مصر.. كيف أثرت الأزمة الاقتصادية على "غذاء الروح"؟ 

المطربة الأردنية زين عوض في افتتاح الدورة 30 لمهرجان القلعة الدولي للموسيقى والغناء القاهرة - 17 أغسطس 2022 - facebook/CairoOperaHouse
المطربة الأردنية زين عوض في افتتاح الدورة 30 لمهرجان القلعة الدولي للموسيقى والغناء القاهرة - 17 أغسطس 2022 - facebook/CairoOperaHouse
القاهرة-آلاء عثمان

في 9 أغسطس، استضافت دار الأوبرا في مصر المطرب العراقي كاظم الساهر لإحياء حفل طال انتظاره، وكانت المفاجأة أن الحضور لم يقتصر على مكان الحفل لمن حجزوا تذاكر في الوقت المناسب، ولكن العشرات تجمعوا خارج أسوار الأوبرا للاستماع إلى الأغنيات.

هذا الحدث الذي رصدته وسائل إعلام محلية، أثار جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ ربطه كثيرون بارتفاع أسعار التذاكر وتداعيات الأزمة الاقتصادية على محبي الفنون.

وألقت الأزمة الاقتصادية بظلالها على أكثر من قطاع ثقافي في مصر، منها دور العرض السينمائي، ودور النشر، ما يجعل الحصول على وجبة ثقافية في مصر أمراً يتطلب التدبير.

بعيداً عن صخب العاصمة المصرية، أحيا كاظم الساهر حفلاً آخر لرواد منطقة الساحل الشمالي في العطلة الصيفية، وتراوح سعر التذكرة بين 1500 و8 آلاف جنيه مصري (78 و417 دولاراً)، فيما تراوح سعر حفله في الأوبرا بين 2760 جنيهاً و5010 جنيهات (144 و261 دولاراً).

حفل دار الأوبرا الذي جذب محبي الساهر ممن لم يتمكنوا من حجز تذكرة ليس غريباً على المشهد الموسيقي المصري، إذ أن أسعار الحفلات في بعض المدن خصوصاً الساحلية عادة ما تكون مرتفعة، بينما تقيم وزارة الثقافة فعاليات بأسعار مخفضة من بينها مهرجان القلعة الذي بدأت الأربعاء، دورته الـ30 بسعر تذكرة 20 جنيهاً فقط أي نحو دولار واحد.

قرصنة في مواجهة الأسعار

لا يرتبط ارتفاع الأسعار فقط بالحفلات الموسيقية، وإنما يطال دور العرض السينمائي أيضا. وارتفع سعر تذكرة السينما إلى نحو 120 جنيهاً (6 دولارات) في بعض المناطق، وتصل أسعار التذاكر المميزة إلى 200 جنيه، وهو السعر الذي تعتبره الناقدة الفنية ماجدة خير الله "منفراً" لبعض الفئات، لكنها تضيف أن عمليات التحايل والقرصنة أصبحت واقعاً يتحدى العوائق المادية.

تقول خير الله: "لحسن الحظ أو ربما لسوئه، لا تمر بضعة أسابيع على عرض فيلم جديد حتى يتمكن الناس من الحصول على نسخة مقرصنة عبر الإنترنت، ومن يريد مشاهدة فيلم يصل إليه بأي وسيلة".

سينما الشعب

في أبريل، دشنت وزارة الثقافة المصرية مشروع "سينما الشعب" الذي استهدف عرض الأفلام داخل مراكز وقصور الثقافة المنتشرة في أنحاء الجمهورية، مقابل تذكرة بسعر 40 جنيهاً فقط، وهو المشروع الذي اعتبرته خير الله لمحة إيجابية قد تسهم في جذب المواطن العادي لمشاهدة العروض السينمائية بأسعار مناسبة، غير أن نجاح التجربة يعتمد من وجهة نظرها على بعض من المحددات.

وأضافت: "المشروع بحاجة إلى دعاية تلفت نظر الجمهور، وإعداد قصور الثقافة لتصبح منصات لائقة للعرض وآمنة حتى لا تتكرر مأساة قصر ثقافة بني سويف" في إشارة إلى الحريق الذي شب في المسرح في سبتمبر 2005 وأودى بحياة 50 مسرحياً على الأقل.

وتابعت: "إعداد وتأهيل قصور الثقافة يجب أن يضع في الاعتبار أيضاً خلق بيئة عائلية مناسبة لمختلف المحافظات، إذ ربما لا تقبل بعض البيئات المحافظة خصوصاً في الجنوب خروج الفتيات لحضور عروض سينمائية بمفردهن، ما يعني أن الأجواء لابد أن تتسع لأفراد الأسرة جميعاً".

الموزع السينمائي عماد سيد أحمد، الذي يتوقع ألا يحقق المشروع أثراً ملموساً، بسبب ضعف جودة الخدمات التي قد تقدمها قصور ومراكز الثقافة، ما يؤدي بالضرورة إلى ضعف الإقبال عليها.

دعم غير مباشر

ويرى أحمد أن سعر تذكرة السينما في مصر لا يتناسب بأي حال مع التكلفة. وقال: "يتراوح السعر بين 70 و80 جنيهاً، بينما السعر الذي يتناسب مع القيمة الحقيقية للعملة ربما يكلف 300 جنيه، فجميع احتياجات العرض السينمائي مستوردة ومكلفة للغاية بالإضافة إلى عملية الإنتاج ذاتها، ولكن هناك مراعاة للبعد الاجتماعي، واعتماد الأفلام على الدخل الذي يتحقق من العرض في المنصات والتلفزيون". 

واعتبر أن صناعة السينما تحتاج إلى دعم غير مباشر، لا عبر "سينما الشعب" ولكن من خلال تخفيف الأعباء الملقاة على عاتق صناع السينما ودور العرض، مثل الضرائب والتراخيص والرسوم التي تتطلبها عملية الإنتاج وتصاريح التصوير في الطرق والأماكن العامة التي تصل إلى 100 ألف جنيه لليوم الواحد في موقع واحد".

الكتاب.. أزمة عميقة

الكتاب لم ينج من الأزمة الاقتصادية، غير أن أزمة الكتاب عميقة الجذور على حد تعبير محمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين العرب ورئيس مجلس إدارة الدار المصرية اللبنانية، معتبراً أن صناعة النشر العربية بشكل عام تعاني، وتشهد تبايناً بينها وبين حركات النشر العالمية.

وأضاف: "العالم العربي بشكل عام لا يملك مستلزمات إنتاج الكتاب، وبالتالي يستوردها بالسعر العالمي، وعلى الرغم من ذلك لا يزيد سعر الكتاب عن تكلفة إنتاج إلا قليلاً مراعاة لمستويات الدخل في المنطقة، مقابل 13 مثل التكلفة تضاف إلى الكتب الأوروبية".

واعتبر رشاد أنه "لا مفر من دعم الحكومات لقطاعات النشر العربية، للحفاظ على استمرارية العمل والتشجيع على إنعاش الصناعة، من خلال إقرار ميزانيات للجهات التي لها أن تستفيد وتقتني الكتاب، مثل مكتبات المدارس والمكتبات العامة والمكتبات المركزية بالجامعات".

كماليات

الروائية المصرية سهير المصادفة، تتوقع أن تؤثر زيادة الأسعار أكثر وأكثر على انخفاض معدلات القراءة، وأن تتحول إلى لكماليات بالنسبة للأسر التي عليها أن تختار بين شراء كتاب أو سداد مقابل درس خصوصي لأحد الأبناء، أو شراء وجبة للأسرة.

ارتفاع أسعار الكتب يدفع البعض إلى نسخ مقرصنة إلكترونياً، لكن المصادفة ترى أسباباً أخرى لذلك. تقول: "هناك مشكلات أخرى متعلقة بالكتاب أبرزها عدم توافره في المكتبات العامة أو منافذ البيع أو دور النشر، خصوصاً بعض الكتب التي يحتاجها الباحثون، فيضطرون للجوء إلى نسخ مقرصنة لإتمام أبحاثهم، ولا يمكن أن ننتظر من قارئ يجد سعر الكتاب 300 جنيه ألا يحاول قرصنته".

وأضافت المصادفة: "المشروعات الثقافية الكبرى التي تقدم الكتب بأسعار مخفضة فإنها تتطلب إرادة سياسية، فعلى مدار 9 سنوات لم تكن هناك أي مشروعات كبرى، ونحتاج للتعاون بين وزارات الثقافة، والتربية والتعليم، والشباب والرياضة لتوفير الكتب في مراكز الشباب والمكتبات العامة".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات