كشفت دراسة حديثة نُشرت في دورية "ساينتفك ريبورتس" عن عامل رئيسي جعل الحيتان تصل لتلك الأحجام الضخمة، ألا وهو الجينات.
وتُعد الحيتان أكبر الثدييات على وجه الأرض، نتيجة عوامل مختلفة، تشمل حجم الحيتان عند الولادة ومعدل نموها، فضلاً عن نظامها الغذائي وعمليات التمثيل الغذائي، وكذلك البيئة.
وقبل ملايين السنوات، لم تكن الحيتان كبيرة بتلك الدرجة، إذ تُشير الحفريات إلى أن أسلافها كانت تتمتع بحجم يزيد قليلاً على حجم الكلاب من نوع "جيرمان"، فما الذي جعل بعض حيتان اليوم كالحوت الأزرق على سبيل المثال، يزيد طولها على 30 متراً ويصل وزنها إلى نحو 200 طن؟
4 جينات
الدراسة تشير إلى أن هناك 4 جينات مُحددة تسمى"GHSR" و"IGFBP7" و"NCAPG" و"PLAG1" لعبت الدور الأكبر في تعزيز حجم أجسام الحيتان، مع تخفيف الآثار السلبية المحتملة لزيادة الحجم، كالسرطان.
وذكرت الدراسة أن هناك علاقة بين حجم الجسم والأمراض، فكلما زاد الحجم زادت قابلية الإنسان أو الحيوان، للإصابة بالأمراض المختلفة، فالدهون الزائدة في الجسم يمكن أن تؤدي إلى التهاب وتغيرات في مستويات الهرمونات، ويمكن أن تعطّل العمليات الجسدية الطبيعية، وتزيد من خطر الإصابة بالأمراض.
وتطورت الحيتان والدلافين وخنازير البحر (المعروفة باسم الحيتانيات) من أسلاف برية صغيرة منذ نحو 50 مليون سنة، لكن بعض الأنواع الآن تعد من بين أكبر الحيوانات التي عاشت وما زالت تعيش على كوكب الأرض.
وعلى الرغم من أن الأحجام العملاقة يمكن أن تؤدي إلى عيوب بيولوجية، مثل انخفاض الإنتاج التناسلي وزيادة فرص الإصابة بأمراض مثل السرطان، إلا أنه لم يتضح الدور الذي لعبته الجينات المختلفة في "عملقة" الحيتان.
انتقاء إيجابي
وقالت أستاذة علم الوراثة والتطور والأحياء الدقيقة والمناعة في معهد علم الأحياء البرازيلي ماريانا فريتاس نيري، المؤلفة الرئيسية للدراسة في تصريح لـ"الشرق": "في الحوتيات العملاقة يبدو أن الجينات المشاركة في عمليات نمو الجسم قد خضعت لانتقاء إيجابي".
والانتقاء الإيجابي للجينات هو عملية يفضل فيها الانتقاء الطبيعي بقاء المتغيرات الجينية المفيدة للكائن الحي، إذ يعمل على زيادة تواتر المتغيرات الجينية المفيدة، ما قد يؤدي إلى التكيف وظهور أنواع جديدة.
وأضافت نيري أنه في حالة الحيتان، تسبب الحفاظ على البروتينات الجديدة في جلب نوع من المزايا في البيئة البحرية، ما سمح لها بالبقاء على قيد الحياة ونقل تلك المتغيرات لنسلها.
ويرتبط الانتقاء الإيجابي أيضاً بالتكيف البيولوجي، واختيار المستجدات التي تسمح بمعدل أعلى للبقاء والتكاثر، وكانت السمة التي تحتاجها الحيتان للمنافسة في البيئة البحرية هي الحجم الكبير.
وبفضل تلك المزايا، تستطيع الحيتان الآن النمو بسرعة بسبب نظامها الغذائي عالي الطاقة، والذي يشمل الأسماك والحبار الصغير.
تحليل تطوري
إضافة إلى ذلك، فإن عملية التمثيل الغذائي الخاصة بالحيتان سريعة جداً، ما يسمح لها بتحويل الطعام الذي تستهلكه إلى طاقة بسرعة وكفاءة.
وأجرى فريق الدراسة تحليلاً تطورياً جزيئياً على 9 جينات مرشحة: 5 جينات (GHSR و IGF2 و IGFBP2 و IGFBP7 و EGF) المعروفة باسم هرمونات النمو أو عوامل النمو الشبيه بالأنسولين، و 4 جينات (NCAPG و LCORL و PLAG1 و ZFAT) ترتبط بزيادة حجم الجسم في الحيوانات ذات الظلف مثل الأبقار والأغنام، والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحيتان.
وقيّم الباحثون هذه الجينات في 19 نوعاً من الحيتان، بما في ذلك 7 أنواع يبلغ طولها أكثر من 10 أمتار مثل حوت العنبر والحوت المقوس والحوت الرمادي والحوت الأحدب وحوت شمال المحيط الهادئ الصائب والحوت الزعنفة والحوت الأزرق.
ووجد الباحثون انتقاءً تطورياً إيجابياً لجينات "GHSR" و"IGFBP7" في محور هرمون النمو أو عامل النمو الشبيه بالأنسولين، ولجينات "NCAPG" و"PLAG1".
وهذا يعني أن الجينات الأربعة من المحتمل أن تكون مسؤولة عن زيادة حجم الجسم بين الحيتان العملاقة. بالإضافة إلى ذلك، يتحكم "GHSR" في جوانب دورة الخلية ويعمل "IGFBP7" كمثبط في عدة أنواع من السرطانات، والتي قد تتصدى معاً لبعض العيوب البيولوجية التي تأتي مع أحجام الجسم الكبيرة.
لماذا بقيت بعض الحيتان صغيرة الحجم؟
نيري أوضحت أن الباحثين "لم يركزوا في الدراسة على هذه الاختلافات"، فرغم وجود أنواع من الحيتان الصغيرة مثل الدولفين قاروري الأنف، إلا أنهم أجروا التحليل على الحيتان العملاقة فقط.
وأضافت: "هناك دراسة سابقة حددت أن الحيتان الصغيرة انتقت إيجابياً مجموعة من الجينات المرتبطة سابقاً بقصر القامة وصغر حجم الجسم، مثل الجينات المعروفة باسم ACAN، OBSL1، وGRB10".