مدفون جزئياً تحت الأرض وتقع أهم أقسامه على عمق 20 متراً محصن بالخرسانة المسلحة والحديد

مفاعل نطنز.. ماذا نعرف عن أهم منشأة إيرانية لتخصيب اليورانيوم؟

الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد يزور منشأة نطنز النووية على بُعد 350 كيلومتراً جنوب طهران- 8 أبريل 2008 - Reuters
الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد يزور منشأة نطنز النووية على بُعد 350 كيلومتراً جنوب طهران- 8 أبريل 2008 - Reuters
دبي-الشرق

مع اندلاع حرب إيران وإسرائيل، تركزت الأنظار على منشآت إيران النووية، وفي القلب منها مفاعل نطنز الذي يوصف بأنه قلب البرنامج النووي الإيراني.

في قلب الهضبة الإيرانية الجافة، وعلى بعد حوالي 250 كيلومتراً جنوب العاصمة طهران، تقع واحدة من أهم المنشآت النووية في إيران وأكثرها إثارة للجدل في الشرق الأوسط.

إنه مفاعل نطنز لتخصيب الوقود، الذي تُعد بمثابة قلب البرنامج النووي الإيراني، ولعب دوراً محورياً في سعي طهران نحو القدرات النووية، مما جعلها محل اهتمام ومراقبة دولية، وهدفاً متكرراً لهجمات إسرائيلية.

إنشاء مفاعل نطنز

تعود بدايات مفاعل نطنز إلى أواخر تسعينيات القرن الـ20، خلال المراحل الأولى من سعي إيران لبناء بنية تحتية نووية متكاملة، لكن المنشأة لم تُكشف للعالم إلا في عام 2002، عندما أعلنت جماعة المعارضة الإيرانية في الخارج "مجاهدي خلق"عن وجودها.

وأثار هذا الكشف قلقاً دولياً واسعاً، ودفع إيران إلى الاعتراف الرسمي بالمنشأة وفتحها أمام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 2003. وجاء ظهور المنشأة في وقت كانت إيران تُصعد طموحاتها في تخصيب اليورانيوم، وهي العملية التي تقع في صميم الاستخدامات السلمية والعسكرية للطاقة النووية.

وتقع المنشأة قرب مدينة نطنز بمحافظة أصفهان، في منطقة نائية توفر قدراً من الحماية الطبيعية والسرّية التشغيلية. وتُغطي المنشأة مساحة إجمالية تُقدّر بحوالي 7 كيلومترات مربعة، فيما تمتد المنشأة الرئيسية لتخصيب الوقود على مساحة تقارب 100 ألف متر مربع.

وما يُميز مفاعل نطنز أنه مدفون جزئياً تحت الأرض، حيث تقع أهم أقسامه على عمق يتراوح بين 8 إلى 20 متراً تحت السطح، محصنة بالخرسانة المسلحة والحديد، بهدف حمايتها من الضربات الجوية والهجمات الصاروخية. وتُشير تقارير حديثة إلى أن إيران بدأت بالفعل بناء منشآت أعمق وأكثر تحصيناً في نفس المنطقة، لحماية بنيتها التحتية النووية.

وظائف مفاعل نطنز

الوظيفة الأساسية لمنشأة نطنز هي تخصيب اليورانيوم باستخدام أجهزة الطرد المركزي. في المراحل الأولى، استخدمت إيران أجهزة من نوع "IR-1"، وهي نسخ من تصميمات حصلت عليها من شبكة سوق سوداء أنشأها العالم الباكستاني عبد القدير خان.

ومع مرور الوقت، بدأت إيران في تطوير ونصب أجهزة طرد أكثر تطوراً، مثل: "IR-2m"، و"IR-4"، و"IR-6"، بهدف زيادة الكفاءة والإنتاج. وبموجب الاتفاق النووي المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2015، وافقت إيران على تقليص أنشطة التخصيب في نطنز، وتفكيك أجهزة الطرد المتقدمة، والحد من التخصيب بنسبة لا تتجاوز 3.67%.

لكن بعد انسحاب إدارة الرئيس دونالد ترمب من الاتفاق عام 2018، بدأت إيران تدريجياً استئناف وتوسيع أنشطة التخصيب في نطنز، وقد وصلت قدرة المنشأة إلى تخصيب اليورانيوم بنسب تصل إلى 60%، وهي قريبة من مستوى التخصيب المستخدم في الأسلحة النووية عند 90%.

أهمية مفاعل نطنز

يُشكل نطنز الركيزة الأساسية لبرنامج التخصيب الإيراني، ويضم آلاف أجهزة الطرد المركزي، ويُعتبر مركزاً حاسماً في قدرة طهران على تخزين كميات من اليورانيوم المخصب، سواء لأغراض مدنية أو عسكرية.

ولهذا السبب، أصبح هذا المفاعل مؤشراً استراتيجياً في المفاوضات النووية، ويُراقب الغرب عن كثب أي تغييرات في نشاطه، مثل تركيب أجهزة جديدة، أو بناء غرف تحت الأرض أو زيادة الإنتاج.

وفي حال قررت إيران المضي قدماً في تصنيع سلاح نووي، فمن المرجح أن يلعب نطنز دوراً أساسياً في إنتاج المادة الانشطارية المطلوبة. وبالتالي، فإن المنشأة تمثل أصلاً نووياً حيوياً.

هجمات وعمليات تخريب

تعرّضت منشأة نطنز لسلسلة من الهجمات البارزة على مدى العقدين الماضيين، ما يدل على أهمية استهدافها في الحرب السرية المحيطة بالملف النووي الإيراني.

وفي العام 2010 تعرض المفاعل لهجوم سيبراتي يُعتبر الأشهر في التاريخ، إذ استُخدم فيه فيروس يُعرف باسم "Stuxnet"، يُعتقد أن الولايات المتحدة وإسرائيل قد طورته، تمكّن من التسلل إلى أنظمة التحكم الصناعية، وتسبب في تدمير نحو 1000 جهاز طرد مركزي، ما أدى إلى تعطيل البرنامج الإيراني لأشهر.

وفي يوليو 2020، وقع انفجار غامض في ورشة تجميع أجهزة الطرد المتقدمة داخل مفاعل نطنز، وأكدت السلطات الإيرانية أنه كان عملاً تخريبياً، وقد وُجهت أصابع الاتهام إلى إسرائيل.

صورة ملتقطة عبر الأقمار الصناعية تُظهر منشأة نطنز النووية في إيران- 24 يناير 2025
صورة ملتقطة عبر الأقمار الصناعية تُظهر منشأة نطنز النووية في إيران- 24 يناير 2025 - Reuters

وفي أبريل 2021، تعرضت المنشأة لقطع مفاجئ في الكهرباء، مما أدى إلى إتلاف العديد من أجهزة الطرد. وأشارت التقارير مجدداً إلى تورط الموساد، مع احتمال وجود اختراق داخلي.

وخلال الحرب الحالية بين إسرائيل وإيران، ذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن الهجوم العسكري الإسرائيلي على المجمع النووي الإيراني في "نطنز" أصاب بشكل مباشر محطة تخصيب اليورانيوم تحت الأرض هناك، مشيرةً إلى أن أجهزة الطرد المركزي في المحطة تضررت بشدة على الأرجح بسبب استهداف إمدادات الكهرباء بالمحطة.

 التحصين والمخاطر

رغم تحصين أجزاء من نطنز تحت الأرض، إلا أن المنشأة لا تتمتع بنفس مستوى الحماية الموجود في منشأة "فوردو" مثلاً المدفونة تحت الجبال، مما يجعلها أكثر عرضة للهجمات الدقيقة.

ودفعت تلك الهجمات والمخاطر إيران إلى اتخاذ ندابير لزيادة مستوى التحصين في المنشأة النووية، على غرار، توسيع وتعميم البنية التحتية تحت الأرض، وبناء منشآت أعمق في الجبال المحيطة، وتعزيز الدفاعات الجوية حول الموقع، وتوزيع أجهزة الطرد على منشآت متعددة لتقليل الاعتماد على نطنز فقط.

لكن رغم هذه الجهود، يرى الخبراء أن المنشأة ستبقى هدفاً عالي الأولوية بالنسبة لإسرائيل، التي تسعى إلى تطوير أسلحة قادرة على إحداث أضرار في أكبر عمق ممكن تقع فيه المنشآت النووية الإيرانية.

تصنيفات

قصص قد تهمك