من فيتنام إلى غزة.. ماذا تغير في احتجاجات الجامعات الأميركية على الحرب؟

إطلاق النار في جامعة كينت يوسع دائرة التظاهرات.. وشبح عدم ترشح جونسون يطارد بايدن

time reading iconدقائق القراءة - 11
متظاهرون ضد حرب فيتنام يقفون أمام جنود أميركيين في مدينة شيكاغو الأميركية. 26 أغسطس 1968 - REUTERS
متظاهرون ضد حرب فيتنام يقفون أمام جنود أميركيين في مدينة شيكاغو الأميركية. 26 أغسطس 1968 - REUTERS
واشنطن -رويترز

مع اندلاع الاحتجاجات المناهضة للحرب على غزة في الجامعات الأميركية، تتبادر إلى الأذهان مقارنات بين الاحتجاجات الحالية، والحركة المناهضة لحرب فيتنام، فما الذي تغير بعد مرور نحو نصف قرن؟

والسبت، حلت الذكرى السنوية الـ54 لإطلاق النار في جامعة كينت الحكومية، عندما دخلت قوات الحرس الوطني بولاية أوهايو، الحرم الجامعي لقمع الاحتجاجات، فأطلقت الرصاص على 13 طالباً لقي 4 منهم حتفهم، وأطلق العنان لموجة من الاضطرابات في أنحاء البلاد.

وتختلف الاحتجاجات التي تشهدها جامعات عدة في الولايات المتحدة منذ أسبوعين، عن احتجاجات حرب فيتنام، من حيث الحجم والدوافع، كما تغيرت الاتحادات الطلابية وكذلك الحزب الديمقراطي، لكن بالنظر إلى السباق الانتخابي المتقارب بين الرئيس الحالي جو بايدن المنتمي للحزب الديمقراطي، والرئيس السابق دونالد ترمب المنتمي للحزب الجمهوري، فإن الاحتجاجات ربما يكون لها تأثير سياسي.

عام 1970، كانت حرب فيتنام أكملت 5 سنوات، وأعلن الرئيس آنذاك الجمهوري ريتشارد نيكسون، توسيع نطاق الحرب لتشمل كمبوديا، وبنهاية العام، كانت أميركا جندت ما يقرب من 1.8 مليون شاب، ولقي ما يقرب من 30 ألفاً حتفهم.

ولا تقاتل أي قوات أميركية في الحرب الإسرائيلية على غزة، لكن الكثير من المواطنين الأميركيين فقدوا أفراداً من عائلاتهم.

ونظم الطلاب في عشرات الجامعات على مستوى الولايات المتحدة مظاهرات أو اعتصامات للتعبير عن معارضتهم للحرب الإسرائيلية على غزة، مطالبين المؤسسات بالتوقف عن التعامل مع الشركات التي تدعم الحرب.

واعتقلت الشرطة ما يزيد على 2000 من المحتجين.

تحول في دعم الحرب

تأثر الرأي العام مع تزايد أعداد الضحايا في غزة، وصور الدمار واسع النطاق، إذ تراجع تأييد الهجوم العسكري الإسرائيلي من 50% في استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "جالوب" في نوفمبر، إلى 36% في أواخر مارس.

ويواجه بايدن، الذي وقع في أبريل، على تشريع لتقديم مساعدات إضافية بقيمة 14 مليار دولار لإسرائيل، انتقادات متزايدة لطريقة تعامله مع الأزمة.

وصوت مئات الآلاف من الناخبين بوضع العلامة أمام اختيار "غير ملتزم" في بطاقة اقتراع الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي للتعبير عن خيبة أملهم وغضبهم.

وفي مقارنة بين الحربين، أشار السيناتور الديمقراطي بيرني ساندرز، إلى قرار الرئيس الأميركي الراحل ليندون جونسون، عدم الترشح في انتخابات عام 1968، وسط الغضب المتزايد من حرب فيتنام.

وأعرب ساندرز لشبكة CNN الأميركية، عن "قلق بالغ من أن بايدن يضع نفسه في موقف لا يكون فيه بمعزل فقط عن الشباب، بل عن الكثيرين في القاعدة الديمقراطية، في ما يتعلق بآرائه بشأن إسرائيل وهذه الحرب".

حجم ونطاق وحِدة الاحتجاجات

كيفن كروس الأستاذ في جامعة برينستون، قال إن "حجم الاحتجاجات وحدتها ازدادا عام 1970، إذ جذبت بعض المظاهرات مئات الآلاف من المشاركين"، مشيراً إلى أن "بعض الاحتجاجات شهد عنفاً أيضاً، على عكس المظاهرات السلمية التي شوهدت حتى الآن بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة".

وأضاف: "في الليلة السابقة لإطلاق النار، أحرقوا مبنى فيلق تدريب ضباط الاحتياط. لم يكن هؤلاء مجرد مجموعة من الطلاب يجلسون في خيام على العشب".

وأثار إطلاق النار في جامعة كينت احتجاجات جديدة مناهضة للحرب في أنحاء الولايات المتحدة، بل وفي أماكن بعيدة مثل ملبورن بأستراليا، حيث تجمع 100 ألف للاحتجاج، كما احتشد ما يقرب من 100 ألف في واشنطن العاصمة بعد أيام قليلة من إطلاق النار.

وقال كروس، إن "الأمر تكرر ولكن على نطاق أصغر بكثير، إذ أثار رد فعل السلطات في البداية على الاحتجاجات المناهضة لحرب غزة في جامعة كولومبيا، احتجاجات تضامنية".

وأضاف أن "الاحتجاج في كولومبيا كان من الممكن أن ينتهي إذا اختار المسؤولون تجاوزه بهدوء حتى يحل الصيف".

وأثارت تعليقات بايدن على الاحتجاجات، اتهامات جديدة له بعدم الإنصات إلى المشكلات، تماماً كما يرى نشطاء عرب أميركيون ومسلمون أن البيت الأبيض لم يستمع إلى مخاوفهم إزاء دعم إسرائيل.

وقال بايدن: "هناك حق في الاحتجاج، لكن ليس في إثارة الفوضى".

وبعد وقت قصير من إطلاق النار في جامعة كينت، دعا نيكسون مجموعة من عمال البناء إلى البيت الأبيض في أعقاب ما أطلق عليه (شغب القبعات الصلبة)، عندما هاجم 400 عامل بناء و800 من القائمين بأعمال مكتبية نحو 1000 محتج في مدينة نيويورك.

تنوع عرقي

في عام 1970، كان هناك زهاء 7.2 مليون طالب مسجلين في الجامعات الأميركية، شكلت النساء 41% منهم، بينما كان الطلبة من أصول إفريقية 7%.

أما الآن، ووفقاً للمركز الوطني البحثي المعني بتبادل معلومات الطلاب، فيوجد بالولايات المتحدة نحو 15 مليون طالب جامعي، يمثل الطلاب البيض نحو 41% منهم واللاتينيون 18% وذوي الأصول الإفريقية 11% والآسيويون 6%، فيما يفوق عدد الطالبات عدد الطلاب.

وقال جيمس زغبي، أحد المحتجين في حقبة فيتنام، ومؤسس المعهد العربي الأميركي، إنه "بينما كان للحركة النسائية وحركات الحقوق المدنية نشاط بارز في أواخر الستينيات، كانت تلك الجماعات أقل اتحاداً وأكثر خلافاً مما هي عليه اليوم".

وأضاف: "هذا جيل يتسم بالتعددية. إنهم نفس الأطفال الذين كانوا يقودون حركة (حياة السود مهمة) أو (مسيرة النساء) أو الاحتجاجات ضد حظر دخول المسلمين أو الاحتجاج المطالب بإجراءات سلامة (لحيازة) الأسلحة".

انقسام الديمقراطيين

كانت هناك انقسامات حادة آنذاك بين الأجيال، كما هي الحال الآن، حتى داخل الحزب الديمقراطي.

وحذر الخبير الاستراتيجي الديمقراطي جيمس كارفيل (79 عاماً)، الأحد الماضي، المحتجين في مقطع مصور متداول مليء بالألفاظ النابية على منصة "إكس"، من أنهم ربما يساعدون ترمب على الفوز مجدداً بمنصب الرئيس عبر زرع الانقسامات داخل الحزب.

وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة "يوجوف"، الخميس الماضي، أن 53% من البالغين يشعرون أن قرار مديري الجامعات بتعليق دخول بعض المحتجين المؤيدين للفلسطينيين فصولهم الدراسية أو فصلهم كان "صحيحاً" أو "ليس حازماً بما فيه الكفاية".

ويقفز هذا الرقم إلى 68% بين من تبلغ أعمارهم 65 عاماً أو أكثر.

ورأت ديلارا سعيد، رئيس التحالف المدني الإسلامي، وهو منظمة غير ربحية مقرها شيكاغو، أن "الحزب لا يزال بعيداً عن التواصل مع ناخبيه من الشبان وذوي الأصول الإفريقية".

وأضافت: "كانت لدى الحكومة سياسة عارضها الشبان والأميركيون من أصحاب البشرة الداكنة، وهي استخدام أموال ضرائبنا وإرسال قوات للقتال في حرب لا نوافق عليها، وهذا هو ما نحن فيه الآن".

ولفت عباس علوية، وهو مساعد كبير سابق في الكونجرس، وأحد منظمي حملة (غير ملتزم) في ولاية ميشيجان، إلى أن "قيادة الحزب معرضة بشدة لتكرار أخطاء حقبة فيتنام".

وأضاف أنه "في عام 1968، كان أحد الإخفاقات الكبرى لمؤسسة الحزب هو تجاهل الشبان المناهضين للحرب ومواصلة الحرب المروعة في فيتنام، وإبعاد الناخبين الشبان، ولدى شعور بأنهم معرضون لخطر ارتكاب نفس الشيء". 

وقالت ميا إرينبرج المتحدثة باسم حملة بايدن، إن "الحملة تتفاعل بشكل نشط مع الناخبين الشبان"، مشيرة إلى أن "هذه الجهود بدأت قبل أشهر من الدورة الانتخابية الماضية".

وقالت الحملة، إن بايدن حصل أيضاً على تأييد 15 مجموعة تصويت من الشبان ستوظف مئات المنظمين، وتحشد مئات الآلاف من المتطوعين.

وشدد مات هيل المتحدث باسم المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي، على أهمية الاحتجاج السلمي من أجل الديمقراطية في الولايات المتحدة، قائلاً إن المؤتمر سيسلط الضوء على ما سماه "وحدة الديمقراطيين وحماسهم في تناقض صارخ مع الفوضى والتطرف المشتعل في الحزب الجمهوري".

"الحرب التلفزيونية"

وتلقت الحركة المناهضة لحرب فيتنام، زخماً، من التغطية الإعلامية للصراع، الذي أطلق عليه "الحرب التلفزيونية" الأولى للولايات المتحدة، مع البث اليومي لصور جثث الجنود القتلى العائدين إلى البلاد. ويحظر الجيش الأميركي الآن هذه الصور.

وربما تتفاقم الانقسامات خلال المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي المقرر في شيكاغو في أغسطس، لكن زغبي قال إن "التحديات التي ربما يواجهها بايدن خلاله ستكون أقل مما كانت عليه عام 1968".

وأضاف: "لم يعد حال الحزب كما كان في 1968 عندما كان هناك شقاق داخله"، مشيراً إلى أن "بايدن نجح في نيل ترشيح الحزب، ولا توجد فرصة أمام أي مرشح آخر للظهور أمامه".

وهناك اختلاف رئيسي آخر هذا العام، إذ عُقد مؤتمر عام 1968 بعد أشهر قليلة من اغتيال زعيم حركة الحقوق المدنية مارتن لوثر كينج، والمرشح الرئاسي الديمقراطي البارز روبرت كيندي، الأمر الذي أزعج أمة منقسمة بالفعل بسبب حرب فيتنام والثورة الاجتماعية.

تصنيفات

قصص قد تهمك