علاقة خاصة جداً واستثنائية، ربطت المخرج الكبير يوسف شاهين، الذي رحل عن عالمنا في مثل هذه الأيام قبل 12 عاماً، ببطلات حكاياته السينمائية الفريدة من نوعها.
كانت المرأة "أصل الحكاية" في العدد الأكبر من أفلام شاهين، سواء كانت ذات بعد اجتماعي أو سياسي، أو حتى حكايات من سيرته الذاتية.
في ذكرى رحيل شاهين الذي فارق عالمنا في 27 يوليو 2008، تحدثت "الشرق"مع عدد من نجمات أفلام "جو" كما كان الوسط الفني يلقبه لتستكشف معهن ملامح جوهرية من عالمه.
لقاء.. في البدايات
تعد النجمة يسرا "بطلة شاهين المفضلة"، ومعه قدمت 4 من أعماله المهمة منذ ثمانينات القرن الماضي حتى بداية الألفية الجديدة، هي: "حدوتة مصرية، إسكندرية كمان وكمان، المهاجر، إسكندرية نيويورك"، لتعد بذلك أكثر نجمة حصلت على البطولة معه.
من هذه الأفلام الأربعة، 3 قدمها شاهين عن سيرته الذاتية، واختار يسرا لتجسد دور شخصية زوجته في "حدوتة مصرية" ودور حبيبته الأجنبية في "إسكندرية نيويورك"، وهو ما يعكس مدى إعجاب شاهين بها وتقديره لها وقربها منه، إذ ربطتهما صداقة قوية.
وفي سياق حديثها عن يوسف شاهين، قالت يسرا لـ"الشرق": "إنه مخرج عبقري وإنسان رائع، كان له تأثير كبير جداً على حياتي الفنية، ومن حسن حظي أني عملت معه في بداياتي في فيلم (حدوتة مصرية)، وكنت مرشحة أولاً لدور شقيقته، وانعكس هذا التعاون في هذه المرحلة من حياتي إيجاباً، تعلمت منه الاهتمام الشديد بكل تفاصيل العمل، والحرص الدائم على تطوير موهبتي وكيف أختار أعمالي".
واعترفت يسرا بأن استمرار تعاونها مع شاهين أضاف إليها الكثير فنياً وإنسانياً، كاشفة اهتمام الراحل الشديد ببناء علاقة إنسانية مع أبطاله وبطلاته، وقالت إنه كان حريصاً على دعوتها إلى منزله، ما جعلها تقترب من أسرته مثلما اقتربت منه، لدرجة أن اعتبرت نفسها فرداً منها، وزادت: "من لم يعمل مع جو فاته الكثير".
فيلم وحلم..
لم تشارك النجمة ليلى علوي مع المخرج يوسف شاهين إلا في فيلم واحد فقط هو "المصير"، ولكنه كان كافياً ليحقق لها أحد أهم أحلامها الفنية.
عن تلك التجربة، قالت ليلى إن "عملي مع الأستاذ كان أحد أهم أحلام حياتي لأنني أعشق سينماه ورؤيته الفنية التي يطرح من خلالها موضوعات أفلامه، وأذكر جيداً أنني كنت سعيدة جداً وأنا في طريقي لمكتبه لأول مرة".
وأَضافت: "أذكر أيضاً أنني منذ قرأت السيناريو، شعرت بأني أمام عمل مهم جداً ويطرح قضية شائكة، وبالفعل، كان لشاهين السبق في طرح قضية الإرهاب التي لا يزال العالم كله يعاني منها، كما كنت سعيدة جداً بدوري لأن شخصية الغجرية كانت جديدة تماماً". وأشارت إلى أنه "في كل مراحل الفيلم، سواء في البروفات أو التدريبات أو الاستعراضات أو أثناء التصوير، كنت أستمتع بالعمل مع هذا المخرج العالمي، وأتابع اهتمامه الشديد بكل تفاصيل العمل وبالممثلين، و أعتبر الفيلم من أهم ما قدمت في مشواري الفني وأعتز به جداً".
تهديد بالقتل
تأخر كثيراً لقاء المخرج يوسف شاهين والنجمة نبيلة عبيد، التي كانت تسعى بالفعل للعمل معه، وكانت تعلن له عن ذلك في كل لقاء يجمعهما، إلى أن حدث اللقاء الفني من خلال فيلم "الآخر" في عام 1999.
وقالت نبيلة عبيد لـ"الشرق": "كنت بالفعل أسعى إلى العمل مع جو، فهو مخرج عظيم أحب كل أفلامه وأحترم رؤيته الإخراجية، وكنت عندما التقيه في أي مناسبة، أمازحه وأقول له: هقتلك لو ما اشتغلتش معاك، وهو كان يحب جداً أن يسمع ذلك التهديد مني، إلى أن رشحني لبطولة (الآخر) وسعدت جداً".
وأكدت نبيلة أن "دخول مدرسة يوسف شاهين، بمثابة شهادة جودة عالمية". وأضافت: "لن أنس أبداً المرحلة الأولى من التصوير في سانت كاترين جنوب سيناء، وملاحظاته التي أغضبتني، لأنه لم يكن معجباً بأدائي للشخصية، ولهذا قررت الانسحاب، لأكتشف أن تلك الملاحظات كانت مجرد استفزاز منه لي لتقديم الأفضل وأنه كان يمزح معي مثلما كنت أفعل معه حين أهدده بالقتل".
طفل يعشق الحياة
عندما شاركت يسرا اللوزي مع شاهين في فيلمه "إسكندرية نيويورك"، كان عمرها 17 عاماً، لتعتبر بذلك واحدة من أصغر بطلات شاهين.
وكشفت يسرا لـ"الشرق" عن كواليس اختيارها للعمل مع "جو"، قائلة: "ذهبت للقاء الأستاذ في مكتبه لعمل كاستينغ، وكنت أشعر بأني أحلم ولا أصدق أني سأقابله، وحين دخل المكتب وجلس أمامي، بدأ يتحدث معي عن الفيلم ودوري فيه، شعرت بأنني أمام إنسان يتمتع بروح طفل. وعلى الرغم من أنه أخبرني أن اختياري النهائي للفيلم لن يكون الآن، إنما سيستغرق وقتاً إلا أنني شعرت بأني سوف أنضم للفيلم، وحدث ذلك بالفعل، إذ عاد واختارني وأعترف بأن ذلك كان سبب ما حققته من شهرة".
وأضافت": "استفدت من كلماته ونصائحه طوال فترة التصوير، حتى في حياتي العادية، وليس في الوسط الفني فقط، وما زلت أستفيد منها حتى الآن. ويكفي أنني نفذت نصيحته بعدم العمل في المسلسلات لفترة طويلة، لأنه كان يرى أن الأعمال التلفزيونية تُضعف الفنان، إلى أن أقنعتني الفنانة يسرا بضرورة الوجود هناك، لأنها أصبحت تصور بطريقة سينمائية".
آخر العنقود
تعد منة شلبي آخر بطلات شاهين، إذ إنها شاركت في آخر أعماله السينمائية "هي فوضى؟" الذي عرض في عام 2007.
وقالت منة لـ"الشرق" إن "تلك التجربة كانت من أهم التجارب الفنية التي عشتها، والتي كان لها تأثير كبيراً بعد ذلك". وأشارت إلى أن "عملي مع الأستاذ كان عبارة عن قفزة فنية ونقطة تحول حقيقية، سواء بسبب أهمية الفيلم ودوري فيه، أو الصدى الذي حققه، أو ما تعلمته من الأستاذ منذ أول لقاء لي معه في مكتبه وحواره معي عن الفيلم والشخصية التي سأجسدها".
وتذكر منة جيداً تفاصيل اللقاء الأول مع "الأستاذ"، إذ سيطر عليها القلق، قبل أن تلتقيه لتجد نفسها "أمام إنسان بسيط بابتسامة عريضة وتواضع جم، ورغبة في أن يسمعني أحكي ليعرف شخصيتي أكثر".
وأضافت: "كانت المفاجأة، عندما عرفت منه أنه يتابع أعمالي وشاهد لي أكثر من فيلم، وهذا الكلام أزال الخوف من داخلي، وجعلني أتعامل بطبيعتي في تجربة أعتبرها من أفضل وأهم ما قدمت في حياتي".