مع إغلاق باب التصويت لجوائز الأوسكار في دورته السابعة والتسعين، تتجه الأنظار إلى ليلة الثاني من مارس، حيث ستُحسم واحدة من أكثر المنافسات شراسة في تاريخ أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة، فمنذ الإعلان عن قائمة الترشيحات، بدا المشهد وكأنه ساحة معركة تتنافس فيها الأعمال الكبرى، دون أن يبرز منها فيلم واحد كمرشح أوحد للفوز.
لا شيء يبدو محسوماً، نحن أمام سباق لا يخضع لأي قواعد مألوفة، الاستطلاعات غير الرسمية واستقراء اتجاهات المصوتين يكشفان عن معركة مفتوحة لا تزال تشتعل حتى اللحظات الأخيرة.
في المقدمة، يقف Anora، الفيلم الذي جاء من الظل إلى دائرة الضوء، حاصداً كل ما يمكن حصدُه من جوائز تمهيدية، منذ لحظة تتويجه بالسعفة الذهبية في الدورة الأخيرة لمهرجان كان السينمائي، بدا وكأنه يخطو في اتجاه الأوسكار، ثم جاءت جوائز نقاد السينما CCA، نقابة المنتجين PGA، نقابة المخرجين DGA، ونقابة الكتاب WGA، لتعزز من موقعه.
لكن السينما لا تعرف الحتميات، وخبرة السنوات الماضية تقول إن التتويج المبكر ليس دائماً مؤشراً على الفوز النهائي.
على الجانب الآخر، يقف The Brutalist، فيلم يحمل بصمة برادي كوربيت، والذي وإن كان يمتد على أكثر من ثلاث ساعات ونصف، إلا أنه استطاع أن يفرض حضوره في سباق الجوائز، متوجاً نفسه بأفضل فيلم في الجولدن جلوب وأفضل مخرج في البافتا.
هذا النوع من الأفلام ذات الطابع التاريخي والملحمي لطالما جذب الأكاديمية، من Lawrence of Arabia إلى Schindler's List، ومن Ben-Hur إلى The Lord of the Rings.
وفي زاوية ثالثة، يبرز Conclave، فيلم الإثارة الذي يأخذنا إلى دهاليز الفاتيكان وصراعاته السرية، حقق الفيلم نجاحاً كبيراً في البافتا، حيث خرج منها بأربع جوائز، بينها أفضل فيلم، لكنه يصطدم بحقيقة أن جوائز الأكاديمية البريطانية لم تكن يوماً مؤشراً دقيقًا للفائزين بالأوسكار، باستثناء حالات نادرة، كما حدث مع Oppenheimer وNomadland في السنوات الأخيرة.
صراع "بيكر" و"كوربيت"
في سباق الإخراج، يبدو أن الأوسكار يدور حول رجلين: شون بيكر، الذي فاز بجائزة نقابة المخرجين DGA، والتي لطالما كانت أكثر الجوائز التمهيدية دقة في التنبؤ بالأوسكار، وبرادي كوربيت، الذي حصد جائزة البافتا، وهو إنجاز لا يمكن تجاهله، رغم أن الطريق إلى الأوسكار لا يسير دائماً وفق هذه الحسابات.
إذا فاز بيكر، فإنه لن يحصد فقط جائزة أفضل مخرج، بل قد يحقق إنجازًا تاريخياً بالفوز بأربع جوائز في ليلة واحدة (مرشح بجانب الإخراج لجوائز المونتاج والقصة الأصلية وأفضل فيلم)، ليصبح ثاني شخص في تاريخ الأكاديمية يحقق هذا الإنجاز بعد والت ديزني.
وإذا كان هناك شيء تعلمناه من السنوات الأخيرة، فهو أن الأكاديمية تحب المخرجين أصحاب الرؤى السينمائية المستقلة، من كاثرين بيجلو عن The Hurt Locker عام 2010، إلى كلوي تشاو عن Nomadland في العام 2021.
لكن كوربيت ليس خصماً سهلاً، فالمخرج الذي صنع The Brutalist بتلك العناية الدقيقة استطاع أن يكسب احترام النقاد والمصوتين على حد سواء، ومن يدري، ربما يكون انتصاره بمثابة مفاجأة أخرى في موسم الجوائز الأكثر تقلباً.
جائزة أفضل ممثل
يبدو أن أدريان برودي يمضي في طريق مفتوح نحو التتويج، فوزه بجوائز نقاد السينما، الجولدن جلوب، والبافتا جعله المرشح الأبرز، لكنه ليس بعيداً عن دائرة المنافسة.
تيموثي شالاميه، الذي جسد شخصية بوب ديلان في A Complete Unknown يعتبر أقوى منافس له، ولو أن التاريخ لا يقف في صفه، إذ لم يسبق لممثل أن فاز بالأوسكار بعد حصوله فقط على جائزة نقابة الممثلين.
البعض تحدث أيضاً عن عائق آخر أما فوز شالاميه، يتعلق بعمره (29 عاماً)، الذي ربما يدفع المصوتين إلى عدم منحه الجائزة على اعتبار أنه أمامه مستقبل كبير وفرص أكثر، وهذا المنطق كان حاضراً في حالات سابقة، كما حدث مع ليوناردو دي كابريو الذي اضطر للانتظار حتى ترشيحه السادس قبل أن يفوز أخيراً عن The Revenant.
إلا أن هذا المنطق ربما يكون غير دقيق خاصة أن منافسه أدريان برودي حصل على نفس الجائزة عام 2003، في نفس العمر عن فيلم The Pianist، وسط منافسة شرسة مع جاك نيكلسون، ودانييل داي لويس، ومايكل كين، ونيكولاس كيج.
مواجهة بين "ماديسون" و"مور"
لفترة طويلة، بدا أن ديمي مور تسير بخطوات ثابتة نحو الأوسكار عن دورها في The Substance، لكن فوز مايكي ماديسون بجائزة البافتا قلب الموازين.
أداؤها في Anora لم يكن مجرد دور، بل كان كشفاً لموهبة جديدة، تماماً كما حدث مع بري لارسون عندما فازت في 2016 عن Room.
في المقابل، هناك مرشحة قد تخلط الأوراق، وهي البرازيلية فرناندا توريس عن I'm Still Here.
صحيح أنها لم تفز إلا بالجولدن جلوب، لكنها تلعب دور ناشطة سياسية تناضل ضد نظام قمعي، وهو النمط الذي طالما انجذبت إليه الأكاديمية، من باتريسيا أركيت عام 2015 في Boyhood، إلى فرانسيس مكدورماند في Nomadland.
Dune.. ورهان الجوائز التقنية
رغم أنه لم يترشح لأفضل فيلم، إلا أن Dune: Part Two يظل حاضراً بقوة في الفئات التقنية، حيث يُتوقع أن يكتسح جوائز المؤثرات البصرية، الصوت، وتصميم الإنتاج.
وبحسب ما نشرته مجلة "فارايتي"، هناك من داخل الأكاديمية من أبدوا دهشتهم من غيابه عن الفئات الكبرى، معتبرين أن عدم ترشيح دينيس فيلنوف للإخراج كان خطأً فادحاً.
في النهاية.. هذه ليلة لا يمكن الجزم بنتائجها، وكما علمتنا الأوسكار عبر تاريخها الطويل، فإن السباق لا ينتهي إلا عندما يُفتح الظرف الذهبي، ويُعلن الفائز أمام أعين العالم.