المسلسل السعودي "بيت طاهر".. كوميديا الحياة اليومية

مشهد من المسلسل السعودي "بيت طاهر" - Netflix
مشهد من المسلسل السعودي "بيت طاهر" - Netflix
القاهرة-عصام زكريا*

منذ الدقائق الأولى للمسلسل السعودي "بيت طاهر" يسري جو مختلف من الكوميديا الاجتماعية الواقعية، تستمر حتى الدقائق الأخيرة، بجانب حالة من التشويق والإيقاع المحكم قلما نراه في المسلسلات العربية المليئة بالمناطق المترهلة.

هذا عمل، رغم خفته، وروح "الهواية" التي تطل منه، إلا أنه مرح دون استظراف، ومسل دون ادعاء.

يطل محمد بخش، بوجهه المنحوت، الذي أكسبته التجارب خبرة، وقدرة على التعبير بأقل جهد ممكن، في شخصية الأب جمعة، خشن الطباع، طيب القلب، غير قادر على إدارة محل السمك الذي يملكه، ولا إدارة حياة ابنيه، الأكبر يوسف (يؤديه الهاشمي الفيصل)، والصغيرة عزيزة (وجود السفياني).

وعلى مقربة منهم تجلس الجدة لطيفة (نعيمة أحمد)، والدة الأم التي رحلت منذ عهد قريب، ويدور بينهم حوار عائلي من النوع الذي نسمعه في كل بيت.

الأب غير راض عن أحوال أبناءه، الكبير "خائب"، لا يعمر في وظيفة، وزوجته مستاءة من طموحاته وأحلامه التي تمنى دوما بالفشل، والصغيرة تستعد للسفر لاستكمال دراستها في كوريا، رغم عدم رضاء الأب عن ابتعادها عنه وسفرها إلى بلد غريب.

أما الأبناء والجدة فهم أيضا غير راضين عن أبيهم الذي يسئ إدارة محل السمك، حتى أوشكوا على الإفلاس، ويزيد الأمر تعقيداً عناده، وعدم اقتناعه بتغيير نشاط المحل أو اشراكهم في إدارته.

وفوق ذلك ينتظر من الجدة أن تبيع مزرعة تملكها من ميراثها ليحل مشاكله المالية، والجدة هي صوت العقل والحكمة، وهي أيضاً صندوق الدعم المالي الذي يعتمد عليه الابنين باستمرار.

واقعية الحياة اليومية

ما يلفت في "بيت طاهر" هو الحوار المستمد من الحياة اليومية، والأداء الطبيعي للممثلين، إن أهم ما يشعرون به لا يقال، فالأب يخشى عليهم، ولكنه يعاملهم باستعلاء واستهانة، والأبناء والجدة يريدون أن يقولوا له الكثير، ولكنهم لا يستطيعون.

ومثل كثير من الشباب نجد ليوسف صديق مقرب، اسمه كريم (محمد الفرا) هو أخيه في الرضاعة، كما يقول، تربى بالقرب من عائلة جمعة ويعتبرهم عائلته، وإن كان يلقى من الأب أسوأ معاملة ممكنة.

لكن المعاملات والعلاقات هنا لا تحمل مبالغات الدراما، ولا مبالغات الكوميديا، وإنما تحافظ على تلك الشعرة الواقعية بين الجدية والمزاح، التي نراها في الحياة الطبيعية.

الأجواء سعودية تماماً، والقصة وتفاصيل الحياة اليومية نابعة من البيئة، وحياة الطبقة المتوسطة، التي تعيش بشكل معقول، ولكنها تعاني من أجل تحسين أحوالها، أو الحفاظ عليها من الانهيار.

تمتد هذه الواقعية في الشخصيات إلى القصة التي يقوم عليها العمل، إذ يخطط الابنان والجدة وصديقهم كريم، ثم الأب لاحقاً، لعمل مشروع "طب شرعي" يتمثل في زرع وتصنيع مادة اسمها "الحبسة" لتعزيز الأداء لدى الرجال، ولكن يواجههم بالطبع أن هذه المواد ممنوعة، وتحتاج إلى تصريح طبي، وبالتالي يجدون أنفسهم في موقف تجارة الممنوعات.

محتالون لكن شرفاء!

الموقف رغم خطورته إلا أننا نسمع بحالات شبيهة تحدث يومياً، حيث يحاول البعض التحايل على القوانين اعتقاداً منهم أنها ليست عادلة، وليس لإنهم مقتنعون أنهم مجرمون.

الشخصيات مقتنعون بصحة موقفهم، وهم طيبون إلى حد السذاجة، وفوق ذلك فإن اختيار الممثلين موفق للغاية، بحيث لا يوجد في المسلسل أشرار تقريباً، باستثناء الحلقة الأخيرة، حيث تظهر شخصية غامضة غير مريحة، وإن كانت خفيفة الظل أيضاً، لذلك يتعاطف المشاهد معه، بل يكاد يتمنى أن ينجح مشروعهم، دون أن يتعرضوا للمتاعب، أو يعرضوا أحداً ما للأذى.

ورغم الجرأة التي تتسم بها قصة المسلسل، وبعض تفاصيله المتعلقة بتأثير "الحبسة"، لكن المعالجة راقية وذكية، والمواقف الكوميدية تظل دوماً في إطار الابتسامة، أو الضحكة الخجولة.

حرفية المنصة

في مسلسل "بيت طاهر" الذي أنتجته منصة "نتفليكس" تبدو آثار الحرفية واضحة، أولاً في الكتابة المختزلة والوافية، لورشة العمل التي شاركت في الكتابة، والتي تطورت، كما يبدو، خلال الإعداد والبروفات والتصوير.

ويخلو العمل من الثرثرة المعتادة في المسلسلات التليفزيونية، إيبلغ طوله 6 حلقات فقط، لا تزيد مدة كل منها عن 35 دقيقة. 

تتبدى الحرفية أيضاً في فريق العمل، المختار وفقاً لمناسبته للدور، وليس لنجوميته أو شهرته، وباستثناء المخضرمين محمد بخش ونعيمة أحمد، فإن أغلب فريق العمل من الشباب الذين يمثلون لأول مرة، أو لديهم تجارب محدودة سابقاً.

تتبدى الحرفية بشكل آخر في فريق الإخراج، الذي يضم سلطان العبد المحسن، يعاونه كل من ياسر حماد وسلطان ربيع، حيث تم توزيع الحلقات عليهم، على عادة المنصات، وخاصة "نتفليكس".

وهذا النظام يحقق التنوع والتنافسية من ناحية، ولكن عيبه أحياناً تفاوت المستوى بين الحلقات، أو اختلاف أسلوبها وإيقاعها. ولعل أهم ما في "بيت طاهر" أن نتيجة التعاون على مستوى الكتابة والإخراج جيدة للغاية، إذ تحقق الجودة وتخلو من الاضطراب، وأعتقد أن مشاهداً لم يقرأ العناوين لن يخطر بباله أن هناك أكثر من مخرج وكاتب للعمل.

بجانب عائلة جمعة يضم المسلسل عدداً قليلاً من الشخصيات والخطوط الأخرى، لكنها متشابكة وتدور حول الخط الأصلي للقصة، ورغم أن معظم الأحداث داخلية، لكن الكاميرا تغادر البيوت أحياناً لتستعرض الحياة في شوارع جدة، سواء الطرق الرئيسية، أو الشوارع الخلفية الملتفة بالغموض والريبة، أو لزيارة مقر إحدى الجمعيات الفنية الموسيقية، وهو ما يضفي مزيداً من الإحساس بالواقعية.

في المسلسل حرفية "نتفليكس"، ممزوجة بحس وثائقي شبابي غير ملعن أو مباشر، ولكنه هناك في التفاصيل والحوار والأداء والطبيعية التي تسري بين فريق العمل. 

أخيرا، ينتهي المسلسل بمشهد ذكي، يفتح الباب أمام أجزاء تالية، توحي بأنها ستكون أكثر درامية وبوليسية، ورغم أن من حق صناع العمل أن يتمنوا مواصلة المشروع، لكن نخشى أن تفقد هذه الأجزاء أفضل ما في "بيت طاهر"، وهو واقعيته.

* ناقد فني

اقرأ أيضاً:

تصنيفات

قصص قد تهمك