يُطلق الفنان اللبناني مروان خوري الليلة، أغنية "كمّل حياتك"، من كلماته وألحانه وتوزيع أخيه داني خوري. وقد استوحاها مما عاشه شخصياً من مظاهر قسوة، وما مرّ به اللبنانيون من أوقات عصيبة جراء الأزمات المتلاحقة بدءاً بالانتفاضة وانتشار فيروس كورونا، وصولاً إلى الانهيار الاقتصادي – السياسي الحالي، بحسب ما قال خوري لـ"الشرق".
ويقول مطلع الأغنية باللهجة اللبنانية: "لمّا الحياة تقسا عليك وتحبسك جوات غرفة، بتشعر بلحظة تعِبِت واستسلمت مش قادر تكفي، بتفهم ساعتها كيف إنو الفرح والضحك والإلفة إلهن ثمن ما كانوا بالصدفة.. دوّر مثل غرقان على بر الأمان قلبك".
يطرح مروان الأغنية عقب فترة حداد "قاسية" على أمّه، يقول عنها: "أثّر هذا الرحيل في مزاجي وتفكيري وتغيرت حياتي كلها منذ فقدت أمي، فهي المنبع للحب والمشاعر وهي المحرّك الأساس لفني، هي ملهمتي".
أمل وألم في أغنية
ويظهر خوري في الكليب داخل الاستوديو وفي البيت، حيث كان يقضي وقته خلال فترة الحجر المنزلي، ليسجّل أغنيات ستصدر تباعاً في القريب العاجل أو يلّحن.
وفي سياق حديثه عن الكليب، قال خوري لـ"الشرق": أردت أن يكون الكليب بسيطاً، يتماهى مع روح الأغنية، ويتضمن رموزاً لمشاعر الناس في أي مكان، فالمزاج العام لا يحتمل تصوير فيديو كليب باذخ، كما لا يحتمل إطلاق أغنية عن الحب فيها إيقاعات سريعة، فهو فيديو توثيقي لحياتي البسيطة خلال الحجر المنزلي، حيث التزمت بالتعليمات وتنقلت مع أخي داني بين البيت والاستوديو وهما يبعدان عن بعضهما دقيقتين".
وأشار صاحب "كل القصايد" إلى أنه "وسط كل هذه الأزمات الصحية والاقتصادية التي يعيشها العالم جراء كارثة انتشار فيروس كورونا، وكل ما يعيشه اللبنانيون جراء الانهيار الاقتصادي والأزمات السياسية المتلاحقة، التي زادت من نسبة الفقر وأفقدت عدداً كبيراً من الناس وظائفهم وودائعهم في المصارف، لا يمكن إلا أن أحترم مشاعر الناس وأن أمسك بيدهم نحو الأمل وتخطي الأزمات والابتسامة للحياة المليئة بالمشكلات والأزمات، لكن لا بدّ من التفاؤل والإيجابية لنتخطى أي أزمة".
خوري منهمك حالياً بالتحضير لمجموعة من ست أغانٍ ستصدر تباعاً، كل على حدة، كما قال لـ"الشرق". وهي أغانٍ منوّعة فيها الكلاسيكي والإيقاعي السريع، وكلها من ألحانه وكلماته وتوزيع شقيقه داني خوري، ما عدا أغنية "الأنا" التي كتبها علي المولى. وسيُصدر في القريب العاجل أغنية "مهلاً على قلبي".
خرق خوري الحجر الصحي للمرة الأولى خلال مقابلته هذه مع "الشرق"، يقول: "عادة أنا من دعاة المكوث في المنزل، حيث أستمتع بالأجواء العائلية الدافئة التي تربيت عليها، وأستمتع بالهدوء وقراءة الكتب العلمية والميتافيزيقية والشعر وسماع الموسيقى، لذا لم أشعر برهبة الحجر المنزلي وقسّمت وقتي بين البيت والاستوديو وهما في منطقة واحدة تقريباً، لكنني كنت قلقاً من الفيروس الغامض بحدّ ذاته".
الإنسانية أهم
ورداً على سؤال حول قراءاته، قال خوري "أهوى القراءات العلمية بشكل غريب، وخصوصاً المتمحورة حول فيزياء الكمّ، فأنا دائم البحث عن أجوبة للوجود خارج الواقع. ولطالما اعتقدتُ أن هناك شيئاً أبعد من الواقع. قد يكون هروباً أو بحثاً عن عالم آخر!".
وبسؤاله عن الرومانسية التي اشتهر بها والتي تتعارض مع اهتماماته بالقراءة، يقول: "الرومانسية هي محاولة البحث عن واقع آخر، أنا قارئ نهم للشعر الحديث وأحب كتابات جبران خليل جبران وقصائد إلياس أبو شبكة، نزار قباني، محمود درويش، ميشال طراد، جوزيف حرب، طلال حيدر، وعلى رأسهم الرحابنة شعراً وموسيقى وكلمات مغناة فهم من شكّلوا وعيي الفني".
وتابع: "هؤلاء الشعراء كانوا ثوريين في إبداعهم. وأكثر ما يعجبني بهم أن مؤلفاتهم كانت مشبّعة بالعواطف والحياة والإنسانية حتى في منحاها السياسي المحض عند درويش مثلاً". وأضاف: "صحيح أنني أصنّف نفسي كيميني، لكني ضد اللا إنسانية الرأسمالية وعنفها، كما أنني ضد الستالينية الشيوعية تماماً، فالإنسانية عندي أهم من كل المدارس والنظريات والأنظمة".
ما يحدث في لبنان مخالف للمنطق
يعبّر خوري عن قلقه إزاء الوضع السيئ في وطنه لبنان على جميع الأصعدة، وعلى عكس ما يعتقد متابعوه، فهوّ ملمّ بالسياسة ويحلّل ويستنتج كأنه تربى في بيت سياسي محنّك.
"هذه المرّة الأولى التي أشعر فيها بالقلق على لبنان إلى هذه الدرجة، يؤلمني أن أرى شعبي يتألم ومن حولي يتألمون لذنب لم يرتكبوه. وأنا أحمّل الطبقة السياسية الحاكمة والنظام الطائفي مسؤولية كل ما حدث ويحدث في لبنان من أزمات. فإن ما يحدث مخالف للمنطق"، يقول خوري.
ويحمّل الفنان مروان خوري الشعب جزءاً كبيراً من المسؤولية عما يجري في بلاده، معتبراً أن "هناك تواطؤاً بين المواطن والمسؤول في لعبة كاذبة، فالشعب سكت ورضخ وأنتج نواباً وحكومات فاشلة".
ويضيف: "أنا كنت مع (انتفاضة 17 أكتوبر)، مع أنني لم أصرح بذلك ولا أعبر عن رأيي في السياسة على الملأ، لكنني كنت متخوفاً من أن تأكل الانتفاضة بعضها. ولا أرى أن الشعب اللبناني يمكنه أن يقوم بثورة تسقط النظام، فنحن لدينا 18 نظاماً و18 زعيماً فمن أين نبدأ؟ المشكلة الأساسية تكمن في النظام الطائفي ولا ثقة لدي بهذا النظام الذي يلفظ كل من يحاول أن يعترضه".
أغني للإنسان وللحب
وعن سبب عدم غنائه للثورة، كما فعل فنانون في مصر وتونس ولبنان، أكد خوري أنه لا يحبّذ الشعبوية ولا يحب استغلال غضب الناس. يقول: "لا أحب الغناء للثورة بشكل مباشر خصوصاً أن لوني بعيد عن هذا الإيقاع، لقد غنيت للبنان والإنسان كُل إنسان، وغنيت للحب الذي هو أساس لكل شيء للوطن والثورة والحياة والاستمرارية، وهذا برأيي فعل ثورة، أن نربي الأجيال على الحب وليس الاقتتال والكره ونبذ الآخر".
ويتابع: "أنا بطبعي حنون وحساس ولدي عالمي الخاص، وعشت في جوّ عائلي مشبع بالحب، وأمي هي المحرك الأساس ومنبع هذا الإحساس، لقد أعطتني فائضاً من الحب والعاطفة أترجمه في أعمالي، فأنا طفل من الداخل وعندما رحلت أمي شعرت أنني كبرت مئات السنوات بوقت قصير".
ورداً على سؤال حول الشخصيات التي تأثر بها من الناحيتين الفنية والموسيقية، يكشف خوري أنه تأثر بالدرجة الأولى بالأغنية المصرية "خصوصاً ما قدّمه محمد عبد الوهاب وبليغ حمدي وعبد الحليم وأم كلثوم، نظراً لما فيها من حرارة وتعبير مباشر عن العواطف والحب". ويضيف: "بطبيعة الحال تأثرت بالمدرسة الرحبانية منصور وعاصي وزياد فهم من رسم خطوطي الموسيقية الأولى"، لافتاً إلى أن "الموسيقى الكلاسيكية بجميع أطيافها وألوانها وأزمانها حجر الأساس" تشكل "الحجر الأساس" لمخزونه الفكري الذي يتغذى عليه من خلال سماعه "مئات المقطوعات لبتهوفن وشوبان والمؤلفين الروس في القرن العشرين الذين أعيد اكتشافهم مؤخراً وأستمتع بشغف بسماعهم".
ويعتبر خوري أن الفنان جزء من كل ما حوله ومما يراه ويسمعه ويقرأه.