"فضيحة أمنية" في بريطانيا.. هجوم إلكتروني غير مسبوق يستهدف رواتب أفراد الجيش

اتهامات مبطنة للصين بالوقوف وراء أكبر قرصنة تتعرض لها وزارة الدفاع البريطانية

time reading iconدقائق القراءة - 10
جنود بريطانيون يحضرون حفل افتتاح التدريبات العسكرية المشتركة في منطقة تدريب فازياني في جورجيا. 11 مايو 2016 - AFP
جنود بريطانيون يحضرون حفل افتتاح التدريبات العسكرية المشتركة في منطقة تدريب فازياني في جورجيا. 11 مايو 2016 - AFP
لندن-بهاء جهاد

تعيش بريطانيا هذه الأيام على وقع ما أعتبره مراقبون فضيحة أمنية تخص وزارة الدفاع وتتعلق بتسريب معلومات دقيقة عن أفراد ومنتسبي القوات المسلحة وقدامي المحاربين البريطانيين، وحسب التقارير التي نشرتها وسائل اعلام بريطانية فإن القرصنة الإلكترونية طالت بيانات عشرات الآلاف من أفراد القوات المسلحة. 

ووجهت لندن اتهامات غير مباشرة للصين، بالوقوف وراء هذا الهجوم الإلكتروني الذي يعد الأضخم على وزارة الدفاع البريطانية والذي تعتقد الوزارة أنه تكرر مرتين أو 3.

لكن الوزارة رغم ذلك سعت للتقليل من تأثيرات الهجوم، معتبرة أن القرصنة الصينية لم تحقق أهدافها، ولم تفلح  في الوصول لتفاصيل مالية أو اجتماعية تخص نحو 270 ألف فرد من القوات المسلحة وقدامى المحاربين.

ووفقاً لوسائل إعلام محلية، عملت الحكومة البريطانية خلال الأيام الثلاثة الماضية على فهم حجم الاختراق بعد اكتشافه مؤخراً، فيما ألقى وزير الدفاع جرانت شابس، في إحاطته أمام مجلس العموم، باللوم على الشركة المشغلة لنظام رواتب القوات المسلحة، التي ينطوي نظامها على نقاط ضعف "سهلت" عملية الاختراق التي لا يستبعد تورط الدولة الصينية فيها.

وليست هذه المرة الأولى التي تُتهم فيها الصين بمحاولة قرصنة وسرقة بيانات بريطانية، فقد ألقت حكومة لندن باللوم على جهات تابعة لبكين في حادثتين مشابهتين وقعتا بين 2021 و2022، إذ يقول مختصون إن الأهداف متعددة، ولكن السؤال إلى متى يمكن أن يستمر هذا، وهل يسبب مزيداً من التوتر بين المملكة المتحدة والتنين الأسيوي؟

أبعاد القرصنة الجديدة

في إحاطة لمجلس العموم، أوضح وزير الدفاع  البريطاني أن الحكومة فتحت تحقيقاً بالهجوم الإلكتروني الجديد، مستعينة بمكتب دعم مجلس الوزراء وخبرات شركات خارجية، للوقوف على نقاط ضعف نظام الرواتب في القوات المسلحة، لكن يبدو أن الحكومة لا تزال تحاول إلى الآن تقدير أبعاد الهجوم وحجم أضراره، وفق تقرير لصحيفة "التايمز".

ونقلت الصحيفة عن مصدر بوزارة الدفاع، أن جميع رواتب العاملين في القوات المسلحة ستدفع الشهر المقبل، ولكن قد يتأخر صرف بعض النفقات في بنود معينة.

كما أشار المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، إلى أن حجم الاختراق ليس بسيطاً حتى وإن كان الضرر محدوداً، لكن الهجوم الإلكتروني الصيني "فشل" من ناحية تحقيق أهدافه.

وكمؤشر على جدية الهجوم، طلبت وزارة الدفاع من العاملين في القوات المسلحة بكل وحداتها، تعبئة نماذج لرصد احتمال وصول بياناتهم المسروقة إلى ما يسمى بـ"الإنترنت المظلم" Dark web، لكن المصدر العسكري ذاته، أكد أن الاحتياطات قد اتخذت رسمياً لرصد أي تسريب أو استخدام للبيانات المسروقة، وردعه في الوقت والطريقة المناسبين.

ووفق وزير الدفاع، فقد وضعت الحكومة خطة من 8 نقاط لدعم وحماية المتضررين من القرصنة الجديدة، ومساعدتهم في منع وصول بياناتهم إلى المحتالين في "الإنترنت المظلم"، في حين أن صحيفة "التايمز" تعتقد أن القراصنة ومن وظفهم، وصلوا لبيانات العاملين في القطاع العسكري، لكنهم لم يستخدموها، أو يقوموا بتحميلها إلى الآن.

مبررات وأهداف محتملة

الضرر المتوقع على الأفراد في الهجوم لا ينتهي عند احتمال تسرب بياناتهم إلى "الإنترنت المظلم"، فيقعون فريسة للاحتيال الإلكتروني بكافة أشكاله، وإنما أيضاً يمتد بحسب رئيس مركز الأمن الإلكتروني والذكاء الاصطناعي بجامعة شرق لندن، أمير النمرات، إلى محاولة التأثير في سلوكهم وعاداتهم الشرائية اعتماداً على هذه البيانات.

ولفت النمرات في حديث لـ"الشرق"، إلى أن تورط دولة كبيرة مثل الصين، في قرصنة من هذا النوع، يشير إلى اهتمامها بتوجهات المجتمع البريطاني ومحدداته العامة، أي رغبتها بإحداث تغيير مجتمعي يخدم مصالحها على المدى الطويل، وهنا تكمن خطورة الهجوم على بيانات أفراد يعلمون لدى مؤسسات عامة، أو وظائف تتبع للحكومة.

وأشار المتخصص في الأمن الإلكتروني، إلى أن الاستخدام الواسع والمتزايد، للرقمنة في المملكة المتحدة يزيد من احتمالات تعرضها للقرصنة بشكل عام، ولكن ما تركز عليه الحكومة البريطانية بشكل أساسي هو تحصين مؤسساتها العامة من الاختراق، عبر حماية الأنظمة التي تعمل بها المؤسسات، وحماية بيانات العاملين فيها، الشخصية والمهنية.

ونوه النمرات إلى أن الحكومة البريطانية لا تعاني هشاشة في الأمن الإلكتروني تعرضها لعمليات قرصنة من قبل أفراد أو شركات، لكن يبدو أن خصومة المملكة المتحدة مع الصين تتجلى في أحد جوانبها بحرب تجسس لها أشكال مختلفة. وما تتطلع له بكين في هذه الحرب يتنوع بين غايات اقتصادية وسياسية ومجتمعية طويلة ومتوسطة الأجل.

اتهام مبطن للصين

رئيس الوزراء ريشي سوناك وصف الجهة التي تقف وراء الهجوم الإلكتروني بـ"الخبيثة"، لكنه لم يذكر دولة بعينها. فيما تقول هيئة الإذاعة البريطانية BBC، إن لندن لديها ما يجعلها تعتقد أن الصين هي التي تقف خلف محاولة قرصنة بيانات العاملين في القوات المسلحة، مع التنويه إلى أن هذه البيانات منفصلة تماماً عن نظام وزارة الدفاع البريطانية.

ونقلت BBC عن مصدر في وزارة الدفاع، قوله إن التحقيق في الجهتين المنفذة والمخططة للاختراق، لا زال في مرحلة مبكرة.

وأضاف المصدر: "صحيح أنه محرج لوزارة الدفاع، ولكن اكتشاف حقيقته ربما تستغرق شهوراً، وسنوات أحياناً، لجمع الأدلة الكافية من أجل توجيه الاتهامات علناً، لذا من غير المرجح أن تتهم بريطانيا الصين رسمياً اليوم".

الرئيس السابق للجنة الدفاع بمجلس العموم توبياس إلوود، قال لـBBC، إن استهداف نظام الرواتب والتفاصيل المصرفية الخاصة بالعاملين في القوات المسلحة للمملكة المتحدة يشير إلى الصين، لأنه" يمكن أن يكون جزءاً من خطة أو استراتيجية شاملة لتدمير البلاد، وعند التفكير بمثل هذا الهدف، يجب أن تعرف من يكرهك".

ولفت إلوود إلى أن بكين حاولت في وقت سابق الحصول على معلومات من طيارين سابقين في سلاح الجو الملكي البريطاني، وهذا بحد ذاته يشكل نقطة انطلاق مقنعة للاعتقاد بأن بكين تقف خلف الهجوم الإلكتروني الأخير، ناهيك عن الهجمات التي دعمتها الحكومة الشيوعية لسرقة البيانات الخاصة بالنواب والقطاع الصحي في المملكة المتحدة.

حرب التجسس الصينية

وثمة تقرير نشرته صحيفة "تلجراف" قبل بضعة أيام، يشير إلى اتساع رقعة حرب التجسس التي تشنها الصين على الغرب عموماً وبريطانيا على وجه خاص. 

ويرى التقرير أن السبب إما أن بكين أصبحت أكثر عدائية، أو أن لندن تعزز رصدها وتدقيقها لمفردات تلك الحرب، لافتاً إلى تصريحات لرئيس جهاز الاستخبارات الداخلية MI5 كيم ماكالوم، في يوليو 2022، قال فيها إن عدد العمليات التي نفذها الجهاز لمواجهة بكين زادت 7 أضعاف خلال 4 سنوات فقط. وفي ذات الوقت تضاعفت أنشطة الاستخبارات البريطانية في الصين.

ونقلت الصحيفة عن عسكري سابق ونائب عن حزب المحافظين لم تسمه، إن "الصين ربما كانت تبحث عن أصحاب الدخل المحدود بين القوات المسلحة من أجل تجنيدهم"، مشدداً على أن الهجمات الإلكترونية التي تتعرض لها الدولة، تمثل دروساً صعبة تتعلم منها الحكومة البريطانية كيف تتغير الحرب بسرعة مع تقدم أدوات التكنولوجيا.

ونوه النائب إلى أن الدفاع عن البنية التحتية والأنظمة الرقمية اليوم، لا يقل أهمية عن حماية الجغرافية، وهذا تذكير آخر لماذا تحتاج بريطانيا إلى مزيد من الاستثمار في الدفاع والأمن.

 كما أوضح أن هذا النوع من الهجمات الإلكترونية الذي يستهدف المملكة المتحدة، "يمكن أن يطال دولا أحرى في حلف الناتو، إذا لم يكن أصلاً موجود اليوم".

ودعا النائب إلى الاعتراف بالصين كـ"تهديد منهجي" للمملكة المتحدة، وبالتالي يجب على الحكومة تغيير المراجعة المتكاملة للعلاقة مع بكين لتعكس هذا الاعتراف، قائلاً إن "التنين الأسيوي فاعل خبيث في السياسة الدولية، فهو يدعم روسيا بالمال والمعدات العسكرية، ويعمل مع إيران وكوريا الشمالية في محور جديد للدول الشمولية".

نفي صيني مستعجل

وزير الدفاع في حكومة الظل العمالية جون هيلي، يقول إن في جعبته كثير من الأسئلة الجادة لوزير الدفاع جرانت شابس عن الهجوم الأخير الذي استهدف البيانات المالية للعاملين في القوات المسلحة البريطانية، لكن ذلك "لا يلغي إدانة الحزب المعارض لهذا العمل العدائي، ورفضه المطلق له أياً كان المنفذ أو الراعي والمخطط له".

ورغم أن بريطانيا لم توجه اتهاماً مباشراً لأي دولة، إلا أن سفارة بكين في لندن سارعت لنفي الاتهامات المبطنة للصين.

وقال متحدث باسم الخارجية الصينية إن بلاده تحث الأطراف المعنية في المملكة المتحدة على التوقف عن نشر معلومات كاذبة، واختلاق الروايات بشأن التهديد الصيني، و"وقف مهزلتهم السياسية المناهضة للصين".

وفي مارس الماضي وجهت بريطانيا اتهاماً رسمياً للصين، بتنفيذ هجوم إلكتروني استهدف بيانات 40 مليون ناخب. وأخر لقرصنة حسابات البريد الإلكتروني لـ4 نواب في برلمان المملكة المتحدة، والهجومان وقعا العام الماضي، ولكن حكومة لندن استهلكت عاماً كاملاً تقريباً لجمع الأدلة والبيانات حولهما لاتهام بكين.

وأكد نائب رئيس الوزراء البريطاني أوليفر دودين، حينها أنه تم استدعاء سفير بكين في لندن للتنديد بالهجومين، كما فرضت الحكومة عقوبات على شخص وشركة يمثلان واجهة عمليتي القرصنة. 

وحينها قال الزعيم السابق لحزب المحافظين إيان دنكان، إنه "يتوجب على بلاده الدخول في مرحلة جديدة من العلاقات مع بكين، والتعامل مع الحزب الشيوعي الصيني المعاصر كما هو بالفعل، وليس كما تتمنى بريطانيا أن يكون".

تصنيفات

قصص قد تهمك