The Gardener.. دراما باردة ومشاعر متبلدة

الملصق الدعائي لمسلسل The Gardener على نتفليكس - facebook/netflixmiddleeastnorthafrica
الملصق الدعائي لمسلسل The Gardener على نتفليكس - facebook/netflixmiddleeastnorthafrica
القاهرة -عصام زكريا*

تتميز الدراما الإسبانية التي تنتجها نتفليكس عادة بطابع وأسلوب مميزين، بداية بالملحمة متعددة المواسم La casa de papel أو Money Heist وفقا لعنوانها الانجليزي، وElite بمواسمه السبعة وVis a vis و The Sunta Caseوغيرها.

ويجمع بين معظم هذه الأعمال سبرها لأغوار الجريمة والعالم المظلم من النفس البشرية بأسلوب كوميدي أو خفيف، يكمن سره في جاذبيته الخطرة الموسومة بالقلق والشعور بالذنب، أعتقد أنه يرجع للروح الإسبانية نفسها المحملة بثقافة دينية كاثوليكية محافظة، مخلوطة بروح الفروسية التواقة للمغامرة والتحرر.. ثقافة يمكن أن نجد جذورها في "دون كيخوت" وحتى أفلام لويس بونويل وبيدرو ألمودوفار.  

ولكن حين نحلل أعمال نتفليكس الإسبانية سابقة الذكر يمكن أن نلاحظ بعض الهشاشة الأخلاقية والإنسانية التي تعتريها، إذ غالباً ما يكون بناءها الرومانتيكي بنساءه ورجاله الجذابين وأفكارهم "شبه الثورية" غلافاً من السوليفان الملون البراق لإخفاء بشاعة وتبعات العنف أو لتبرير الجريمة.

مع ذلك فغالباً ما يقع المشاهد في حب هذه الأعمال، ويلتمس النقاد لها العذر بحكم كونها تسلية ونوعاً من التطهير الدرامي المشروع يقوم من خلاله المشاهد بالتنفيس عن مشاعره العدوانية وأفكاره السلبية.

توازن ضروي

هذه الشعرة التي توازن بين إغواء الجانب المظلم من النفس، مع البقاء في أمان الكوميديا والسيريالية هي مسألة حاسمة في الطريقة التي يتم بها تلقي هذه الأعمال والطريقة التي تؤثر بها على المشاهد، ربما يكون من المناسب أن نقارنها، في هذا السياق، بأفلام كوينتن تارانتينو.

لكن شيئاً من هذا التميز، أو التوازن، لا يوجد في مسلسل The Gardener (أو El jardinero حسب اسمه الأصلي)، أحدث الإنتاجات الإسبانية على نتفليكس. 

على المستوى الفني هو عمل متواضع  كتابة وتمثيلاً وإخراجاً، يجمع بين كل عناصره نوع غريب من الضعف والاستسهال، أما ما يثير الدهشة أكثر فهو اللامبالاة التي يتعامل بها صناعه مع موضوعه القاتم وسلوكيات شخصياته المنحرفة، ومحاولة تبرير وتجميل هذه الدموية بسذاجة نادراً ما تصل إليها أفلام ومسلسلات القتلة والسفاحين.

يبدأ  The Gardener، الذي ابتكره وكتب حلقاته الست ميجيل ساييز كارال باستهلال قوي للغاية : إلمر (ألفارو ريكو)، شاب صغير وسيم برئ الملامح يعشق البستنة، وأمه لاشينا خورادو (سيسيليا ساوريز)، سيدة متوسطة العمر جميلة تبدو عليها أمارات الحكمة والحنان الأموية، يعيشان بمفردهما في بيت صغير تحيط به حديقة بديعة من الزهور الملونة، ولكن خلال مشاهد معدودة نعرف أن الأم قاتلة مأجورة تقوم بالاتفاق، وأن الابن الذي ينفذ الاتفاقيات عديم المشاعر، حرفيا، نتيجة إصابته في حادث أتلف مراكز الشعور في مخه!

مفاجأة يعقبها الملل

هذه البداية الصادمة، المبشرة بعمل مشوق ممتلئ بالمفاجآت يعقبها لا شئ.. أحداث فاترة وشخصيات باهتة وحبكة متوقعة بكل تفاصيلها منذ الحلقة الأولى: يتم تكليف الأم بقتل شابة صغيرة جميلة اسمها فيوليتا (كاتالينا سوبيلانا) تعمل كمعلمة للأطفال في حضانة.

وعندما تعهد الأم لابنها بقتل الفتاة تتحرك مشاعره فجأة (نعلم بعد ذلك أن ورما حميداً بالمخ أعاد تنشيط مراكز الشعور لديه!) ويتردد في قتلها، ثم يقع في حبها، ما يثير غضب وغيرة الأم حد الجنون.

على الطرف الثاني هناك محققان يبحثان في قضايا الاختفاء المتكرر للمقتولين، الذين يدفنهم الشاب في الحدبقة كسماد عضوي للزهور، على اعتبار أن الجثث البشرية أفضل غذاء لنبات صحي جميل (ربما تكون استعارة قوية لقسوة الطبيعة نفسها وتشبيه البطلين بالزهور التي تتغذى على الكائنات الأخرى، ولكنها استعارة لا تتماشى مع دراما العمل).

وهذان المحققان المسنان بعض الشئ رجل وامرأة، الرجل متزوج وعينه على زميلته، والمحققة تلاحظ ولعه بها وتبادر بعرض نفسها عليه، لكنه يرفض لإنه مهذب وخجول ولا يريد خيانه زوجته، أما القضية نفسها فلا يفعلان بشأنها شيئاً يستحق المتابعة، ولو تم إلغاء دوريهما فإن ذلك لن يؤثر على مجرى الأحداث.

الغريب أنه لا يوجد كيمياء تجمع بينهما، ولا كيمياء تجمع بين إلمر وفيوليتا، فحتى قصتي الحب لا تستطيعان إشاعة المشاعر لدى المشاهد، والمسلسل يطيل الحديث عن الحب لكنه يخلو من لحظات الحب أو الاحساس بشكل غريب، وكأن التبلد الشعوري قد أصاب المسلسل نفسه، وليس إلمر وأمه فقط!

رومانسية بلا حب!

خط المحققان فوق أنه يزيد من ترهل الايقاع، وفوق أنه يعبر عن رومانسية تخلو من الرومانسية، يضيف أيضاً إلى لا حساسية العمل ولامبالاته بموضوعه الأساسي وهو القتل المتسلسل الذي يرتكبه البطلان وكأنهما يذبحان مجموعة من الدجاج، ويتجلى ذلك في الطريقة التي يصور بها العنف والقتل المجاني.

الطريقة التي يقتل بها إلمر ضحاياه تتمثل في مباغتتهم بحقن رقبتهم بإبرة تحمل سماً زاعفا مستخرجا من النبات، فيسقطون في لحظة، وهو قتل أشبه بثعبان أو عقرب يتسلل خفية للدغ ضحاياه. هذه الطريقة تساهم في تخفيف انزعاج المشاهد من القتل، ويتبين ذلك حين نقارنه بقتل آخر قرب نهاية المسلسل تقوم به فيوليتا دفاعا عن النفس، فهو عنيف ودموي ويكشف عن جانبها العنيف الذي انفجر فجأة.

من ناحية ثانية يساهم المشهد في تمرير فكرة أن العنف كامن داخل الجميع وبالتالي تبرير ما يفعله إلمر، بدليل أنها تسامح إلمر على جرائمه بعد قيامها شخصيا بالقتل.

كل ذلك كوم، وشخصية الأم وأفعالها كوم آخر.. من أغرب الاختيارات الدرامية المتعلقة بوجهة نظر السرد هو اختيار الأم لتكون راوية الأحداث، وبالتالي نحن نرى كل شئ من وجهة نظر هذه المرأة الفاسدة خَلقاً وخٌلقاً، فهي تعاني، حتى قبل أن تبدأ الأحداث من انحراف نفسي، يتضاعف حين يودي الحادث الذي تتعرض له مع ابنها، بسبب قيادتها الرعناء للسيارة، إلى بتر إحدى ساقيها، ما يضاعف من حقدها وشرها.

ويصل شرها إلى ذروة يصعب أن يصل إليها شرير درامي مع نهاية الأحداث، ومع ذلك اختارها صناع العمل لكي تكون الراوية، وهو خطأ أخلاقي ودرامي جسيم، هي شريرة مطلقة لا تكتفي بأنها قاتلة محترفة، ويبرر المسلسل أفعالها بتصوير كل زبائنها، للمصادفة، كمساكين يريدون حل مشاكلهم أو الانتقام لظلم تعرضوا له بالقتل، وهي تصلي طوال الوقت، معتقدة أنها تصحح أوضاعاً ظالمة بهذه الجرائم.

ولكن إذا افترضنا أنها تتحقق بالفعل من استحقاق ضحاياها للقتل، فإن ذلك لا ينطبق على فيوليتا، مثلاً، البريئة التي يتم تحميلها مسئولية موت شاب لا يد لها فيه.

ولكن فساد عقل وخلق الأم لا يتوقف عند القتل، فالأسوأ والأكثر انحرافاً هو أنها تدمر ابنها الوحيد المسكين محولة إياه إلى قاتل محترف (بحجة أنه لا يشعر).

الـ"فلاش باك" الأسوأ

ومن ناحية السرد فإن اختيارها كراوٍ خطأ لإنها تروي أحداثاً لا يمكن أن تكون قد شاهدتها أو سمعت عنها، مثل علاقة الحب وتفاصيلها بين المحققين!

أخيرا يضرب المسلسل مثلاً في الاستخدام الخاطئ للـ"فلاش باك"، وهو أمر نراه كثيراً في الدراما العربية التي تلجأ عادة للـ"فلاش باك" لتعويض نقص بناءٍ أو افتعال تشويقٍ، ولكن استخدام الـ"فلاش باك" في The Gardener خطأ جسيم لإنه يضحي ببناء العمل كله من أجل تقديم خمس عشرة دقيقة مشوقة في الحلقة الأولى على حساب بقية العمل.

لقد قرر صناع العمل بدء الأحداث من لحظة قتل الضحية الأخيرة قبل ظهور فيوليتا، وتأجيل حكاية إلمر وأمه وما دفعهما إلى هذه اللحظة لحلقات تالية.

الغريب أن هذه الأحداث القديمة، التي يستخدمها المسلسل كمجرد تبرير للحاضر، قوية وربما تكون أكثر تشويقاً من الحاضر، ولو أن العمل أتبع البناء الخطي التقليدي لكان أكثر إثارة وإقناعا للمشاهد بالتحولات الخطيرة التي تحدث للمرأة وابنها، ولكن اعتقاد صناع العمل بأن البدء بذروة الدراما مشوق أكثر لم يؤدي سوى إلى ترهل وضعف أي أحداث بعد مرور ربع الحلقة الأولى.

آخر شئ، فرغم أن للمسلسل مخرجين هما ميكيل رويدا ورافا مونتيسينوس، قام كل منهما بإخراج 3 حلقات، فإن عيوب السيناريو لا يضاهيها سوى بلادة إخراج الاثنين!

* ناقد فني

تصنيفات

قصص قد تهمك