السينما في السعودية: وقائع ثورة ثقافية معلنة (2 - 3)

مواطن سعودي أمام شباك تذاكر في إحدى دور العرض - Red Sea Film Festival
مواطن سعودي أمام شباك تذاكر في إحدى دور العرض - Red Sea Film Festival
القاهرة-عصام زكريا*

في إطار خطة 2030 التي وضعها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لإجراء عدد من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، تم إنشاء هيئة الترفيه في 2016، وأنشئ مركز للرياضة والثقافة والترفيه في الرياض، وأقيم أول حفل موسيقي في 2017.

وفي 2018، سُمح بإنشاء وتشغيل دور العرض السينمائي، وأقيم أول عرض سينمائي في البلاد لفيلم "الفهد الأسود – Black Panther" في دار عرض تابعة للشركة الأميركية AMC، التي تعاقدت مع الحكومة السعودية لإنشاء سلسلة من دور العرض، وتبعها شركات أجنبية وإقليمية مثل Vox وIMAX. 

وهناك الآن أكثر من 50 دار عرض سينمائية في أنحاء المملكة، وبإحصاء عدد الشاشات ودور العرض العاملة بالفعل في نهاية ديسمبر 2021، وجدنا أنها وصلت إلى 430 شاشة عرض، وحسب الخطة يتوقع أن يرتفع العدد إلى 350 دار عرض و2500 شاشة بحلول 2030.

ورش تدريبية

بالتزامن مع إنشاء دور العرض والسماح بمشاهدة وصنع الأفلام، بدأت بعض الجامعات في تدريس السينما والفنون البصرية، كما أقامت وزارة الثقافة السعودية ورشاً ودورات تدريبية في فن التحريك وعناصر السينما الأخرى، كما تم إرسال بعض الطلبة إلى فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا لحضور ورش عمل ودورات تدريبية وزيارات ميدانية لاكتساب المهارات والخبرات.

وفي استطلاع موسع عن إمكانيات ومستقبل السينما في السعودية أجراه معهد "نورديستي" Nordicity  البريطاني تقابلنا عدة حقائق، منها أن معظم السعوديين يحبون السينما، وثلثا السكان الذين لديهم إنترنت يشاهدون على الأقل فيلما كل أسبوع على أجهزتهم.

وحسب الاستطلاع الذي أجري مع عدد كبير من المواطنين، تبين أن 67% من مشاهدي الأفلام في المملكة يفضلون أن يشاهدوا أفلاما سعودية تتناول ثقافتهم وحياتهم، كما بين أن 88% منهم يشاهدون أفلاما عربية، بينما 35% فقط يشاهدون الأفلام الناطقة بالإنجليزية.

وفيما يتعلق بالأنواع الفنية المفضلة، أظهر الاستطلاع أن جمهور الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يفضل "الأكشن والمغامرات" بنسبة 35%، يليه الكوميدي ثم الأفلام المصرية القديمة ثم الدراما والأفلام العاطفية ثم الأطفال، فإن الأمر يختلف قليلاً في السعودية حيث يفضل معظم الجمهور يفضل الدراما بنسبة 33% يليه "الأكشن والمغامرات" بنسبة 25%  ثم الأفلام المصرية القديمة بنسبة 6% ثم الرعب والتشويق بنسبة 5% ثم العائلي والأطفال بنسبة 3%. 

الجمهور ودور العرض

وفيما يتعلق بوسائط مشاهدة الأفلام، تبين أن السوق السعودي يعتمد على اسطوانات "الدي في دي" بشكل رئيسي ثم المشاهدة على المنصات الرقمية، كما يبين الاستطلاع أن السعوديين من أكثر الشعوب مشاهدة للأفلام على الإنترنت، حيث 64% من السعوديين يشاهدون مقاطع فيديو على الإنترنت يوميا، منهم 49% يشاهدون الأفلام. 

ومع الزيادة التي تشهدها دور العرض السينمائي في المملكة حاليا، فإن نسبة كبيرة من هذا الجمهور تتوجه لمشاهدة الأفلام في دور العرض.

وفي مجال صناعة السينما بين الاستطلاع وجود إمكانية كبيرة جدا لوجود صناعة سينما، لأسباب عدة منها ارتفاع GDP (إجمالي الناتج المحلي)، الذي يصل لنحو 300 مليار دولار سنويا، ومنها ارتفاع حجم الطلب على الأفلام ووجود سوق محتمل كبير أمام هذه الصناعة.

كشف الاستطلاع أيضا أن هناك سوق محتمل للأفلام الوثائقية والتحريك، وكذلك الأعمال التي تعتمد على المؤثرات الخاصة والتقنيات المتقدمة، وذلك بفضل توفر هذه التقنيات في الاستديوهات الموجودة بالسعودية، رغم أن هذا النوع يحتاج إلى مزيد من الاستثمارات بسبب تكلفته العالية.

مواهب شابة

وحسب موقع Dodona المتخصص في رصد حالة أسواق السينما في العالم فإن قطاع كبير من الاستثمارات في المنطقة تتجه حاليا نحو السعودية، سواء لإنتاج أفلام سعودية أو عربية أو أجنبية.

وفي استطلاع "نورديستي" فإن أهم المزايا التي تتمتع بها صناعة السينما في السعودية هي توفر المواهب والفنيين الشباب، وأظهر الاستطلاع أن 422 من صناع السينما وطلابها معظمهم من الشباب تحت الثلاثين (ما يتناسب مع تعداد السكان بشكل عام)، معظمهم شركات صغيرة وأفراد. 

وتتركز صناعة السينما في 3 مدن رئيسية: الرياض في المركز وجدة غرباً وما حولها، والدمام في الشرق، مع قليل من المدن الأخرى، وهو ما يعني وجود توزيع جغرافي متنوع.

وبالنسبة للدولة فهي تشجع وتشرف على صناعة السينما عبر عدة مؤسسات هي: مشروع رؤية 2020، ووزارة الثقافة، والهيئة العامة لوسائل الاعلام المرئية والسمعية، ووزارة التعليم، وهيئة الأفلام.

تعمل هذه الهيئات التي خصصت لها الدولة ملايين الدولارات على أكثر من محور، أولها دعم بناء دور العرض السينمائي باعتبارها ركيزة أي صناعة سينمائية، ومن العجيب أن السينما السعودية، على عكس معظم بلاد العالم، كانت حتى 2018 لديها صناع أفلام وأفلام وجمهور ولكن ليس لديها دور عرض سينمائي.

"بلوغ" و"قوارير"

المحور الثاني هو التعليم والتدريب ودعم انتاج الشباب، وقد شهدنا مؤخراً فيلمين جماعيين من نتاج ورش التعليم هذه هما "بلوغ"، الذي افتتح فعاليات مسابقة الأفلام العربية في مهرجان القاهرة الأخير 2021، وهو يتكون من عدة أفلام قصيرة لعدد من المخرجات، يضمها موضوع وفكرة واحدة مترابطة.

الفيلم الثاني هو "قوارير" الذي يتكون أيضا من عدة أفلام قصيرة يربطها فكرة واحدة لعدد من المخرجات الشابات. 

هناك أيضا الدعم الذي يقدمه مهرجان البحر الأحمر في دورتيه ( المؤجلة، والتي أقيمت بالفعل)، والذي يخصص نصفه للأفلام العربية ونصفه للأفلام السعودية، والذي ساهم في إنتاج عدد من الأفلام الطويلة والقصيرة.

ولا يجب أن نغفل أيضا عن قطاع مهم من السينما السعودية وهو الشباب الذين يتعلمون السينما في الخارج (معظمهم في أميركا وأوروبا) الذين يصنعون أفلامهم خارج المملكة، وعلى سبيل المثال شهدت الدورة الأولى من مهرجان البحر الأحمر عدداً من هذه الأفلام،  منها فيلم "تمزق" للمخرج حمزة جمجوم الذي حصل على جائزة أفضل فيلم سعودي في المهرجان ونال إعجاب الكثيرين.

*ناقد فني مصري

اقرأ أيضاً:

تصنيفات