الإنسان والأفاعي الجرسية.. "مخلوقات رائعة" عندما تتعرف عليها

time reading iconدقائق القراءة - 5
راهب بوذي يحمل ثعباناً في دير ببلدة مينجالاردون بميانمار. 12 يناير 2023 - AFP
راهب بوذي يحمل ثعباناً في دير ببلدة مينجالاردون بميانمار. 12 يناير 2023 - AFP
القاهرة -محمد منصور

تواجه الأفاعي الجرسية، التي ترمز إلى الحياة البرية التي يُساء فهمها، اضطهاداً واسع النطاق؛ بسبب التحيزات المجتمعية المتأصلة. ويهدف بحث جديد، إلى كشف تعقيدات الإدراك العام، واستنباط أساليب جديدة؛ للتخفيف من السلوكيات المناهضة لحفظ تلك الكائنات.

ويكشف البحث؛ المنشور في دورية PLOS، عن رؤى مثيرة للاهتمام حول تعقيدات التفاعلات بين الإنسان والحياة البرية، إذ تشير النتائج الأولية إلى أن التجارب السابقة مع لدغات الثعابين السامة تشكل، بشكل كبير، تصورات الأفراد الأساسية عن الأفاعي الجرسية.

الإنسان والثعابين

علاوة على ذلك، فإن العوامل الاجتماعية والديمغرافية مثل العمر، والجنس، والموقع الجغرافي لها تأثير كبير على المواقف تجاه هذه الزواحف "المخيفة".

وتقول الدراسة إن مشاهدة مقطع فيديو آسر يُمكن أن يمارس قوة تحويلية على مواقف الأفراد تجاه الأفاعي الجرسية.

وتؤكد أن مشاهدة فيديو عن دور هذه المخلوقات في الطبيعة يُمكن أن يُحدث تأثيراً عميقاً تجاه أحد أكثر الحيوانات المخيفة، والتي يساء فهمها في أميركا الشمالية.

وبحسب المؤلف الرئيسي للدراسة، زاكاري لوجمان، وهو رئيس قسم علم الأحياء العضوية والبيئة وعلوم الحيوان بجامعة ويست ليبرتي الأميركية، فإن تسليط الضوء على تلك الحيوانات بشكل مختلف "يؤدي إلى التعاطف والتفاهم، فبمجرد أن يدرك الناس أن الثعابين مجرد حيوانات تحاول البقاء على قيد الحياة، فإنهم يميلون إلى أن يكونوا أقل خوفاً من هذه الحيوانات الرائعة".

ويقول لوجمان، في تصريح لـ"الشرق": "الناس لا يعرفون الطبيعة الحقيقية للثعابين، وعندما يتم تقديم ما يعرفه العديد من العلماء وعلماء الطبيعة عن هذه الحيوانات تتغير وجهة نظرهم بشكل كبير".

أجريت الدراسة من خلال استطلاع عبر الإنترنت يستهدف المقيمين في الولايات المتحدة، وشارك أكثر من 1182 من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في استكشاف دقيق لإدراك الأفعى الجرسية.

وتعرض المشاركون إما لرسالة فيديو علائقية أو مفيدة، مع استطلاعات قبلية وبعدية لتقييم التغيرات في المواقف على طول التدرجات العاطفية والمعرفية والسلوكية.

ووجد الباحثون أن تعليم الأفراد السلوكيات الأبوية للأفعى الجرسية أدى إلى استجابات أقوى لدى الأشخاص الذين لديهم أطفال. كما وجدوا أيضاً أن الأجيال الجديدة أكثر قبولاً للثعابين "خاصة جيل الألفية الذي يقبل مشاركة الثعابين في بيئته مقارنة بالأجيال الأخرى" على حد قول لوجمان.

وأظهر الأفراد من الخلفيات الدينية الإبراهيمية (الإسلام، والمسيحية، واليهودية) والإناث استجابات أقل، في حين أظهر "اللاأدريون"، وسكان منطقة الغرب الأوسط مواقف إيجابية نسبياً. 

كما أثرت الخبرة السابقة في مواجهة الثعابين السامة على نتائج الإدراك، مع درجات متفاوتة من تغير المواقف التي لوحظت بين المشاركين الذين مروا بمثل هذه التجارب، أو لم يمروا بها.

الثعابين والشعور بالذعر

يؤدي الخوف من الثعابين إلى الشعور بالذعر، وهو الأمر الذي ينجم عنه العديد من التفاعلات السلبية مع الثعابين. "تبدأ المعركة بين الأشخاص والثعابين بسبب ذلك الذعر، ويحاول الثعبان الدفاع عن نفسه بالتبعية، وهو ما قد ينجم عنه مصرع الأشخاص، وتعزيز صورة الثعبان الشريرة" بحسب لوجمان.

ويشير المؤلف الرئيسي للدراسة إلى أن الحل سيبدأ عندما يدرك الناس أنهم إذا "احترموا مساحة الثعبان، ولم يحاولوا إيذاءه، فلن يحتاجوا إلى حماية أنفسهم".

تساعد هذه الدراسة دعاة الحفاظ على البيئة على معرفة استراتيجية الرسائل الأكثر فعالية مع مجموعات مختلفة لتعليم الناس عن هذه الحيوانات، ما يؤدي إلى تعليم أكثر كفاءة للثعابين "ذلك فوز للناس والثعابين في النهاية.. لا يجب أن يكون هناك مهزوم في هذا الصراع".

تناقش الدراسة أيضاً استراتيجيتان متميزتان لتأطير الرسائل هما: النفعية، والعلائقية، فهناك مجموعة من الفوائد النفعية للأفاعي الجرسية في ديناميكيات النظام البيئي، منها دورها في السيطرة على مجموعات القوارض، والتخفيف من انتقال الأمراض الحيوانية المنشأ. أما الاستراتيجية العلائقية، فتناشد الارتباط العاطفي للأفراد مع الطبيعة، وتصور الأفاعي الجرسية ككائنات واعية تستحق جهود الحفاظ عليها.

وتقول الدراسة إن مقاطع الفيديو يجب أن تعبر عن النسيج المعقد للقيم والمعتقدات الإنسانية لتعزيز التغيير الهادف، فمن خلال توضيح التأثيرات التفاضلية للرسائل المفيدة والعلائقية، يمكننا تصميم روايات الحفاظ على البيئة التي يتردد صداها مع جماهير متنوعة، وتجاوز الحواجز الثقافية، وتعزيز روح جماعية للإشراف البيئي.

وتحمل هذه الدراسة آثاراً عميقة على جهود الحفاظ على الحياة البرية في جميع أنحاء العالم، حيث تعمل بمثابة مخطط لتعزيز التسامح وتقدير الأنواع غير المفضلة، وصياغة مسارات جديدة نحو التعايش، ما يضمن الحفاظ على التنوع البيولوجي للأجيال القادمة.

ويقول لوجمان في تصريحاته لـ"الشرق"، إن الثعابين ليست شريرة، وليس لديها أجندة لإيذاء الناس "إنها ببساطة حيوانات، وجزء مهم من الطبيعة، ومخلوقات رائعة عندما تأخذ وقتاً للتعرف عليها".

تصنيفات

قصص قد تهمك