بوسائل بدائية.. حرب غزة تضطر النازحين إلى شرب مياه الأمطار

time reading iconدقائق القراءة - 7
أطفال فلسطينيون نازحون في إحدى مدارس الأنروا بقطاع غزة. 15 نوفمبر 2023 - AFP
أطفال فلسطينيون نازحون في إحدى مدارس الأنروا بقطاع غزة. 15 نوفمبر 2023 - AFP
غزة -AWP

مع استمرار الحرب الإسرائيلية المدمرة على غزة، منذ السابع من أكتوبر، يحل موسم الأمطار على النازحين، فيغرق خيامهم الهشة، ويربك مفردات معيشتهم في ظل برودة قاسية، لكن من رحم هذه المحنة يحاول كثير من هؤلاء تحويلها إلى "منحة" عبر جمع مياه الأمطار لتوفير مؤونة الشرب، والحاجات الضرورية لذويهم.

يحمل خالد داود (34 عاماً) جالونات وقوارير بلاستيكية لتعبئتها من مياه الأمطار المتجمعة أعلى دفيئة زراعية، أو صوبة مغطاة بالنايلون في قطاع غزة، لتتدفق عبر ممرات من الحديد قبل أن تسيل إلى براميل منخفضة موزعة أسفل الدفيئة.

يمسك الشاب القوارير لتعبئتها من المياه التي تنزل من أعلى لتسيل بقيتها داخل البرميل الذي يمتلئ بسرعة نتيجة هطول الأمطار بغزارة، ليطلب من ابنه الأكبر عبد الله (تسعة أعوام) المزيد من القوارير البلاستيكية للاستفادة من المياه قبل أن تسيل على جانبي البرميل وتذهب هدراً.

حيل بدائية ومعاناة ممتدة

يلتقط خالد، الذي نزح مع عائلته من وسط خان يونس إلى منطقة المواصي قبل 65 يوماً، القوارير من ابنه الذي زلقت قدماه خلال هرولته من خيمتهم المجاورة تحت المطر، ليكمل عملية تعبئتها بمياه الأمطار، دون أن يلقي بالاً لملابسه التي تبللت وأقدامه التي غرست في الوحل.

تبدو حالة الارتياح على محيا الشاب، لأنه وفر كمية من المياه الصالحة للشرب بعدما تقطعت به السبل خلال الأيام الماضية بحثاً عن مياه دون جدوى، في أجواء شتوية باردة تحول دون عمل منظومة الطاقة الشمسية التي تشغل محطة مياه قريبة.

يعود خالد وابنه محملين بقوارير المياه إلى الخيمة، قبل أن يستكملا حفر ممرات لتدفق مياه الأمطار بعيداً عنها، مع زيادة كمية التراب على الجانب الآخر، حتى لا تتكرر تجربة غرق أرضية الخيمة كما حدث في مرات سابقة.

وبالنسبة لخالد، فإن الأمطار فرصة مواتية لتوفير مياه صالحة للشرب دون عناء نقلها من أماكن بعيدة، طالما وجدت دفيئات زراعية مغطاة على مساحات كبيرة يمكن تجميع المياه من خلالها، ويصف حال النازحين مع الأمطار بين داعٍ بغزارتها لتوفير مصدر لمياه الشرب، وبين متمن توقفها حتى لا تغرق عريشته، أو خيمته.

ويقول خالد لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) إن النازحين الذين تتوفر لديهم وسائل لتجميع المياه هم الأوفر حظاً، كونهم سيوفرون المياه طيلة أيام الشتاء وحتى تخزينها لأيام قادمة داخل الجالونات والبراميل التي تتراوح سعتها بين 500 و1500 لتر لاستخدامات الشرب والنظافة ونحوها، معتبراً الشتاء "موسم خير" رغم قسوة البرد على الأطفال وكبار السن داخل الخيام.

وأضاف: "أزمة المياه ترافقنا منذ الأيام الأولى للنزوح، وتشتد مع المنخفضات (موجات البرد) التي تغيب فيها الشمس، وتتوقف الآبار ومحطات التحلية المعتمدة على ألواح الطاقة الشمسية عن العمل، لتصبح عملية تجميع مياه الأمطار حلاً وحيداً وناجحاً حسب التجربة العملية".

وتابع قائلاً: "أحتاج عدة ساعات يومياً لتعبئة جالونين صغيرين بالكاد يكفيان عائلتي المكونة من ستة أفراد، لكن في الأيام الممطرة نجمع المياه ونخزنها لفترة طويلة تمتد لأيام وحتى لأسبوعين، حسب سعة الخزانات المتوفرة".

ظاهرة تجميع مياه الأمطار

وتنتشر ظاهرة تجميع مياه الأمطار، سواء عبر المساحات المغطاة بالنايلون، أو في أوانٍ وأطباق كبيرة، بين النازحين وخاصة أولئك الذين أقاموا خيمهم بين المزارع والدفيئات الزراعية في مواصي خان يونس ورفح في جنوب قطاع غزة، كجزء من عملية مواجهة أزمة توفير مياه الشرب التي يضطر النازحون للوقوف لساعات في طوابير طويلة لتعبئة القليل منها.

وعلى مقربة من المكان، لم تمنع الأمطار الغزيرة يحيى عواد (40 عاماً) من مواصلة تعبئة كل الجالونات الصغيرة والقوارير المتوفرة لديه من مياه الأمطار المجمعة داخل برميل تبلغ سعته 200 لتر عبر تدفقها من أعلى دفيئة زراعية، في حين يبدي سعادته وهو يشرب المياه من زجاجة صغيرة ملأها للتو من المطر مباشرة.

لم تفارق الابتسامة وجه الشاب الذي تعاونه زوجته في تعبئة ما لديها من أوانٍ فارغة، لتستفيد منها خلال الفترة المقبلة، وتعطي منها بعض الخيام المجاورة التي تعاني نقصاً في المياه بشكل مستمر لعدم امتلاكها ما يكفي من الجالونات التي تساعدها على تخزين كميات كبرى.

وإلى جانب توفير كمية مناسبة لاستخدامها على نحو كافٍ، تعد مياه الأمطار "أكثر نقاءً وأطيب مذاقاً، مما توفره الآبار أو محطات التحلية" وفق يحيى، الذي تعيد له هذه التجربة ذكريات تجربة مماثلة مع والده قبل أكثر من عقدين.

ويوضح يحيى أنه كان يتعجب إصرار والده على تجميع مياه الأمطار خلال فصل الشتاء لتخزين كميات كبيرة في براميل تكفيه لأسابيع، وأحياناً أكثر، على الرغم من أن المياه كانت متوفرة آنذاك، لافتاً إلى أن الأمر "يتعلق بجودة المياه ومذاقها ومحاولة الاستفادة من الموارد المتاحة".

ويقول يحيى، النازح من شرق خان يونس إلى المواصي: "طبقت تجربة والدي من خلال ترك اليوم الأول من الأمطار لتنظيف سقف النايلون ومجاري المياه قبل البدء في تعبئة الجالونات للحصول على مياه نقية ونظيفة وصالحة للشرب".

وإذا كانت تجربة من يعيشون بجانب الدفيئات الزراعية أيسر لتمكنهم من توفير كميات كبيرة من مياه الأمطار، فإن النازحين في الخيام المتناثرة لم يستسلموا لواقعهم، وعمدوا إلى البحث عن وسائل بدائية لتجميع الأمطار من خلال وضع أوانٍ من البلاستيك والمعدن، أو عمل تجويف مائل لسطح الخيمة المغطاة بالنايلون، للاستفادة من الأمطار.

وتجتهد أم أحمد (52 عاماً)، مع زوجها وأبنائها، في تعبئة برميل تبلغ سعته 500 لتر جلبته معها من منزلها في مخيم المغازي بوسط القطاع الذي نزحت منه قسراً قبل خمسة أسابيع إلى رفح، لتضمن توفير مياه الشرب لبقية الأسبوع بدلاً من المشقة التي تكابدها العائلة بشكل يومي في تعبئة قوارير صغيرة من موزع مياه مجاناً تارة، أو شرائها من بائع تارة أخرى.

وبينما توضح الأم لخمسة أبناء أنها تستبشر خيراً بهطول الأمطار، على الرغم من إدراكها صعوبة ذلك على النازحين كلهم، تؤكد أن هناك حاجة إلى التكيف مع هذه الظروف، والاستعداد بقدر المستطاع للاستفادة من الأمطار، وتحويل محنتها في البرد والغرق إلى منحة يمكن الاستفادة منها.

وقالت أم أحمد: "نحسب حساب كل لتر مياه نشربه، أو نعد الطعام به، وحتى غسيل الأواني أو الملابس، لكن في الأيام الممطرة نتوسع في الاستخدام دون قلق، لأن تجميع مياه الأمطار يوفر لنا كميات كافية نستفيد منها حتى بعد المطر".

تصنيفات

قصص قد تهمك