ 

وفي 24 مارس 1882، تم وضع حد للخرافات المرتبطة بالسل، بعد أن أعلن الطبيب الألماني روبرت كوخ اكتشاف البكتريا المُسببة للمرض، وعرض اكتشافه خلال فعاليات مؤتمر جمعية برلين الفسيولوجية. وأثبت الاكتشاف أيضاً أن السل لم يكن مرضاً وراثياً، بل مرضاً معدياً.

واختير يوم إعلان الاكتشاف لاحقاً ليُصبح اليوم العالمي للسل، تخليداً للاكتشاف، الذي مثل خطوة فارقة في سبيل السيطرة على المرض. 

ولاحقاً، تم التوصل لتقنيات اختبار الإصابة بالسل ضمنها فحص الجلد، وهي تقنية تطورت على مدى عقود، بالإضافة إلى الفحص بالأشعة السينية، وفحص الدم.

وبالمقابل، اقتصر علاج السل تاريخياً - كما تذكر الموسوعة البريطانية - على توصيات الأطباء بالراحة التامة والمتصلة لسنوات، وأحياناً بعض التدخلات الجراحية لإزالة أنسجة رئوية. غير أن اكتشاف المضادات الحيوية في النصف الأول من القرن العشرين، غير قواعد العلاج.

تطور ثوري  

ومع الصعود الثوري للمضادات الحيوية، تراجعت الحاجة للتدخلات الجراحية، وأصبح علاج السل يقتصر على استخدام مجموعة من العقاقير لفترات زمنية تمتد لأشهر عدة، بدلاً من بضع سنوات وفقاً للموسوعة البريطانية.

غير أن البكتريا، باتت تخوض معاركها الخاصة مع العقاقير، لتُصبح بعض حالات السُل مقاومة للعقاقير وفقاً لموقع "مايو كلينيك"، وذلك بسبب فشل المضادات الحيوية في قتل جميع البكتريا المُستهدفة من العلاج، لتصبح بدورها مقاومة لنوعه، الأمر الذي يمثل تحدياً طبياً قائماً حتى الآن.

وفي عشرينات القرن الماضي، تم تطوير أول لقاح لمجابهة السل، والذي لا يزال يُستخدم إلى اليوم في بعض البلدان، إذ يُعطى للأطفال بهدف الوقاية من الإصابة بالالتهاب السحائي السلي، إلا أنه لا يحمي من السل بشكل قطعي، ووفقاً لمركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، ولا يزال العمل جارياً للعثور على لقاح فعال ضد السل. 

أهداف مستقبلية  

وتهدف الأمم المتحدة، من خلال اليوم العالمي للسل، إلى رفع مستوى الوعي بالمرض الفتاك، الذي لا يزال يحصد الأرواح إلى اليوم.

وبالرغم من تراجعه على قائمة الأولويات، فإن الوباء تسبب في وفاة مليون و400 شخص خلال عام 2019، في حين أصيب به 10 ملايين شخص حول العالم في العام نفسه، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.

وتشير أرقام منظمة الصحة العالمية إلى أن جهود مكافحة الفيروس أنقذت منذ عام 2000 حوالي 63 مليون شخص أصيبوا بالوباء.