"بضع ساعات في يوم ما".. هل يغازل السبكي جمهور الأدب؟

الملصق الدعائي لفيلم "بضع ساعات في يوم ما" - facebook/ElsobkyProduction
الملصق الدعائي لفيلم "بضع ساعات في يوم ما" - facebook/ElsobkyProduction
القاهرة -رامي عبد الرازق*

يتصدر أفيش وتترات الفيلم المصري "بضع ساعات في يوم ما"، جملة "عن رواية" التي تلعب بشكلٍ دعائي على تسويق التجربة، استغلالاً لكونها مأخوذة عن قصة لكاتب لديه رصيد لا بأس به من الشهرة بين أوساط المراهقين وهو محمد صادق، الذي سبق وقُدمت راويته "هيبتا" عام 2016، في فيلم إخراج هادي الباجوري.

صدرت الطبعة الأولى من "بضع ساعات" في 2012، ومثلت أوائل المحاولات الأدبية للشاب العشريني آنذاك، بلغتها البسيطة جداً وتركيزها على الوصف والحوار، وكانت تحمل بلا شك نفس سينمائي واضح على المستوى الكلاسيكي بداية من وحدة الزمان، عنوانها نفسه يرتكز على الزمن كإطار سردي للحكايات المتنوعة، ووحدة الموضوع، محاولة تحليل الحرية الإنسانية انطلاقاً من مرتكزين أساسيين هما الجنس والأخلاق، وحتى وحدة المكان نفسه، القاهرة/ المدينة في حضورها الكلي.

وبما أنها تدور بين عدة ثنائيات ذكورية ونسائية في ليلة واحدة ومدينة واحدة، فكان ثمة اشتغال على المونتاج، في شكل قطع انتقالي بينهم، هادئ ومرتب بلا تداخلات أو صيغ بنائية مركبة، بالإضافة طبعاً إلى كون النوع ينتمي إلى الميلودراما العاطفية، وهو النوع الأثير للكاتب وقاعدته الجماهيرية الشابة، كل هذا منح الرواية البريق الكافي لجذب عيون المنتجين، وتحديداً أحمد السبكي، الذي بدأ توجهه الإنتاجي يتنوع بشكلٍ ما خلال العقد الأخير، بعيداً عن الخلطة الشعبوية المعروفة، والتي طبعت اسم العائلة الأشهر في مجال الإنتاج لسنوات طويلة.

مزاج السبكي

يبدو "بضع ساعات" منتمياً لما يمكن أن نسميه "مزاج السبكي" في التعاطي مع تجارب بتركيبة ثابتة ومجربة، تعتمد على عدد كبير من الشخصيات تدور بينها حكايات قصيرة في مكانٍ واحد وزمان واحد تقريباً، كما سبق وأشرنا، وهو ما يمكن بسهولة أن نتبعه في الأفلام التي بدأت بـ"الفرح" عام 2009، مروراً بـ"كباريه" و"المحكمة"، اعتماداً على المكان، و"ساعة ونص" و"الليلة الكبيرة" و"ليلة العيد" و"قمر 14"، وكلها تعتمد على الليلة الواحدة أو الزمن بشكل عام كإطار لجمع الشخصيات.

يمكن الإشارة أيضاً، إلى أن الفيلم الذي يحمل ختم "عن رواية" هو أول تجربة لأحمد السبكي منفرداً في إنتاج سيناريو مقتبس من الأدب، فقد كان للعائلة تجربة سابقة في اقتباس مسرحية تينسي وليامز "عربة اسمها الرغبة" عام 2002، في فيلم "الرغبة" بطولة نادية الجندي وإلهام شاهين، وكتابة د.رفيق الصبان، وإخراج على بدرخان.

لا يبتعد "بضع ساعات" إذن عن نفس التركيبة المزاجية لإنتاجات أحمد السبكي خلال العقد ونصف الماضيين، وهي تركيبة لها ميزاتها التسويقية في المقام الأول، وذلك بجمع أكبر عدد من الممثلين على الأفيش، خصوصاً هؤلاء الذين ليس لديهم متطلبات المساحة الخاصة بالبطل الأوحد، ولا أجره!.

يمكن إذن أن نفترض أن الرواية متعددة الثنائيات التي تدور في 8 ساعات فقط، توافقت من حسن حظها مع مزاج التركيبة، وبالتالي شقت طريقها نحو الشاشة، كاسرة حالة الشح التي تعاني منها علاقة الأدب المصري وغير المصري بالسينما المصرية منذ بدايات الألفية، وهي أكثر العقود ضحالة في تاريخ هذه العلاقة بشكلٍ خاص، والتي بدأت قبل ما يقرب من مئة عام مع ظهور أول رواية مصرية على الشاشة "زينب" لمحمد حسين هيكل، بل وفي تاريخ إنتاجات هذه السينما العريقة بشكلٍ عام.

الكلمة والصورة

على عكس مدرسة نجيب محفوظ في تجنب اقتباس رواياته بنفسه إلى السينما رغم حرفيته الكبيرة، يقرر محمد صادق أن يشتغل بنفسه على تحويل روايته، بالتعاون مع كاتبتين شابتين هما شادن زهران ونورهان أبو بكر، وهي معادلة معقولة تجلب للكاتب صوت آخر يعاونه على إجراء تقنيات الحذف والإضافة وإعادة البناء بما يتناسب مع انتقال المتن من وسيط الكلمة إلى الصورة.

لكن الراوية كما سبق وأشرنا لا تحتاج إلى جهد تقني في تحويلها، نظراً لكونها بسيطة اللغة، مرتبة الإيقاع، واضحة الزمن، حوارية جداً، مباشرة الرسالة أو الرسائل، وهو ما جعل العديد من الخطوط والمشاهد تأتي تقريباً متطابقة بين الكُتّاب والفيلم، خصوصاً في السياقات التي لم يدخل عليها أي تعديل بالتحوير أو الحذف.

تبدو الرواية في متنها الأساسي منشغلة بشكلٍ واضح بمحاولة تفكيك سؤال الحرية الإنسانية، خاصة الحرية الاجتماعية، عقب حراك يناير 2011، والذي كان شعاره الأساسي يرفع رايتي الحرية والعدالة الاجتماعية، بينما لا يبدو الفيلم مهموماً بنفس الرسالة، أو السؤال، ربما يحاول تمريره بشكلٍ عابر في ثنائية "يسرا" و"بحر"، شابة جميلة مطلوب منها أن تكون ملتزمة شكلياً تقرر الاستجابة لدعوى مكالمة جنسية من رجل مجهول تطلق عليه فيما بعد اسم "بحر"، وترتبط شكوى (يسرا/ هدى المفتى)، المعلنة في خطابية مع بعض خطوط الفيلم، بينما في الرواية تبدو عجينة الشكوى واحدة تقريباً.

يبدو خط "يسرا" متماش مع خطاب نسوي واضح يتحدث عن العنف ضد المرأة، كما في الخط الخاص بثنائي المؤثرين (طارق/ أحمد السعدني) و(أمنية"/مي عمر)، وهو خط جديد تماماً يبدو أقرب لتحديث زمني بسبب الفارق بين زمن الراوية وتوقيت إنتاج الفيلم.

كذلك قضية التحرش كما في التعديل الكبير الذي أدخل على الخط الخاص بـ"عاصي" و"ريم"، حيث يتحول "عاصي" في الفيلم من شاب منفتح في انحلال يهرب من أزمته الشخصية بإدمان البورنو والعادة السرية إلى مصور شاب ناجح وجدع يقوم بإنقاذ "ريم" التي تتحول في الفيلم من صديقته الأنتيم التي تحبه في صمت وتحتمل إباحته المفرطة إلى فتاة تعاني من متلازمة "توريت"، وهو خلل كيميائي في المخ يؤدي إلى أعراض جسدية غريبة، لم تكن القضية اختيار سينمائي موفق تماماً بسبب طبيعة الأعراض التي أدت إلى أن الجمهور أعتبر أداء مايان السيد مضحكاً وهزلياً رغم إجادتها تجسيد الحالة، وهي مشكلة ذكاء درامي في اختيار مرض نادر لا يتوافق مع ذوق الجمهور المستهدف أو مدى فهمه للحالة المقدمة.

لدينا أيضاً بجانب قضايا الكبت المجتمعي أو الذكوري والعنف الأسري والتحرش، حيث تتعرض "ريم" في الفيلم لحادث بسبب هروبها من زوج أمها الذي تمتد يده إليها دائماً في واحدة من أكثر مشاهد الفيلم سذاجة وبدائية، لدينا أزمة الثقة بالنفس التي تعاني منها شخصية (أمل/ أسماء جلال) والتفهم الذكوري المستحيل الذي ترجوه كل فتاة من شريكها، والمتمثل في شخصية (محمد/ محمد الشرنوبي)، ضابط الشرطة الحكيم الذي يذهب لمواجهة "الإكس" الخاص بخطيبته، مصطحباً إياها لمواجهته، ثم غافراً لها في النهاية خيانتها -الشعورية- له، بينما يدعي "أيمن" الخطيب السابق لأمل أن علاقتهما امتدت لما هو جسدي، في محاولة تدمير سمعتها وعلاقته بـ"محمد" لسبب غير مفهوم.

هذا على مستوى الخطوط صريحة التوجه النسوي في الفيلم، في مقابل أزمة منفردة لشاب يدعى "شادي"/محمد سلام، يحاول أن يجمع أكبر عدد من المتابعين لتحقيق شهرة على "السوشيال ميديا"، وهي شخصية نمطية جداً لم تقدم بأي قدر من نضارة الطرح، تماماً كما في شخصيات ثنائي المؤثرين "طارق" و"أمنية" اللذان نضحا بالتكرار والكليشيهات الخاصة بالنوعية المعروفة بعشاق التريند وعبيد الترافيك. وبالمناسبة "أمنية" موجودة في الرواية ولكن بشخصية مختلفة تماماً، في الرواية هي فتاة ملتزمة دينياً تحاول أن تغلق صفحة إلحادية عبر حشد أكبر عدد من المقالات والآراء "للثورة" على وجود مثل هذه الصفحة التي تعيب في الذات الألهية، ثم ينتهي بها الحال إلى الاستسلام الساذج وغير المفهوم لأن تكون واحدة من أعضاء هذه الصفحة بسبب تهديد عمها لها بضرورة أن تتوقف عن مشاركة المقالات التي تجعلها في مرمى عيون "حراس الوطن".

أما في الفيلم، فهي راقصة بالية معتزلة، تدير صفحة يزورها 4 مليون متابع، وتقوم بتزييف حياتها بمساعدة زوجها "طارق" -شخصية مضافة غير موجودة في الرواية- من أجل تحقيق مزيد من المتابعة والمكاسب والحملات المدفوعة، ورغم إعادة التشكيل تظل "أمنية" الشخصية الروائية تتسم بالسذاجة والمدرسية و"أمنية" الفيلمية تتسم بالنمطية وخفوت الجاذبية.

سؤال الجمهور

لدينا إذن نمطية شخصيات "شادي" و"طارق" و"أمنية" والمباشرة الفجة لشخصية "يسرا" التي ترغب في الانعتاق الخطابي من أسر توجيهات المجتمع القابض على حريتها، وركاكة الخط الخاص بـ"عاصي" و"ريم"، وافتعال الخط الخاص بـ"أمل" و"محمد"، لدرجة أنه يصطحبها إلى منزل خطيبها السابق في الرابعة فجراً ليواجهوه، فتنزل زوجته وتنضم لهم معلنة أنهم هم الاثنين لا يقلون عن بعض دونية بينما "أمل" طاهرة وشريفة، في مقابل كل هذه الخطوط غير المحفزة للمتابعة يظل الخط الخاص بـ"ياسين"/هشام ماجد و"سارة"/هنا الزاهد، أكثر الخطوط المأخوذة من الرواية لطفاً ورهافة وعفوية، بل أنه يصلح بمفرده ليكون خط رئيسي في فيلم من نوعية walk and talk أي الأفلام التي تعتمد على لقاء غير مرتب بين ثنائي تنمو علاقتهما بالتدريج عبر قضاء زمن قصير يقضونه في الثرثرة والحكي المتواصل، وهو الخط الذي أنقذ الفيلم من الرتابة والنمطية والتكرار.

حتى على مستوى وحدة الزمن، يمكن بسهولة تقبل أن يظل "سارة" و"ياسين" سوياً لليلة بأكملها، بينما هي في طريقها لزيارة أبيها المريض في المستشفى -قبل أن يصلها خبر وفاته وهي معطلة بسبب سيارتها- بينما نجد من الغريب جداً وغير المفهوم أن يحتفل "طارق" و"أمنية" بعيد زواجهما عبر سلسلة من المشاركات والبث المباشر بداية من الساعة 12 صباحاً -أول ساعات القصة- وحتى السابعة صباحاً! وحتى لو كان هذا هو الوقت المناسب على مستوى الواقع! لكنه بلا شك وقت مشكوك في منطقيته درامياً، خصوصاً لغير جمهور "السوشيال ميديا" الذي من الصعب أن يصدق أن هناك 25 ألف متابع يسهرون إلى الصباح لمشاهدة بث "طارق" و"أمنية" في عيد زواجهما!.

ربما تبدو الرواية أكثر منطقية نسبياً في التعامل مع زمن الليلة الواحدة، حيث يمكن تقبل غالبية تصرفات وحركة الشخصيات، أما في الفيلم فلا يبدو أن ثمة مراعاة لطبيعة الأحداث التي دخلت على الخطوط الخاصة بالشخصيات والإضافات والحذف، بل بدا أن الزمن مع هذه الأحداث سوف يتبلور بشكلٍ أكثر منطقية لو أن كل هذه التفاصيل، بنمطيتها وخفوتها وافتعالها، تدور في ساعات النهار!.

ولما كان الزمن عنصر سردي مهم خاصة في مثل هذا النوعية من التجارب، فلا شك كان من الممكن أن يدعم ولو قليلاً من ركاكة السياقات وهشاشتها الشعورية.

تبقى الإشارة إلى أن محاولة السيناريو أن يجمع الشخصيات كلها في خط واحد باعتبارهم شلة يقضون ليلة عيد زواج "طارق" و"أمنية" سوياً في محاولة لتبرير سر تتبع هذه الشخصيات بالذات، هذه المحاولة لم تفلح في تأطير فرضية واضحة للفيلم أو دلالة أو حتى رسالة مباشرة، وبدا ذلك أكثر ما بدا في المشهد قبل الأخير الذي اجتمعت فيه كل الشخصيات قبل 8 ساعات -أي قبل بداية العد التصاعدي للساعات المأخوذ من فصول الرواية- وتمني كل شخصية أمنية في سرها، يتم تدوينها في جروب "واتس آب" على أن يتم قرائتها في الصباح، رغم أنها ليست ليلة رأس السنة مثلاً مما يمنح بعض المنطق لمسألة الأمنيات أو السهرة الطويلة غير المبررة.

الأمنيات التي نسمعها تبدو متشظية وغير مترابطة مثل الخطوط، بعضها طريف أقرب للإفيه، أمنية "ياسين" أن يقلع عن التدخين، وهي أكثر أمنية درامية وجذابة، وغالبيتها نمطي ومفتعل، مثل أمنية "أمل" أن يعرف "محمد" كم يحبها رغم علاقتها المريضة بـ"أيمن".

صورة عادية

يمكن القول أن المخرج عثمان أبو لبن تعامل بصرياً مع الفيلم في حدود ما يسمح به السيناريو من تفاصيل، الفيلم حواري بالأساس وهو ما يجعله تحدياً ليس بالسهل، ولكن الصورة جاءت عادية لا يوجد بها عمق ولا تحتمل التأويل، مشاركتها في السرد منحسرة في التصوير نفسه، وقليل من توجيهات الإخراج، فالممثلين لا يقدمون أي أداء مختلف عن سابق أدوارهم مع مخرجين آخرين، والإفراط في الموسيقى التصويرية يذكرنا دائماً ببداياته كمخرج فيديو كليب، أي لا يعرف فضيلة الصمت! ولا كيف يتحرك الممثلون على الشاشة دون خلفية موسيقية تصاحب كل حركة وكل نظرة ولمسة يد.

ربما أهم ما تطرحه تجربة "بضع ساعات" هو سؤال الجمهور المستهدف! فهل يمكن التعامل بنفس التركيبة الخاصة بالتجارب "السبكية" سابقة الذكر مع الشرائح التي يمكن أن تشاهد هذا الفيلم؟ مثلما كانت بعض التجارب تتماش مع الشرائح المستهدفة مثل فيلمي "الفرح" و"كباريه"! .

هل جمهور محمد صادق الذي قرأ الراوية قبل 12 عاماً لا يزال راغباً في مشاهدتها كفيلم! أم أنه تجاوز الرواية والمرحلة بأكملها بحكم القفزات الضخمة التي حدثت خلال العقد الأخير على مستوى السينما والدراما! هل تحديث الرواية بالمؤثرين والقضايا النسوية قادر على أن يخلق الجسر الزمني المطلوب للوصول إلى الشرائح الشابة! أم أن عملية الاقتباس كلها كانت تحتاج إلى ما هو أكثر عمقاً وذكاءً من مجرد اللجوء لنمط صار تقليدياً! هل سوف تستفيد العلاقة بين الأدب والسينما من اقتباس هذه الرواية! أم سوف تخلق مزيداً من التشوش حول العملية الإبداعية التي يمكن أن تعتبر طوق النجاة للصناعة على مستوى الموضوعات والقصص! أسئلة كثيرة تستحق الدراسة والتوقف أمامها! وهي ما تمنح التجربة أهميتها في مقابل تواضعها الفني ومحدوديتها الإبداعية.

* ناقد فني

تصنيفات

قصص قد تهمك