يحمل مسلسل "ستة ناقص واحد"، الذي يُعرض على منصة "شاهد"، الكثير من إيجابيات الإنتاج الدرامي لمنصات البث الرقمي، أبرزها أنه يُمثل شراكة خليجية عربية، فهو إنتاج سعودي إماراتي، وفريق العمل من سوريا ومصر والخليج، ناطق بلهجات مختلفة، ويقرب المسافات بين الجمهور العربي، أكثر مما يفعل أي مجال آخر.
كما أنه يُعد مسلسلاً قصير الزمن "7 حلقات"، يتسم بالإيقاع السريع والتكثيف والموضوع الواحد، ما يختلف كلياً عن مسلسلات الـ30 و300 حلقة، والتجريب في أنواع فنية قلما عالجتها الدراما العربية مثل الرعب والتشويق والغموض.
فيما يُقدم فرصاً ذهبية لممثلين شباب يسعون لإظهار مواهبهم، وفنانين مخضرمين ضاقت بهم السينما وظروف الحياة، أتاحت لهم المنصات التعبير عن إمكاناتهم.
توليفة مضمونة
مسلسل "ستة ناقص واحد"، من إخراج السوري الفوز طنجور، عن سيناريو للممثل والمؤلف السوري المعروف رافي وهبي، ويُشارك بالتمثيل عدد من المواهب العربية الشابة منهم دوجانا عيسى، ورحاب العطار، وعزام النمري، وميشال وهبة، ويوسف وليد، وندى توحيد وبدر الغامدي.
وهو العمل الدرامي الأول لطنجور (47 عاماً) بعد عدد كبير من الأفلام القصيرة والوثائقية التي نال بعضها جوائز في مهرجانات عربية وأجنبية، ولكن بالنسبة للمؤلف فهو يأتي بعد عدد كبير من الأعمال التي قام بكتابتها أو تمثيلها أو هما معاً.
أول ما يلفت في "ستة ناقص واحد" هو بناؤه الدرامي الجيد، المفصل على "باترون" الأعمال البوليسية التشويقية، التي تدور حول مجموعة من الأصدقاء الشباب، الذين يقضون حياتهم بين اللهو والعلاقات الغرامية، تنقلب حياتهم إثر حادث، أو جريمة، أو اختفاء غامض.
وازدهر هذا النوع في السينما بفضل أفلام أميركية مثل I Know What You Did Last Summer (أعرف ما فعلته في الصيف الماضي)، إنتاج 1997، وما أعقبه من أجزاء وأعمال مشابهة.
مثل I Know What You Did Last Summer، يدور "ستة ناقص واحد" حول 6 أصدقاء، وهناك عدد من التشابهات الأخرى، ولكن مع قليل أو كثير من التحوير، حيث تدور الحبكة الأساسية حول 6 أصدقاء، 4 فتيان وفتاتين من جنسيات عربية مختلفة، يعيشون في "أبو ظبي".
ويذهب الأصدقاء في رحلة بحرية تم الإعداد لها مسبقاً، ولكنهم يصابون بحالة تخدير وهلوسة على متن المركب ويقذفون ببعضهم البعض في الماء، ويستيقظون صباح اليوم التالي ليكتشفوا اختفاء أحدهم، اسمه "كريم"، وهو صاحب فكرة الرحلة.
مزيد من الأسئلة
تصل الشرطة وتعتقل الشباب الـ5، ويبدأ محقق شرطة ذكي، يعاني من مأساة شخصية تشبه قضية اختفاء "كريم"، يتفرغ لحل القضية بمفرده، رغماً عن رؤسائه، على طريقة رسم شخصية المحقق في معظم الأعمال الأميركية، وهو نموذج تقلده الكثير من الأعمال العربية الحديثة، مشكلته أن كثرته تفرغ عمل الشرطة والقضاء من حياديتهما المفترضة، ولا تضع في حسبانها نظام العمل المختلف في البلاد المختلفة.
يلف الغموض كل شيء، حيث يبدو كل شخص كاذباً وكل شيء وراءه سر، ليس فقط في ما يتعلق بالأصدقاء الـ5 وصديقهم المختفي، ولكن كل شخص آخر في المسلسل من أقارب وأصدقاء الشخصيات الرئيسية.
تتسم الحلقات من الـ2 إلى الـ4 بالتشويق والترقب، ويجد المُشاهد نفسه مأسوراً بمتابعة الأحداث والتركيز في كل مشهد على أمل فهم ما يدور ويعرف ما حدث، ومع كل معلومة نعرفها يفتح باب جديد لمزيد من الحيرة والأسئلة.
يبدو أن هناك أحداً دبّر خطة للتخلص من "كريم"، أو ربما يكون "كريم" نفسه ذهب ضحية ألعابه، وربما يكون اختفاؤه جزءاً من هذه اللعبة.
نعرف أن "كريم" وأحد الأصدقاء يتنافسان على حب فتاة واحدة من خارج المجموعة هي "سما"، ونعرف أن إحدى الفتيات متزوجة سراً دون علم أصدقائها، والثانية تعاني من متاعب نفسية كبيرة.
ويتطرق العمل بشكل عابر لعلاقات هؤلاء الشباب العائلية، وباستثناء الشاب المصري "عابد"، الذي يتعرض لمعاملة قاسية من أبيه، فليس هناك أزمات "حقيقية" يمكن ربطها بالخلل الذي يعانون منه.
مسار مختلف
وبينما يبدأ المشاهد في التململ ضجراً من اكتفاء العمل بالدوران في الأسئلة دون إجابات، فجأة تتخذ الأحداث مساراً مختلفاً، متعسفاً، ومقتبساً بدوره من نوع فرعي من أفلام الرعب والتشويق الأميركية، وهو مجموعة البشر الذين يجدون أنفسهم أسرى للعبة أو مجموعة ألعاب يديرها شخص مجهول لا يرونه، حيث تتعلق مصائرهم بالإجابة عن هذه الألعاب.
مرة أخرى، يجد المشاهد نفسه متتبعاً خيطاً لا يؤدي إلا لخيط جديد، ليتبين في النهاية أن هناك من خطط بالفعل لكل هذا -دون أن نحرق الأحداث- ولكن يتوقف المشاهد مذهولاً ليتساءل عن منطقية الأحداث، فلا يجد لها منطقاً.
ويتساءل عن السبب وراء كل هذه الأفعال الخطيرة التي كادت تودي بحياة عدد من الأصدقاء، فلا يجد سوى كلمات إنشاء وخطابة طفولية عن شروط الصداقة الحقيقية وإخفاء كل منهم لسر عن بقية الأصدقاء، بينما لا توجد في الحقيقة أسرار تستحق كل هذا العناء، ويبدو العمل في آخر الأمر كما لو كان مجرد تمرين على الكتابة البوليسية دون مضمون أو موضوع.
ومع ذلك يُظهر المخرج الفوز طنجور تمكناً ملحوظاً في أدواته ولغته البصرية، ويتميز العمل بصورة ومونتاج متقنين ومعبرين، ويبذل فريق الممثلين الشباب جهداً كبيراً، لولا غلبة الأداء الهيستيري المبالغ فيه على معظمهم، ولا يرجع ذلك لنقص في مواهبهم بقدر ما يعود إلى توجيهات المخرج.
وفي حين يمكن أن نفهم سبب هيسترية الشخصية التي تلعبها دوجانا عيسى، لكن الأداء المبالغ فيه يمتد إلى الشخصيات التي يلعبها كل من عزام النمري، ويوسف وليد، ورحاب العطار وحميد العوضي، والأكثر من ذلك الأداء الانفعالي لعبد الكريم باحكم في شخصية "كريم"، التي يفترض أنها الأكثر عقلانية وبروداً.
*ناقد فني