Bridget Jones: Mad About the Boy.. من الحلم بالاستقرار إلى الهوس بالمراهقين!

الملصق الدعائي لفيلم Bridget Jones: Mad About the Boy للمخرج مايكل موريس - facebook/BridgetJones
الملصق الدعائي لفيلم Bridget Jones: Mad About the Boy للمخرج مايكل موريس - facebook/BridgetJones
القاهرة -عصام زكريا*

بعد ربع قرن على ظهورها على الشاشة لأول مرة (في جسد النجمة رينيه زيلويجر)، وبعد 30 عاماً على مولدها كشخصية خيالية على الورق، بقلم الصحفية والأديبة البريطانية هيلين فيلدنج، ها هي بريدجيت جونز تعود مجدداً في فيلم رابع يحمل عنوان Bridget Jones: Mad About the Boy، يصور وقائع الرواية الثالثة التي حملت الاسم نفسه، وصدرت منذ 9 سنوات.

خلال هذه العقود الثلاثة التي مرت سريعاً، ومع ذلك تبدو دهراً، مرت في الأنهار مياه كثيرة، وتغيرت معالم الحياة كثيراً، ومني العالم بمصائب كبيرة، ليس أقلها بالطبع أن بريدجيت جونز فقدت حبيبها وزوجها مارك دارسي (كولين فيرث)، وأنها صارت أرملة تجاوزت الخمسين.

دجاجة الرومانتيكية

دارسي، الأرستقراطي، خشن المظهر طيب الجوهر، لمن يعرف سلسلة بريدجيت جونز، هو أحد الشخصيات الرئيسية الثلاث التي اعتمد عليها الفيلمان الأول والثاني، والشخصية الثانية، بعد بريدجيت، في الفيلم الثالث، ولكن المؤلفة قررت التخلص منه بضربة قلم (أو لوحة مفاتيح) لا لسبب سوى أن تبث الحياة مجدداً في السلسلة (أو الدجاجة) التي تدر عليها ذهباً، أو ربما أيضاً، والمعنى في بطن الشاعر، لأن هذا الرجل الساحر الذي كان يمثل الذكورة المثلى في عيون نساء التسعينيات لم يعد مطلوباً الآن.

عندما نشرت حكايات بريدجيت جونز لأول مرة كيوميات في صحيفة Independent، اعتقد القراء أنها شخصية حقيقية، وحتى عندما عرفت الحقيقة ظل للشخصية حضورها القوي لدرجة أنها اختيرت ضمن أكثر النساء تأثيراً في الثقافة البريطانية خلال العقود السبعة الماضية، حسب استطلاع أجرته مجلة نسائية اسمها Women’s Hour.

هذا النجاح والتأثير يعني، أول ما يعني، أن ظهور بريدجيت جونز في 1995 لم يكن صدفة. منتصف التسعينيات هي ذروة أشياء كثيرة: العصر الذهبي للصحافة الورقية التي كانت تشهد أزهى وآخر أيامها، الروايات العاطفية، أو "الرومانتيك كوميدي"، الموجهة للنساء الحديثات، المتعلمات العاملات المستقلات، والتي شهدت ذروتها بالتزامن في السينما الأميركية.

هذا النوع الذي تطور من خلال أعمال مثل "بريدجيت جونز" وغيرها إلى ما عرف بـ"أدب الدجاج" Chick Lit، وهو مصطلح مركب يصف الكتابات القصصية "الأدبية" التي تتناول حياة نساء الطبقة الوسطى في المدن الكبرى خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.

لقد شهدت التسعينيات أيضاً أقوى حركة صعود للنساء في مجالات الحياة المختلفة، كما شهدت ذروة إحساس النساء بذاتهن، وصعود النسوية التي يمكن اعتبارها، في المقام الأول، ثورة النساء على ذاتهن القديمة.

من يشاهد الجزء الأول والثاني من أفلام بريدجيت جونز Bridget Jones Diary وEdge of Reason، أو يقرأ الكتاب اللذين اقتبسا عنه سيمكنه أن يلاحظ على الفور هذا الصراع الذي يعتمل في عقل وقلب الشخصية الرئيسية دون توقف، وقد يلاحظ أيضاً أن العالم مختلف تماماً، أو كثيراً، عن عالم اليوم، ليس فقط في التكنولوجيا وأساليب الحياة، ولكن أيضاً في أنماط الحياة الشخصية والمشاعر.

لقد اتسمت شخصية بريدجيت جونز بالغرابة والمبالغة والحماقة التي عادة ما يتسم بها أبطال الكوميديا.. ذلك أنهم، مثل أبطال الميلودراما، يجسدون الصراعات العنيفة المختفية تحت طيات الواقع.

من الهيستيريا إلى الأمومة

من يعاود مشاهدة الفيلم الأول من السلسلة الذي قُدم عام 2001، بعنوان Bridget Jones Diaries إخراج شارون ماجواير، ربما تدهشه  حد الإزعاج شخصية بريدجيت جونز: فتاة وحيدة تجاوزت الثلاثين ولم تزل تبحث عن نفسها، سكيرة تقريباً، مدخنة شرهة، نهمة للطعام والملذات، وإن كانت تعاني من ندم مزمن ورغبة في التغير، يتمثل في هوسها بكتب التنمية البشرية، وتطلعها الدائم لنيل للحب والاهتمام من قبل الرجال، حتى أنها لا تمانع في قبول مغازلات (تحرشات بمصطلحات اليوم) رئيسها في العمل، زئر النساء دانيل كليفر، بأداء الجذاب دوماً هيو جرانت!

إنها على حافة الهيستريا دائما (يحمل الفيلم الثاني عنوان Edge of Reason، أي على حافة العقل أو حافة الجنون)، مشاعرها مفرطة، وحالة من عدم الرضا لا تفارقها مهما كان وضعها، حتى لو كان اثنان من أوسم رجال العالم يتصارعان عليها، وحتى عندما تتزوج دارسي، الرجل المثالي، لا يفارقها القلق وعدم الرضا.

هذه الشخصية التي تجسد لحظة تاريخية مفصلية من عمر النساء والعالم، قبل حلول عصر الهوس بالصحة ومكافحة التدخين والشراب وتقنين العلاقات بين الجنسين في الجامعات وأماكن العمل وتراجع أهمية العائلة والحياة الزوجية بشكل عام، يمكن العثور على بعض ملامحها في التصدير الذي زين الغلاف الخارجي للرواية الأولى (طبعة "بيكادور"، 1996) والذي تقول كلماته:

"هل هي هجاء ساخر للعلاقات الإنسانية؟ استكشاف مأساوي، هزلي، لانهيار الأسرة النووية؟ أم أنها مجرد تهويم متخبط لفتاة غاضبة تجاوزت الثلاثين؟".

لقد تغير العالم، ونساءه، كثيراً، منذ ذلك الحين.

في الفيلم الثالث، الذي صدر في 2016 بعنوان Bridget Jones Baby، الكثير من بشائر هذا التغيير الذي ألم بكل شيء، والبطلة التي كانت ضعيفة، حائرة، تزوجت وأصبحت حبلى، ولكنها ليست متأكدة إذا ما كان الجنين طفل زوجها أم صديقها! وإذا كنت لم تزل غير متأكدا من معالم هذا التغيير، فما عليك سوى أن تشاهد الجزء الجديد.

الحرية مجدداً

لقد صارت بريدجيت أماً ولديها طفلان: بيل ومابيل، بالرغم من أنها أم مختلفة تماما عما كانت عليه الأمهات، فهي تقريبا لا تعرف كيف تطبخ أو تغسل أو تربي أطفالها بشكل عام. لقد مات زوجها مارك دارسي في حادث سيارة أثناء قيامه بمهمة إنسانية في السودان منذ 4 سنوات، ويرصد الفيلم رحلة خروج بريدجيت من صدمة الفقد والحزن وشبه حالة الحداد المفروضة على البيت، لتواصل الحياة بتفاؤل من جديد، ويتمثل هذا الطريق إلى الحياة مجدداً في اتجاهين: العودة لممارسة العلاقات الجنسية، والعودة إلى العمل.

ويشير عنوان الفيلم "مجنونة بالصبي" إلى أحد الخطوط الرئيسية للفيلم، وهو العلاقة التي تربط بريدجيت جونز التي تجاوزت الخمسين بشاب لم يتجاوز الثلاثين لم يكن قد ولد بعد عندما صدر الجزء الأول! والشاب الذي يدعى روكستر، بأداء مفتول العضلات ليو وودال، يبدو وكأنه خارج للتو من أحد إعلانات الملابس الداخلية. 

ويتفنن الفيلم، بإخراج مايكل موريس، في تصويره بشكل "فانتازي" كموديل ذكوري نموذجي، سواء بالتركيز على براءة وجهه وابتسامته الطفولية أو تصوير جسده العاري يشق مياه حمام السباحة بالحركة البطيئة!

هذه العلاقة بين امرأة فوق الخمسين وشاب يصغرها بعقدين أو أكثر ليست مجرد صدفة. هذه هي الطريقة التي يتم بها تخيل مجايلات بريدجيت جونز في الكثير من الأعمال الروائية والسينمائية اليوم. وليس من قبيل الصدفة أيضا أن تظهر عدة أفلام تروي قصصا مشابهة منها نيكول كيدمان في فيلمين، لا فيلم واحد، هما Babygirl وFamily Affair، الذي بدأ بثه على نتفليكس مؤخرا. وإذا كانت كيدمان تركز على الجسد، فإن ساندرا بولوك تبدو أكثر رومانتيكية، وهي تقع في حب موسيقي مراهق في فيلم The Idea of You!

صوابية نسوية 

لا تكتفي بريدجيت جونز في الفيلم الجديد بعلاقتها مع الشاب الصغير. فهذه علاقة لا تدوم تذكرنا بعلاقتها بدانيل كليفر في الفيلمين القديمين، ولكنها تنهي الفيلم بعلاقة أكثر استدامة مع رجل أكثر مثالية يذكرنا بدارسي وهو معلم بمدرسة أطفالها من أصل إفريقي يؤدي دوره المخضرم شويتيل إجيفور.

من المعروف أن يوميات بريدجيت جونز كانت بمثابة محاكاة عصرية لرواية جين أوستن الكلاسيكية "كبرياء وتحامل"، الصادرة في 1813، والتي دشنت ما يعرف بالرومانتيك كوميدي، أي الرواية العاطفية سعيدة النهاية.

ويبدو فيلم "مجنونة بالصبي" وكأنه محاكاة عصرية لرواية بريدجيت جونز الأولى، والثلاثة معا يقولون الكثير جداً عن تطور النساء وأدب النساء خلال القرنين الماضيين، كما يقولون الكثير عن العالم: من المرأة التي تحقق حلم الحب، وتجاوز وضعها الطبقي في "كبرياء وتحامل" جين أوستن إلى المرأة الحائرة بين الجسد والعاطفة والحرية والارتباط في "يوميات بريدجيت جونز"، إلى المرأة في عصر العلاقات المفتوحة التي تتحدى فارق العمر والعرق والجندر في الجزء الرابع.

الآن وقد شاخ دانيل كليفر وطاله المرض، ورحل مارك دارسي، ولم يبق منه سوى شبح الزوج الطيب والأب المثالي، بات الفضاء أكثر اتساعاً واحتمالا لتخييلات ونزوات وذاتيات النساء، ليس من أجل التدخين والأكل بشراهة والوقوع في الحب بجنون، ولكن لممارسة الصوابية السياسية والجنسية والفوز بالمال والبنون والنجاح في العمل والحب معا.

ومن العجيب أن نرى بريدجيت جونز مع نهاية الفيلم، وقد حصلت على كل شيء تقريباً، وهي نهاية قد تتفق مع نوع "الرومانتيك كوميدي"، ولكنها أكبر نكتة يمكن أن يحملها هذا الفيلم الكوميدي!.

* ناقد فني

تصنيفات

قصص قد تهمك