في"ستوديو 23".. السخرية حتى النفس الأخير

الملصق الدعائي لمسلسل "ستوديو  23" - المكتب الإعلامي لقنوات mbc
الملصق الدعائي لمسلسل "ستوديو 23" - المكتب الإعلامي لقنوات mbc
القاهرة-عصام زكريا*

في موسمه الثالث يثير البرنامج الكوميدي الدرامي "ستوديو23" عواصف من الضحكات، ومثلها من اللعنات، بعد أن تخطى كثيراً من المساحات، وفتح كثيراً من الجبهات، وشمل بسخريته كل ما يمكن أن تطاله الأيدي من الموضوعات والشخصيات.

يطرح "ستوديو 23" عدة إشكاليات تتعلق بقالب العمل ومضمونه، وحدود السخرية الممكنة من شخصيات وقضايا عامة.

من ناحية القالب فهذا نوع فني خليجي مبتكر، ربما لا يوجد له نظير في تليفزيونات العالم، أو على الأقل هو نوع نادر الوجود.

هو أقرب لمسرح "الفودفيل" الذي انتشر في النصف الأول من القرن الماضي، وكان يتكون من فقرات تمثيلية وغنائية قصيرة وضاحكة، غالباً ما كانت تعرض في الملاهي وصالات الترفيه بجانب بعض المسارح.

تطور هذا القالب تليفزيونياً في الخليج واتخذ قوامه مع مسلسل "طاش ما طاش" منذ 30 عاماً، ثم استمر مع أعمال أخرى مثل "حامض حلو" العراقي الذي يتواصل عرضه في رمضان منذ بضع سنوات، ثم مع سلسلة "ستوديو" التي بدأت بـ"ستوديو 21" و"ستوديو22" في العامين الماضيين.

هذا القالب يمكن أن نطلق عليه "المجلة التمثيلية"، إذ يشبه مجلات الكوميكس الفكاهية مثل "ميكي" و"تان تان" و"بساط الريح"، التي تضم بين دفتيها قصصاً قصيرة، وأحياناً مسلسلة، لعدد متنوع من الشخصيات المختلفة.

منوعات فكاهية

في مدة زمنية قصيرة لا تتجاوز 20 دقيقة يقدم "ستوديو 23" عدداً من الفقرات القصيرة، قد تصل إلى سبع، كل منها أشبه بمشهد درامي، أو فقرة في برنامج، أو نكتة، أو مونولوج غنائي ساخر.

وتتنوع مضامين وموضوعات وشخصيات هذه الفقرات بشكل كبير، تبدأ الحلقة الأولى مثلا بمشهد ساخر للاعب الكرة كريستيانو رونالدو وتأثيره على الحكام، وآخر للرئيسين الأمريكي والروسي، وثالث لشخصية أبي صامل تاجر الحيوانات وزوجته عاشقة المظاهر، ورابع محاكاة ساخرة لأفلام الـWestern، أو "الكاوبوي" كما نطلق عليها، وخامس يسخر من عالم الغناء، وسادس لصديقين ساذجين يتبادلان الثرثرة حول غسيل الأموال، وسابع يسخر من صراعات "المؤثرين" على مواقع التواصل.

في الحلقة الثانية يحل ليونيل ميسي محل رونالدو، ومحاكاة ساخرة لخناقة حامية بين ميسي ولاعب السعودية علي البليهي، في إشارة للاحتكاك الذي حدث بين اللاعبين أثناء مبارة الأرجنتين والسعودية في كأس العالم، بعد استفزاز البليهي لميسي.

كذلك تضم الحلقة محاكاة تهكمية لمذيعة نسوية تحرض النساء على عصيان الرجال، وشخصيات جديدة لجار يستخدم كاميرات المراقبة التي تكشف كل ما يفعله الجيران.

حدود الكوميديا

على مدار الحلقات التالية تستمر المحاكاة الساخرة من شخصيات عامة مثل عضو الكونجرس إلهام علي، وظواهر مثل قيادة النساء للسيارات، وبعض المهن الإعلامية مثل الفلكيين والمنجمين ومروجي الخرافات، وإعلاميين مثل الأمريكية أوبرا وينفري والمصرية ياسمين عز، التي تتخلى هنا عن صوتها "الشتوي" وتصيح بصوتها "الصيفي" في فريق الاستوديو وتنهر زوجها!

ومن المطربين الذين يتعرضون للتقليد الساخر طلال مداح، محمد منير، وشيرين عبد الوهاب، في حلقة أثارت جدلاً شديداً، إذ تتحول فيها كلمات "حب تاني" إلى إشارات لضرب زوجها لها وإدمانها.

في هذه الفقرة يصل التقليد الساخر إلى حده الأقصى، ما دفع البعض إلى مطالبة محطة mbc المنتجة للبرنامج إلى حذف الفقرة والاعتذار عن إذاعتها، فيما هدد مدير أعمال شيرين باتخاذ "الإجراءات القانونية" اللازمة. 

والسؤال هنا: هل هناك حدود للكوميديا والمحاكاة الساخرة، وما هي هذه الحدود إذا كان كل عصر ومجتمع وفرد يختلف في درجة تقبله للفكاهة والسخرية؟، ولعل القارئ يذكر ما فعله النجم ويل سميث عندما صفع مقدم حفل الأوسكار كريس روك علانية بعد تهكم الأخير على حلاقة رأس زوجة سميث.

تقبل السخرية، إذن، يختلف من مجتمع لآخر ومن فرد لفرد، وبشكل عام يقاس مدى تحضر المجتمع والشخص بقدرته على التهكم والسخرية من نفسه، كما أن ما يعتبره البعض سخرية، ينظر له البعض الآخر باعتباره تحية واعترافاً، وهو ما ذكره الممثل حبيب الحبيب في "تويتة" له ردا على موجة الغضب التي ثارت بسبب تقليده للمطرب الراحل طلال مداح، مؤكداً أن الهدف لم يكن الضحك وإنما لنقول "رحمة الله عليه".

من الصعب أن نعتبر فقرة طلال مداح بمثابة "رحمة الله عليه" أو فقرة شيرين عبد الوهاب بمثابة تعاطف مع محنتها، ولكن في الوقت نفسه لا ينبغي أن نعتبر الفقرتين إهانة أو سخرية مؤذية.

في حالة شيرين مثلا ربما تكون السخرية من شخص مريض أمر مشين ولا يصح، ولكن عندما نضع في الاعتبار أيضاً شجاعة شيرين في الحديث عن مشاكلها مع زوجها وإدمانها وقدرتها، وبالنظر إلى طبيعتها المنفتحة التي طالما جعلتها تتهكم وتلقي النكات حول أشياء كثيرة، فربما تكون شيرين هي أول من يضحك ويهنئ الممثلة ريم عبد الله التي قامت بتقليدها.

الضحك دليل التحضر

المجتمع الذي يسخر من نفسه هو مجتمع صحي، والكوميديا بشكل عام تعمل على تخفيف الفرد والمجتمع من وطأة الجدية الزائدة والشعور بالبؤس وتحرره من أفكاره وآراءه المكبوتة.

ويضاف إلى ذلك ما يفعله نجوم "ستوديو 23" إذ يكشفون عن مواقف الكوميديا اليومية التي تحدث في وسائل الاعلام ومواقع التواصل والحياة الاجتماعية، عن المظاهر الزائفة، والسلوكيات الخاطئة، وسلبيات التكنولوجيا، وبعض الظواهر السلبية التي يصعب مناقشتها صراحة.

ويحقق القالب الذي تصاغ فيه هذه الكوميديا مجالاً أكثر أماناً من الدراما التقليدية، إذ يسقط هنا الايهام بالواقع الذي يوحي به بناء المسلسلات الدرامية، ويحقق بناء الفودفيل والأداء الهزلي للممثلين والأقنعة والماكياج الصارخ هذه المسافة الآمنة بين ما يدور على الشاشة والواقع. 

لم يكن لـ"ستوديو 23" وموسميه السابقين أن يحققا النجاح والشعبية لولا فريق الممثلين – أو المؤدين- المتميز، وعلى رأسهم حبيب الحبيب، خالد المظفر ، ماجد مطرب فواز ، ريم عبد الله، عبد العزيز النصار، خالد فراج، خالد العجيرب، علي الشهابي، وغيرهم.

وكذلك فريق الكتابة الذي يضم زايد الرويس، محمد الفهادي، تهاني عامر، وخلف الحربي تحت قيادة المخرج نعمان حسين الذي انضم لفريق العمل هذا العام لأول مرة، عوضاً عن المخضرم محمد دحام الشمري، الذي قام بإخراج الموسمين الأول والثاني. ويبرهن نعمان حسين في أول موسم له أنه صاحب بصمة في الأسلوب وموهبة في الكوميديا.

* ناقد فني

إقرأ أيضاً:

تصنيفات