الفيلم السعودي "طريق الوادي".. نوستالجيا الطفولة المتخيلة

الملصق الدعائي لفيلم "طريق الوادي" - facebook/KingAbdulazizCenterForWorldCulture
الملصق الدعائي لفيلم "طريق الوادي" - facebook/KingAbdulazizCenterForWorldCulture
القاهرة-رامي عبد الرازق*

يمكن اعتبار "طريق الوادي" فيلماً يستهدف الأطفال كشريحة أساسية في سياق الشكل والموضوع. كما يمكن اعتباره نوعاً من الأفلام السعودية التي تحاول كسر النمط المتخيل عن البيئة التي ظلت مغلقة لسنوات طويلة، بصحرائها الجافة ومظهرها الاجتماعي، أو محاولة لخوض بيئة الفيلم الملون، عبر التفاصيل البصرية الزخمة والأغاني واللوحات الراقصة والمؤثرات الخاصة والمغامرات الآمنة.

الفيلم الذي أخرجه خالد فهد وشهد عرضه الأول ضمن فعاليات الدورة الثانية لمهرجان البحر السينمائي في ديسمبر الماضي، ثم تقرر عرضه مؤخراً في دور العرض السعودية، يحمل شجاعة تجربة توفرت لها إمكانيات إنتاجية جيدة (من تمويل "مركز الملك عبد العزيز الثقافي" إثراء").

فمع كون السينما السعودية لا تزال في طور التشكل، ومراكمة تاريخ إنتاجي كمي وكيفي، فإن هذا النوع من التجارب، الذي يتميز بتوجه جماهيري محدد الشرائح، ومعتمد على شكل له تاريخ متجذر وأساليب متجددة، يعتبر تحدياً طموحاً جداً، في ظل هشاشة خبرات صنّاعه.

ولكن رغم كل ما سبق، إلا أن "طريق الوادي" يمكن أن يمثل جزءاً من حالة أكثر شمولية، تسيطر بشكل حميمي على الكثير من صناع الأفلام السعوديين في الأعوام الأخيرة، وهو ما يمكن أن نطلق عليه "نوستالجيا الطفولة المتخيلة".

"كيارا والتيس"

تدور أحداث "طريق الوادي" بين قريتين هما في الأصل قرية واحدة. الأولى هي البقعة القديمة التي يزورها الأجانب على اعتبار أنها مكان أثري يعكس شكل الحياة البدائي في واحدة من القرى السعودية، بينما الثانية هي القرية الأحدث التي بنيت على مقربة من الأصل، ببيوتها الملونة وشرفاتها المزروعة بالزهور، والأطفال الذين يمرحون في سعادة مشاكسين الكبار، ويطاردون حيواناتهم الأليفة (على رأسهم المعزة الصغيرة "كيارا" صديقة بطل الفيلم الأبكم علي)، في حين تحاوط الأشجار الخضراء القرية من كل جانب، ومن خلفها يبدو الجبل، مثل طبيعة ناطقة بالتماسك والاحتواء والرسوخ.

تبدو قرية الوادي وكأنها نصف متخيلة ونصف مستعادة. ربما يحمل جزء منها شكل القرية كما أراد صنّاع الفيلم تذكرها. فالتجربة زمنياً تدور في حقبة سابقة، ربما بين الثمانينيات والتسعينيات، فلا يوجد أجهزة كومبيوتر ولا أجهزة محمول، بل هواتف ثابتة وسيارة نقل تقليدية، وعربات "كابريس" أميركية، وهي جزء من الصورة الذهنية للأزمنة الواقعة قبل أربعين عاماً.

أما بطلنا علي فهو طفل في حوالي العاشرة من العمر، يعاني من فقدان النطق، إذ لا يقول سوى كلمة واحدة فقط (كيارا). وهذا هو اسم معزته الصغيرة التي يصحبها معه أثناء مرافقته لأبيه تاجر الماشية، في رحلة بيع التيس النادر، من أجل تسديد إيجار الحوش الذي يتخذه مقراً لعمله.

وفي أثناء الرحلة يتعرض علي لمجموعة من المغامرات الطيبة، بداية من ركوبه حافلة صغير مع مجموعة من السياح، ثم تاه في الصحراء، حيث كاد كائن أسود لزج أن يفتك به، وصولاً إلى اختطافه من قبل قطّاع طرق.

فإذا وضعنا إذاً شكل القرية المتخيل مع الحقبة الزمنية القديمة، بجانب أن البطل طفل صغير، أي أنه الآن شاب أو ربما رجل مكتمل النضوج، يصبح لدينا تصوراً معقولاً عن كون "طريق الوادي" هو جزء من الحالة الاستعادية، التي يحاول من خلالها صناع الأفلام السعوديون قراءة تاريخهم الخاص والعام، بعد أن اجتازوا مؤخراً بوابات الانفتاح الاجتماعي.

ما يعرضه "طريق الوادي" ليس تاريخاً، ولكنه أقرب إلى حنين لتاريخ مشابه. تاريخ مشغول من خيوط الخيال واللون، لا يحتوي على شكل جاف للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل على فتيان وفتيات يرقصون حول بئر القرية بملابس مبهجة، وعلى أجانب يجتازون طريق الوادي لمشاهدة آثار سوق الماشية القديم.

وعلي طفل يرقص أسفل نجمات تضبط له الإيقاع، بينما تراوده أحلام يقظة عن حورية من سنه تنقذه من بقعة زيت أسود تريد أن تعتصر براءته.

لو رسمنا خطاً مستقيماً بين "طريق الوادي" ومجموعة من الأفلام القصيرة والطويلة التي عرضت مؤخراً ضمن دورات مهرجان الأفلام السعودية، والتي شكل الصغار وزمن الطفولة خلاياها الدرامية، فمن غير المستغرب أو الاستثنائي أن يأتي الفيلم محاطاً بباقات من أنفاس حقبة قريبة - بعيدة (قريبة في حسبة الأيام وبعيدة في حسبة الحاضر)، ويلعب دور البطولة فيها طفل غير قادر على النطق، لكنه يتحدث إلى العالم بعينيه وابتسامته وخطواته الراقصة.

متاهة صغيرة

رغم بساطة الحكاية وحركتها في خطوط قصيرة آمنة الصراع ومضمونة الذروة، إلا أنها تشعبت بشكل غير محكم، خاصة لو نظرنا إليها في إطار الجمهور الأساسي، أي الأطفال. فأزمة علي الأساسية كما تلخصها أخته في النهاية، أنه غير قادر على التواصل مع العالم، ولهذا لا أحد يفهمه، وبالتالي لا ينطق. ولكننا لا نعرف ما السبب وراء أزمة عدم التواصل تلك. فهل هي صدمة ما، أم رفض لعنصر حياتي معين، أم اعتراض على هدف لم يتحقق؟.

ونرى والده وأمه وكل القرية تعامله بشكل معقول! صحيح أنه يتعرض لبعض التنمر من شخصية نمطية تدعى مطلق، إلا أن هذا بسبب أنه أبكم، ولكنه لم يصبح كذلك بسبب التنمر. وحين ينطلق مع والده إلى طريق الوادي، نراه يستسلم سريعاً للركوب مع السياح الأجانب، من دون سبب مقنع، أو حتى إجبار من أي نوع، حتى ولو كان يبحث عن معزته.

المقصود أن الفيلم رغم أنه موجه بالأساس إلى الأطفال، فلماذا يتم التساهل مع الحبكات بهذا الشكل، أو أن تتداخل أسطورة الواوي المرعب مع الشاب المصاب بمرض نفسي، والذي يبحلق ويصرخ في وجوه أطفال القرية، بأن لعنة الصحراء سوف تطلبهم وتبتلعهم دون أن ندري في النهاية ما الذي أوصله لهذه الحالة، فهل تعرض لاعتداء ما، أو شاهد كائناً خرافياً كاليد الزيتية السوداء التي طاردت علي في الليلة الصحراوية التي قضاها بعيداً عن مخيم الأجانب؟

ثمة مشكلتان أساسيتان في التعاطي مع الأفلام الكوميدية والأفلام الموجهة للأطفال في السينما السعودية خاصة والعربية عامة. الأولى هي اعتبار أن النوع مبرر للتبسيط المخل وتفكيك الدراما لدرجة التراخي مع أبسط المبادئ، وتقديم حبكات ساذجة، والثانية هي الاكتفاء بالحوار الشارح للتبرير والتلخيص، وهي المشكلات التي سوف تظل عائقاً دائماً أمام تطور هذه الأنواع بصورة أكثر نضجاً وقدرة على التماسك والمنافسة.

وهذه المشاكل نفسها، تجعل كفة الدراما أخف من كفة الإنتاج، وبالتالي يصبح من المحبط الشعور بأن التمويل السخي مادياً، لا يقابله اعتناء درامي وفكري موازي.

يمكن اعتبار "طريق الوادي" حالة جيدة لدراسة الكثير من معطيات الواقع السينمائي السعودي في الفترة الحالية من عدة زوايا، وهو ما يحتاج إلى أكثر من مجرد الاحتفاء بالصورة المبهجة والأغاني اللطيفة والمواهب التمثيلية المشرقة خاصة على مستوى الأطفال. مع الإشارة في هذا السياق، إلى أن حامد فرحان وجه سينمائي مبشر جداً في دور بطل الفيلم الصغير علي.

في المحصلة، فإن هذه التجربة توفرت لها إمكانيات تمويلية جيدة، ويمكن ضمها في سياق تيار عام تسري كهرباؤه في مخيلة صناع السينما الشباب، وتمثل محاولة فيها الكثير من الجدة على طريق التجريب، والخروج إلى ما هو أوسع من السائد والعادي؛ وادي الخيال الرحب. 

* ناقد فني

اقرأ أيضاً:

تصنيفات