يقترب المخرج تامر إسحاق، من انتهاء تصوير المسلسل السوري "جوقة عزيزة"، داخل دمشق، إذ يتبقى له أيام قليلة للحاق بالسباق الدرامي في رمضان 2022.
تدور أحداث المسلسل، عام 1929، خلال فترة الانتداب الفرنسي في سوريا، عن حياة الراقصة السورية "عزيزة" التي يقع في غرامها كولونيل فرنسي، لتتداخل في العمل صراعات سياسية ودينية واجتماعية في مرحلة حساسة من تاريخ البلاد شهدت تحديات على الصعد كافة.
"جوقة عزيزة"، من بطولة ممثلين سوريين ولبنانيين، وهم: نسرين طافش، وسلّوم حداد، وأيمن رضا، ومحمد حداقي، وهبة نور، ونورا رحال، ووفاء موصللي، ووسام حنّا، وهو من تأليف خلدون قتلان، وإخراج تامر إسحق.
بديعة مصابني
ونفى الكاتب خلدون قتلان، ما يُشاع مؤخراً، بأن مسلسل "جوقة عزيزة" ينتمي للأعمال الوثائقية أو التاريخية أو السير الذاتية، مثل توثيقه لحياة الراقصة المصرية السورية بديعة مصابني، مؤكداً أنّ "هذا الكلام ليس صحيحاً، بل خلقنا معادلاً سورياً مستوحى من قصة بديعة".
وقال خلدون، خلال حديثه لـ"الشرق"، إن النص الدرامي للمسلسل من وحي الخيال، لكن ربطه بأماكن حقيقية ومعالم موجودة في دمشق منذ زمن بعيد، يمتد إلى فترة الانتداب الفرنسي، مثل شارع البدوي في منطقة الشاغور البراني حالياً، الذي كان يسمى في العشرينيات بشارع "المرقص"، حيث أنشئت أول مدرسة لتعليم الرقص الشرقي في سوريا.
تشويه المجتمع الدمشقي
وأشار خلدون إلى أنّ كتابة المسلسل استغرقت نحو 14 شهراً، وجرى تعديل النص أكثر من 10 مرات "لأكون راضياً عنه بشكله الحالي"، مضيفاً أنّ النص مبني على بحث تاريخي أنثروبولوجي لتلك الحقبة والبيئة الشعبية الشامية.
ويرى أن مسلسلات "البيئة الشامية"، التي أنتجت في السنوات الأخيرة، "شوّهت النسيج الشامي، وقدّمت معلومات مغلوطة عن طبيعة المجتمع الدمشقي، وصنفت الرجل على أنه عنيف ومتسلّط، والمرأة خانعة بأسوأ حالاتها، فأغلبية هذه الأعمال صنعت حكاية بعيداً عن ثقافة دمشق وجوهرها ونسيجها الاجتماعي المتنوع".
صندوق العجائب
وشرح خلدون أنّ المسلسل مبني على عدة خطوط درامية، تتنوع بين السياسية التاريخية، والدينية، والفنية.
ويشبه الكاتب النص بـ"صندوق العجائب، الذي يحمل في داخله كثيراً من المفاجآت والخطوط الدرامية والتنوع والاستعراضات الموسيقية والكوميديا، إضافة إلى الصراعات السياسية والتاريخية والعسكرية في حقبة شهدت على بداية ملامح صناعة الدولة السورية التي كانت مقسّمة إلى دويلات، وبداية صناعة الدستور".
وعن ابتكار الشخصيات، قال: "خلقت شخصيات شعبية للغاية تعيش إرهاصات مرحلة تاريخية حساسة، لكني منحتها أسماءً محبّبة تشبه حالتها، منها البسيطة، والكوميدية، والقاسية المتسلطة، ومنها التي يتمحور المسلسل حولها كشخصية (حمدي حمّيها) عازف الطبلة، الذي يقوم بدوره الممثل السوري سلوم حداد الذي كتبت الشخصية له خصيصاً"، معتبراً أن هذه الشخصيات تلقى رواجاً، وتجذب المشاهد، وتبقى في الذاكرة.
تحضيرات إنتاجية ضخمة
وأرجع المخرج تامر إسحاق، أسباب إخراجه مسلسل "جوقة عزيزة"، إلى أن "النص مكتوب بنَفَس حكائي درامي، فأعتبره نصاً فريداً وغير تقليدي".
وقال لـ"الشرق"، إن المسلسل يُقدم نظرة جديدة في الحكاية الشعبية وصورة معاصرة تتضمنها استعراضات مسرحية ضخمة، وشكل من أشكال المنوعات القريبة من الناس.
وأضاف أن العمل "تطلّب تحضيرات إنتاجية وإخراجية ضخمة، أبرزها كان بناء حارة شامية قديمة كاملة بأدق تفاصيلها من الباب إلى المحراب، لاستخدامها كمواقع تصوير فنيّة، وتحقيق أعلى درجات الدقة والجمال الدرامي على مستوى الصورة".
وأشاد إسحاق بتعاونه مع المخرج اللبناني عادل سرحان، لإخراج الاستعراضات الفنية داخل المسلسل، مشيراً إلى حرصهما على التنسيق والتوازي بين الخطين الدرامي والاستعراضي، اللذين يكملان بعضهما في "جوقة عزيزة" ويخدمان صورة العمل.
ومن وجهة نظر المخرج، فإن "المسلسل درامي بامتياز، ولكن به مساحة واسعة للاستعراض الذي نقدمه على شكل أعمال مسرحية أو كليبات غنائية، وهذا النوع هو ملعب عادل سرحان الذي نجح في إخراج أهم الفيديوكليب في العالم العربي، وهذا التعاون لم يقلّل من قيمتي ولا قيمته، بل أضاف إلى العمل لمسة خاصة".
شخصية مغرية
من جهتها، أبدت الممثلة نسرين طافش إعجابها الشديد بشخصية "عزيزة" التي تؤديها في المسلسل، قائلة لـ"الشرق"، إن "الدور تتمنى أن تلعبه كل ممثلة، نظراً لطبيعة عزيزة الراقصة والمغنية الاستعراضية التي كانت فاتنة عصرها وزمانها وفنانة رائدة، فهي بحسب الحكاية أول امرأة أسّست مسرحاً كبيراً باسمها، لتجمع فيه كل الفنون ولديها فرقة خاصة بها، كما أنشأت مدرسة لتعليم الفنون".
وأضافت أن "الدور مركب، وبه طبقات كثيرة بين العناد والقوة وخفّة الدم والمرح والحزم والطيبة والعطاء، فهو دور صعب وتطلب جهداً كبيراً، لكني استمتعت به رغم أنه من الأدوار الجديدة كلياً عليّ".
وتابعت طافش: "إنها المرة الأولى التي أخوض فيها هذا النوع من الأدوار الغنية والجريئة التي استطاعت أن تتخطى محرمات وتابوهات موجودة في زمن العشرينيات بتحريم الفن، وانتصرت على ذلك عبر استقطاب عدد كبير من الجمهور، وسحرت الناس باستعراضاتها الباهرة".
وكشفت عن طبيعة الشخصية، موضحة أنّ "عزيزة تواجه تحديات ومشكلات كثيرة، خصوصاً أنها موهوبة وشغوفة بالفن وتجمع بين الجمال والذكاء والجرأة، فهي شخصية استثنائية في زمن تاريخي صعب تقع في غرام ضابط في الاستخبارات الفرنسية، وهذه العلاقة غير مألوفة عادة، في المجتمع السوري المحافظ، وفي الأعمال الدرامية".
اقرأ أيضاً: