ماذا تعرف عن تحمّض المحيطات؟.. وما علاقته بالكائنات البحرية؟

عواقب تغيّر المناخ على النظم المائية مثل المحيطات غير معروفة بشكل كامل

time reading iconدقائق القراءة - 6
أعشاب البحر تتدلى قبالة ساحل دوكسبري في ولاية ماساتشوستس الأميركية. 9 مايو 2023 - Reuters
أعشاب البحر تتدلى قبالة ساحل دوكسبري في ولاية ماساتشوستس الأميركية. 9 مايو 2023 - Reuters
القاهرة-محمد منصور

على طول سواحل المناطق المعتدلة في أنحاء العالم، تعيش كائنات معروفة باسم "أعشاب المثانة"، وعلى الرغم من تجاهل مرتادي الشواطئ لها في الغالب، إلّا أن هذه الأعشاب متواضعة البنية تلعب دوراً محورياً في الحفاظ على صحة وتوازن معظم الكائنات البحرية، إذ توفر المأوى والملجأ للعديد منها، على غرار سرطانات البحر والأسماك.

كما تساعد هذه الأعشاب البحرية أيضاً على الحماية من تآكل الشواطئ، وتُسهم بدور حاسم في حياة المغذيات الدقيقة عبر إزالة ثاني أكسيد الكربون من الماء، إلا أن تلك الكائنات، وفق دراسة جديدة منشورة في دورية "Cell" العلمية، أصبحت مُهددة بشدة جراء "زيادة تحمض المحيطات"، لافتةً إلى أن التهديدات "سترتفع بضراوة" مع ارتفاع تحمض المحيطات، والذي من المتوقع وصوله لثلاثة أضعاف المستويات الحالية بحلول نهاية القرن الحالي.

ما هو تحمض المحيطات؟

يُعد تغيّر المناخ أزمة عالمية متصاعدة، ناجمة في المقام الأول عن انبعاث الغازات الدفيئة، مثل ثاني أكسيد الكربون، إلى الغلاف الجوي للأرض.

وفي حين أن آثار تغير المناخ على النظم الإيكولوجية الأرضية معترف بها على نطاق واسع، فإن العواقب على النظم الإيكولوجية المائية، وخاصة المحيطات، غير معروفة بشكل كامل.

وحظيت هذه النظم المائية باهتمام متزايد في السنوات الأخيرة، والآن، يُعرف العلماء أن أحد الجوانب المهمة لتغير المناخ، هو تحمض المحيطات.

والتحمض ظاهرة تنشأ عندما تمتص المحيطات جزءاً كبيراً من ثاني أكسيد الكربون الزائد من الغلاف الجوي.

وتقول الدراسة إن التغيّر البيئي الجذري الناجم عن تلك العملية سيؤثر على الأنواع البحرية، لا سيما "أعشاب المثانة" التي تُعد إحدى قواعد سلاسل غذاء الكائنات البحرية.

حساسية الأعشاب

بحسب الورقة العلمية التي نشرتها مجلة "Cell"، قام فريق من علماء البحار السويديين بزراعة نوع شائع من الأعشاب البحرية في مياه معالجة بثاني أكسيد الكربون المذاب لمدة 90 يوماً بعد أن قاموا بإذابة ما يكفي من ثاني أكسيد الكربون لتقليد كمية التحمض المتوقع وجودها في عام 2100 والتي تعادل 3 أضعاف التحمض في محيطات اليوم.

وقال الفريق إن ذلك المستوى من التحمض "أثّر على التوازن الكيميائي للأعشاب البحرية وجعل وأنسجتها أضعف بكثير. كما قلّل فرص بقائها على قيد الحياة بشكل عام".

وأشار العلماء أيضاً إلى أن ما يقارب ثلث ثاني أكسيد الكربون المنبعث في الغلاف الجوي جراء النشاطات البشرية تمتصه المحيطات، وهو أمر سيكون له آثار عميقة على الأعشاب البحرية.

وطوال التجربة، لاحظ الفريق الأعشاب البحرية على المستوى المرئي من خلال قياس مدى نموها، وعلى المستوى المجهري عبر ملاحظة التغييرات الصغيرة في بنيتها.

وقام الفريق أيضاً بحساب مدى جودة أداء الأعشاب البحرية لعملية التمثيل الضوئي، وتحليل تركيبها الكيميائي، واختبار قوة الأوراق والسيقان التي تُشكل قلب بنية الأعشاب البحرية، ولاحظوا كيف تحركت الأعشاب البحرية أو انكسرت استجابةً للضغط الميكانيكي المصمم لمحاكاة الأمواج لمعرفة ما إذا كان سيكون أكثر عرضة لخطر الضرر أو الانفصال في المحيط.

وبعد مقارنة هذه المقاييس مع القياسات المأخوذة من "أعشاب المثانة" المزروعة في مياه البحر غير المحمضة، وجد الفريق أن التحمض كان له نتائج سلبية ضخمة، فقد نمت الأعشاب البحرية المزروعة في المياه المحمضة بشكل أكبر، وتمت عملية التمثيل الضوئي بشكل أكثر فعالية. كما لاحظوا أيضاً أن الأعشاب البحرية المزروعة في المياه المحمضة ذات أوراق أضعف وسيقان أقصر، وأقل كثافة في الأنسجة، ولها بنية أكثر مسامية بشكل عام، ومستويات أقل من الكالسيوم والماغنيسيوم - وهي عناصر غذائية مهمة تساهم في قوة ومرونة بنية النبات.

وبشكل عام، كانت الأعشاب البحرية المزروعة في المياه المحمضة تنكسر بسهولة أكبر وتموت في كثير من الأحيان.

آثار وخيمة

وفقاً للدراسة، سيكون لغياب أعشاب المثانة البحرية في البحار والمحيطات عواقب بيئية وخيمة.

وتشكل تلك الأعشاب غابات كثيفة تحت الماء على طول السواحل، مما يوفر موطناً حيوياً وملجأً للعديد من الأنواع البحرية. ومن دون هذه الملاذات تحت الماء، فإن العديد من الكائنات الحية، بما في ذلك الأسماك والسرطانات والقواقع والحيوانات البحرية الصغيرة، ستفقد ملجأها وأراضي تكاثرها. وقد يؤدي ذلك إلى انخفاض أعداد هذه الأنواع، ما يُسهم في تعطيل الشبكات الغذائية والتنوع البيولوجي.

كما تساهم الأعشاب البحرية في تدوير المغذيات في النظم البيئية الساحلية عبر إزالة ثاني أكسيد الكربون من الماء من خلال عملية التمثيل الضوئي، وإطلاق الأكسجين، وتُعيد العناصر الغذائية إلى النظام البيئي أثناء تحللها. وبدونها يُمكن أن تتعطل عمليات تدوير المغذيات، مما قد يُؤثر على الصحة العامة للنظم البيئية الساحلية.

وتواجه النظم البيئية الساحلية بالفعل تحديات كبيرة بسبب تغير المناخ، ويُمكن أن يتسبب غياب الأعشاب البحرية في جعل تلك النظم البيئية أكثر عرضة لهذه الضغوطات، إذ توفر الأعشاب البحرية مستوى معيناً من المرونة والاستقرار.

ويقول الباحثون في تلك الدراسة إن الآثار السلبية لتحمض المحيطات على بنية الأنسجة وكسر قوة الأعشاب البحرية يمكن أن يكون لها آثار جذرية على النظم البيئية الساحلية، لأن مثل هذه التغييرات "يُمكن أن تؤدي إلى انخفاض عام في تغطية الأعشاب البحرية، مع ما يصاحب ذلك من آثار سلبية على الكائنات الحية التي تعتمد على هذه الموائل للحصول على الغذاء والمأوى".

ويدعو الفريق إلى إجراء المزيد من الأبحاث لاختبار ما إذا كانت تأثيرات تحمّض المحيطات متشابهة بالنسبة لجميع الأعشاب البحرية اللحمية "فإذا ثبت أن هذا يُمثل آلية عامة تؤثر على الأعشاب البحرية، فالتوقع هو أن تحمّض المحيطات سيكون له آثار هيكلية حاسمة على النظم البيئية الصخرية نظراً لمدى انتشار الأعشاب البحرية البنية الأساسية على نطاق واسع عبر ثلث سواحل العالم".

تصنيفات

قصص قد تهمك