الأشعة الكونية اخترقت "درع" الأرض المغناطيسي قبل 41 ألف سنة

الدراسة تساعد في فهم تطور مناخ الأرض والتغيرات البيئية مع مرور الوقت

time reading iconدقائق القراءة - 5
صورة جزئية لكوكب الأرض التقطها المكوك الفضائي أتلانتيس. 12 مايو 2009 - AFP
صورة جزئية لكوكب الأرض التقطها المكوك الفضائي أتلانتيس. 12 مايو 2009 - AFP
القاهرة-محمد منصور

يلعب المجال المغناطيسي للأرض دوراً حاسماً في حماية كوكبنا من الإشعاع الكوني والجسيمات المشحونة القادمة من الشمس، لكن شدته ليس ثابتة كما يُعتقد.

وبحسب دراسة نُشرت نتائجها خلال اجتماع الجمعية العامة للاتحاد الأوروبي لعلوم الأرض، اخترق المجال المغناطيسي لكوكب الأرض كميات ضخمة من "الأشعة الكونية" قبل نحو 41 ألف سنة.

ويعمل المجال المغناطيسي كحاجز وقائي، حيث يعكس الجسيمات المشحونة من الشمس، المعروفة باسم الرياح الشمسية، بعيداً عن الأرض، وبدون هذا الحاجز، يمكن لهذه الجسيمات أن تُجرّد الغلاف الجوي وتُغيّر من تركيز الغازات وتُعرّض سطح الأرض للإشعاع الضار.

ويتم توليد المجال المغناطيسي عن طريق حركة الحديد المنصهر والنيكل الموجود في اللب الخارجي للأرض، وهي عملية تُعرف باسم الدينامو الجيولوجي، وللمجال المغناطيسي قطبين شمالي وجنوبي، لكنه لا يتماشى تماماً مع القطبين الجغرافيين.

ويقع القطب الشمالي المغناطيسي حالياً في المنطقة القطبية الشمالية بكندا، لكنه ينجرف ببطء مع مرور الوقت بسبب التغيرات في نواة الأرض.

ومن المعروف أن الأقطاب يُمكن أن تنعكس أحياناً، وخلال هذه الانعكاسات، يصبح الشمال جنوباً، والجنوب شمالاً، وخلال هذه العملية تتضاءل شدة المجال المغناطيسي.

وعندما تنخفض شدة المجال المغناطيسي بشكل كبير، يصبح سطح الأرض أكثر عُرضة للأشعة الكونية.

الأشعة الكونية تضرب سطح الأرض

ولمعرفة متى كانت الأشعة الكونية تقصف سطح الأرض بشدة، يمكن للعلماء قياس النويدات المشعة الكونية في أعماق الجليد والرواسب البحرية.

والنويدات المشعة الكونية هي "نظائر" نادرة تتشكل عندما تتفاعل الأشعة الكونية مع نواة الذرة في موضعها الأصلي في المجموعة الشمسية، فتتحرر بذلك النكلونات (البروتونات والنيوترونات) من الذرة.

فعندما تدخل الأشعة الكونية عالية الطاقة الغلاف الجوي للأرض، تصطدم بالذرات والجزيئات الموجودة في الغلاف الجوي، ما يؤدي إلى سلسلة من الجسيمات الثانوية والتفاعلات، ويمكن أن تؤدي هذه التفاعلات إلى إنتاج النويدات المشعة من خلال عدة عمليات، بما في ذلك التشظي والتفاعلات النووية.

وبمجرد إنتاجها، يمكن لهذه النويدات المشعة أن تخضع لمزيد من التفاعلات والانتقال داخل الغلاف الجوي، وتصل في النهاية إلى سطح الأرض وتندمج في مختلف الخزانات البيئية، مثل قلوب الجليد والرواسب والصخور.

ومن خلال تحليل تركيزات هذه النويدات المشعة الكونية في العينات الجيولوجية، يمكن للعلماء إعادة بناء تدفقات الأشعة الكونية السابقة، ودراسة اختلافات المجال المغناطيسي الأرضي، والتحقيق في مناخ الأرض والتغيرات البيئية مع مرور الوقت.

"حدث لاشامب"

وفي حين ركزت الدراسات السابقة على الفترات التي تزيد عن الـ100 ألف عام الماضية، تعمقت الدراسة الأخيرة في فترات الاضطرابات المغناطيسية الشديدة، مثل "حدث لاشامب" والذي حدث قبل نحو 41 ألف عام.

وخلال هذه الحقبة المضطربة، التي عُرفت بـ"حدث لاشامب"، شهدت الأرض كثافة مغناطيسية منخفضة بسبب اختلال في المجال المغناطيسي للأرض، ما أدى إلى انعكاس مؤقت للقطبية، فالقطبين المغناطيسيين الشمالي والجنوبي تبدلت أماكنهما، ولو لفترة وجيزة مقارنة بعمر الأرض قبل العودة إلى تكوينهما الأصلي.

وتسبب حدث انعكاس الأقطاب في ضعف وتذبذب شدة المجال المغناطيسي ما سمح للأشعة الكونية بالوصول إلى الأرض.

وفي الدراسة، فحص العلماء هذه الظاهرة من خلال تحليل النويدات المشعة الكونية الموجودة في الجليد والرواسب البحرية.

وللحصول على مزيد من المعلومات من بيانات النويدات المشعة الكونية والبيانات المغناطيسية القديمة، أعاد العلماء بناء المجال المغناطيسي الأرضي باستخدام مجموعات من البيانات التاريخية لشدة المجال المغناطيسي.

ومن خلال ربط الاختلافات في إنتاج النويدات المشعة الكونية، المستنتجة من الجليد والرواسب البحرية، مع البيانات المغناطيسية القديمة، طور العلماء نماذج متعددة للمجال المغناطيسي الأرضي، في محاولة لتعزيز فهمنا لسلوك المجال المغناطيسي في الماضي.

وتشير النتائج إلى أن شدة الغلاف المغناطيسي تقلصت وبالتالي قلّت قدرته على حماية كوكبنا بشكل كبير، الأمر الذي تسبب في زيادة تركيز النويدات المشعة في أعماق الجليد والترسبات البحرية.

ومن خلال دراسة التغيرات المغناطيسية الأرضية السابقة وعلاقتها بالنشاط الشمسي، يمكن للعلماء تحسين نماذج التنبؤ بالطقس الفضائي، وهو أمر ضروري لحماية الأقمار الاصطناعية ورواد الفضاء والبنية التحتية التكنولوجية من الآثار الضارة للعواصف الشمسية والإشعاع الكوني.

كما أن الحصول على نظرة ثاقبة للمناخات القديمة والتغيرات البيئية، سيساعد على فهم كيفية تأثير المجال المغناطيسي للأرض على ديناميكيات المناخ.

تصنيفات

قصص قد تهمك