بدر بن عبد المحسن عرّاب الأغنية الوطنية السعودية

تتسم التجربة الشعرية التي خاضها الأمير والشاعر السعودي الراحل بدر بن عبد المحسن، بالفرادة والتنوّع في كل ما كتبه، وقصائده تأتي كتوقيع خاص به يعكس تلك الميزة في شعره.

شغِل الوطن حيزاً كبيراً في مسيرة الراحل الفنية على مدى نصف قرن، فهو صاحب التركة الأضخم من القصائد الوطنية، المحكية والمُغنّاة، ولقّبه الأمير خالد الفيصل بـ "بأنشودة الوطن".

رحل البدر تاركاً إرثاً من الملاحم، المتمثّلة في الأوبريتات الوطنية الافتتاحية، وسلسلة طويلة من الأغاني الموجّهة للبلاد، غنّاها  أبرز الفنانين السعوديين، مثل طلال مداح، ومحمد عبده، وعبادي الجوهر، وآخرين.

 "الشرق" تستعيد أبرز ما كتبه الأمير والشاعر الراحل من الأغاني الوطنية المحفورة في ذاكرة الشعب السعودي.

سيوف العز

 حين تولى الملك فيصل بن عبد العزيز زمام الحكم في المملكة، وكان الملك خالد بن عبد العزيز ولياً للعهد حينها، قرّر الشاعر الراحل الاحتفاء على طريقته، فكتب قصيدة "سيوف العز" أو كما عُرفت "ربنا واحد ودربنا واحد"، واحتضنها فنان العرب محمد عبده، فمنحها لحناً طربياً طار بها في أرجاء المملكة.

"ربنا واحد.. دربنا واحد
كلنا فيصل.. كلنا خالد"

فوق هام السحب 

في السادس من أبريل عام 2018، وقّع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عبارة "فوق هام السحب"، على القطعة الأخيرة من القمر السعودي الأوّل للاتصالات، وذلك قبيل إطلاقه، لتجد العبارة طريقها إلى الفضاء.

تعدّ "فوق هام السحب" الأغنية الوطنية الأكثر شهرة في السعودية، وتكاد تكون القاسم المشترك بين جميع السعوديين، فهي حاضرة في المناسبات الوطنية كلها.

ولدت الأغنية في ثمانينات القرن الماضي، بتوجيه من الملك فهد، ملك السعودية حينها، للأمير بدر بكتابة قصائد وطنية، كتب حينها الراحل مجموعة من القصائد، وكانت "هام السحب" من بينها.

وبحسب الشاعر ، بقيت القصيدة حبيسة الأدراج مدّة عامين، ظناً منه أنها مجرد قصيدة عابرة. عام 1987 لحّنها الفنان محمد عبده، وشدا بها في افتتاح ستاد الملك فهد الدولي.

لاقت القصيدة والأغنية استحساناً كبيراً من القيادة والشعب، وأصبحت دائمة الحضور في جميع الأمسيات والمناسبات الوطنية.

يذكر الأمير بدر في أحد لقاءاته، أنه قدّم أمسية نسي فيها أن يقرأ القصيدة المذكورة، لأنها تكرّرت في أكثر من أمسية، لكنه فوجئ بعتاب من الملك سلمان بن عبد العزيز على عدم قراءتها، وكان حينها أميراً للرياض، وأصرّ عليه أن يلقيها في كل أمسية شعرية.

"فوق هام السحب وإن كنتِ ثرى
فوق عالي الشهب يا أغلى ثرى"

حدثينا يا روابي نجد

من القصائد الرائجة بين السعوديين أيضاً، "حدثينا يا روابي نجد"، التي أفردها الشاعر لمؤسس المملكة الملك عبد العزيز آل سعود، مخاطباً فيها طبيعة المملكة بتنوّعها الجغرافي، مستعلماً منها عن تاريخ المؤسس وجهوده في توحيد المملكة.

كتبت القصيدة في الثمانينات بالتزامن مع قصيدة "فوق هام السحب"، وهي من ألحان الموسيقار السعودي الراحل "سراج عمر"، أحد أبرز الملحّنين السعوديين، وغنّاها الفنان محمد عبده، وصدرت في أول ألبوم وطني سعودي عام 1995، مع أربعة أعمال وطنية أخرى، كتب الأمير بدر منها ثلاثة.

وبحسب الصحفي الفني السعودي علي فقندش، فإن الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز، بعد سماعه الأغنية، أهدى بيتاً للفنان محمد عبده مكافأة له على الأغنية.

"حدثينا يا روابي نجد، يا جبال السراة
يا ينابيع الحسا جددي فينا الحياة
حدثينا عن أبو تركي العظيم
عن أبونا الفارس الشهم الكريم"

عزّ الوطن

في نهاية الثمانينات خاض الشاعر الراحل تجربة وطنية أخرى مع الفنان السعودي الراحل طلال مداح، حين غنى له قصيدة "عز الوطن" المعروفة في الأوساط بـ"الله الأول وعزك يا لوطن ثاني".

وبطبيعة الحال، لم تكن تلك التجربة الأولى، فهما يشتركان في تاريخ فني طويل بدأ مطلع السبعينيات الميلادية مع أغنية "عطني المحبة"، التي يرى الشاعر الراحل أنها سبب شهرته وظهوره، ناسباً الفضل فيها للفنان الراحل طلال مداح، الذي لحّنها وغنّاها كما أشار في لقاءات تلفزيونية. 

"الله الأول وعزّك يالوطن ثاني
لأهل الجزيرة سلام وللملك طاعة
حنا جنود الحرس للقايد الباني
رمحه، ودرعه، وكف الشيخ وذراعه"

عشب الفخر

قبل وفاة الأمير بدر بن عبد المحسن بأيام عدّة، كتب على صفحته في منصّة (إكس)، أبياتاً شعرية يعبّر فيها حب الوطن قائلاً: 

"اجمع الرمل في ضلوعك غرامْ
واطوِ زندك على ضلعانها
عانق الرمث وعروق الثمامْ
واِصل خدك على صوانها
أرضك اللي بها البيت الحرامْ
أشرق النور من وديانها
ربعت بالمحبة والسلامْ
واعشبت بالفخر صمّانها"

تجاوزت مشاهدات التغريدة المليون شخص، لكن يغيب عن الكثيرين أن تلك الأبيات، لم تكن سوى إحدى القصائد الوطنية للشاعر الراحل بعنوان "عشب الفخر" ، لحّنها الموسيقار السعودي الراحل محمد شفيق، وصدح بها الفنان طلال مداح في بداية التسعينيات.

البدر والفصحى

ذكر الشاعر الراحل في لقائه الأخير في معرض الرياض الدولي للكتاب 2023، أنه لم يكن يحبّذ الكتابة بالفصحى، بل كان يتجنّبها، وكان يرى أن الكاتب يجب أن يمتلك زمام اللغة تماماً، ليقدّم أفضل ما لديه، وأن من يمتلك لغة محدودة، سيضطر لتقديم شيء محدود.

كما رأى أن اللهجة العامية مفتوحة بالنسبة له، مؤكداً أن أبرز مشاكل الشعر الفصيح في العالم العربي تعود لعدم امتلاك اللغة.

وعلى الرغم من ذلك، وجد الشاعر الراحل نفسه مجبراً على الكتابة بالفصحى إبّان صدور "مجلة المختلف"، المهتمة بالشعر الشعبي، الصادرة من الكويت في نهاية الثمانينات، وكان أحد مؤسسيها، الأمر الذي اضطره للمشاركة بمقالات نثرية بلغة فصحى.

إلا أن تَجَنُبه للفصحى، لم يمنعه من التعامل معها بشكل احترافي، فتجربته في كتابة أوبريت "فارس التوحيد" عام 1999، التي امتزجت فيها العامية بالفصحى،  خير شاهد على تمكّنه من الفصحى وتطويعه لها.

يعبّر هنا عن حزنه على فلسطين المحتلة في إحدى مقطوعاته الشعرية في الأوبريت نفسها:

"ينساب في عروق
نهرُ من النخيلْ
يفيض في المآقي 
حزناً على الخليلْ"

وفي مكان آخر يحتفي بوطنه السعودية بمرور 100 عام على تأسيس المملكة :

قرن مضى بلادي إذ تهطل السنين
كالغيث في البوادي ويعشب الحنين
للأمس للرجال لنخلة وطين
تزهو بها الليالي

رحلة الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن لا يمكن اختزالها في سطور، وتاريخه المحفور في ذاكرة السعوديين هو إجابة على سؤاله حين قال: "يا بدر هي تسوي القصايد تعبها؟"

مازال هناك الكثير من القصائد والأغاني الوطنية الشائعة التي يدندن بها السعوديون في مجالسهم، من دون أن يعرفوا أنها من إبداع الأمير الشاعر الراحل.