أثار فيلم "أصحاب ولا أعز" جدلاً واسعاً في مصر، خلال اليومين الماضيين، منذ طرحه عبر منصة "نتفليكس"، إذ تباينت الآراء حول محتوى الفيلم، فرأى البعض بأنه لا يتناسب مع قيم المجتمعات الشرقية، فيما دافع آخرون عن الفيلم قائلين إن الفن مسألة إبداعية لا حدود لها.
"أصحاب ولا أعز"، هو النسخة الـ18 من الفيلم الإيطالي "Perfect Strangers" حول العالم، حيث طُرح العمل الاصلي عام 2016، كما سبق وشارك في الدورة الـ38 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.
الفيلم في نسخته العربية من بطولة منى زكي، وإياد نصار، وجورج خباز، وعادل كرم، ونادين لبكي، ودياموند بو عبود، وهو التجربة الإخراجية الأولى للمخرج وسام سميرة.
تدور أحداث الفيلم حول 7 أصدقاء يجتمعون على العشاء، ويقررون أن يلعبوا لعبة بالتزامن مع خسوف القمر، حيث يضع الجميع هواتفهم المحمولة على طاولة العشاء، بشرط أن تكون كافة الرسائل أو المكالمات الجديدة على مرأى ومسمع من الجميع.
تحرك برلماني
وقال مصطفى بكري، عضو مجلس النواب المصري، إنه يعتزم تقديم بيانٍ عاجل إلى رئيس المجلس حول هذا الفيلم، معتبراً إياه أنه يدعو إلى المثلية الجنسية بشكلٍ واضح وصريح، ويُعادي القيم الأخلاق.
وأضاف في مقطع فيديو على موقع "فيسبوك" عبر صفحة جريدة "الأسبوع" التي يرأس تحريرها، أن الفيلم "يُشارك به نجوم كبار كنا نحبهم ونحترمهم، فإذا بهم يساعدون على نشر قيم غريبة تتصادم مع قيم المجتمع المصري وتؤثر على الأسر المصرية"، متابعاً أن "هذا الفيلم سيؤثر سلباً على الأجيال القادمة ويهدم ثوابت مجتمعية".
وقال إن "هناك فرقاً بين حرية الإبداع واستباحة القيم وكأنها أصبحت شيئاً عادياً مثل المثلية والخيانة الزوجية"، معتبراً ذلك إشارة على أن "المجتمع المصري مستهدف داخلياً وخارجياً".
وناشد مصطفى بكري وزارة الثقافة، وكذلك نقابة المهن التمثيلية برئاسة الفنان أشرف زكي، التدخل واتخاذ قرار عاجل.
أزمات أخلاقية
وأبدى الناقد الفني طارق الشناوي دهشته من الهجوم على الممثلة منى زكي، كونها تشارك في عمل فني يناقش الخيانة الزوجية والمثلية الجنسية، قائلاً إنّ "منى ترفض هذه الأمور تماماً، ورغم ذلك لم تتوقف السهام على النيل منها".
وقال إنّ: "الفيلم يُعرض لمن هم فوق 16 عاماً، وبه تحذير مباشر أنه يتضمن ألفاظاً نابية، أي أنك حر مرتين.. الأولى هي أن تشترك في المنصة المشفرة مقابل أجر، والثانية ألا تشاهد العمل الفني حتى لو تجاوزت 16 عاماً.. أين هي المشكلة إذن؟".
ورفضت الناقدة ماجدة خير الله الانتقادات الموجهة للفيلم من الناحية الاخلاقية، قائلة بتهكم: "المواطنون الشرفاء نازلين هجوم على الفيلم والمشاركين به، على أساس إن مجتمعاتنا لا يسكنها إلا الملائكة والأبرار، وليست لدينا قضايا خيانة ولا جرائم جنسية".
أما المخرج أمير رمسيس، فسخر هو الآخر من منتقدي الممثلة منى زكي في فيلم "أصحاب ولا أعز"، إذ تخيل ما يقوله أحد المتفرجين الغاضبين من الفيلم، قائلاً: "من المتفرج المصري للممثلة المصرية: ما تمثليش شخصيات تصرفاتها لا تعجبني، وامسحي كل أصحابك الأولاد من على فيس بوك، ومفيش مرواح لعمتك لو عندها ولاد صبيان يا بيبي".
آراء متباينة
ويرى الكاتب عبد الرحيم كمال أن النسخة العربية من الفيلم بها مشاكل فنية عدة، لا سيما فيما يتعلق بالحوار، الذي وصفه بـ"المُفتعل"، متابعاً أن "حيلة الخسوف حيلة بلهاء، للهروب من النسخة الأصلية".
وأشاد الكاتب المصري بأداء الممثل عادل كرم وكذلك منى زكي، التي يراها "شاطرة ومميزة وفارقة عن غيرها"، متابعاً أنه باستثناء أداء هاذين الممثلين "يعتبر الفيلم تجربة عادية لطيفة، لكنها لم تتناسب مع البيئة العربية".
واعتبر مالك خوري، رئيس قسم السينما بالجامعة الامريكية بالقاهرة، أن "الفيلم بمثابة نفحة هواء مشاهدة منعشة، في خضم حالة الاكتئاب التي فرضتها علينا منتجات ثقافات الحلال والحرام وجهنم، وكل شركائها من مخلفات السينما النظيفة الفارغة أو الترفيهية السمجة".
وأشاد الموزع السينمائي بالسيناريو المحكم والتصوير المتناغم مع واقعية الزمان والمكان، والتوليف غير المصطنع، والتمثيل المتجانس وخفيف الظل، بالاضافة لموضوع يطرح جوانب من مشاكل يعاني منها الكثير في المجتمع، حسب تعبيره.
واستنكر انتقاد البعض للفيلم كونه يناقش قضايا ليست لها علاقة بالمجتمعات الشرقية، قائلاً: "تخيلوا أن في القرن الـ21، ما زال هناك من يعتقد أن الإنسان في منطقتنا هو من جينات لا علاقة لتنوع مشاعرها وغرائزها وميولها الجنسية ببقية العالم! لهؤلاء، لا نقول أكثر من أنه آن الأوان أن تنضجوا وتتجاوزوا عصبيات محدودية الأفق والثقافة".
كما حاول السيناريست تامر حبيب تهدئة الأجواء بين منتقدي الفيلم والمدافعين عنه، قائلاً: "يا سادة يا كرام، من حقك تشوف فيلم وتحبه، ومن حقك تشوف فيلم وما تحبوش، ومن حق صناع الأفلام أن يكون عندهم مطلق الحرية في تقديم أفكار هم مختارين يقدموها". وأضاف: "ماهياش خناقة والله العظيم".
وقال تامر حبيب: "ولا الفنان ولا المتلقي من حقه يعين نفسه قيم على المجتمع، ولا يجزم على مجتمع متقدم في فيلم استفزه أن ده مش مجتمعه"، ولا يحكم على صناع الفيلم اللي مش عاجبه أحكام أخلاقية قاسية تصل إلى السب والإهانة".
"حملة غير مبررة"
واعتبر الناقد خالد محمود أن الهجوم على الممثلة منى زكي "غير مبرر"، مُشدداً على ضرورة التفرقة بين الفنان والدور الدرامي الذي يقدمه في أي عمل فني.
وحول المطالبات المتعلقة بمنع الفيلم في مصر، أوضح لـ"الشرق"، أنّ "المنصات الرقمية لا تخضع لقوانين وزارة الثقافة (المصرية) أو غيرها، إذ ليست لها أية سلطة أو سيطرة عليها".
وأضاف أن الأعمال المعروضة على منصة "نتفليكس" تكون ذات طابع خاص، مشيراً إلى أن فيلم "أصحاب ولا أعز" ليس العمل الأول الذي يتطرق لقضية المثلية الجنسية، بل ناقشتها أعمال فنية عدة، عبر المنصة ذاتها.
لا تعليق
ورفض محمد حفظي، منتج فيلم "أصحاب ولا أعز"، التعليق على الأزمات التي أثارها العمل خلال الساعات الماضية، إذ حرص على التزام الصمت.
وحرصت الممثلة المصرية منى زكي على توجيه الشكر إلى فريق العمل كافة، قائلة عبر "فيسبوك": "كان من دواعي سروري العمل مع كل من شارك في هذا الفيلم، بدءًا من جميع زملائي والمنتجين وكل الفريق أمام الكاميرا وخلف الكاميرا".
وتابعت منى زكي، "مبروك وسام سميرة على فيلمك الأول، لقد بذلت الكثير من الجهد لإحيائه.. حظ سعيد وإن شاء الله هو الأول من بين العديد"، معربة عن آمالها بأن ينال العمل إعجاب الجمهور: "أتمنى أن يعجبكم جميعاً، وتستمتعوا به بقدر ما استمتعنا بتصويره".
اقرأ أيضاً: