التونسية نوال بن كريّم: الموسيقى تزيل الحدود بين الثقافات

المغنية التونسية الفرنسية نوال بن كريّم - فيسبوك - الصفحة الرسمية
المغنية التونسية الفرنسية نوال بن كريّم - فيسبوك - الصفحة الرسمية
بيروت-رنا نجار

تحيي المغنية والكاتبة والمؤلفة الموسيقية الفرنسية التونسية نوال بن كريّم، حفلاً غنائياً الأحد المقبل، ضمن مهرجان "العلوم والفنون العربية" (Arabofolies)، الذي ينظّمه معهد العالم العربي في باريس.

يأتي ذلك عقب صدور ألبومها الثالث "Délivrance" (خلاص/تحرر) الذي يتضمن 13 أغنية، تدمج فيها أنماطاً موسيقية مختلفة، وتحكي عن الحب والأمومة والأحلام.

فرضت بن كريّم نفسها على الساحة الفنية الفرنسية من خلال مشروع موسيقي مميز وناضج. فهي مثقفة ومنحازة للحب والإبداع والمساواة بين المرأة والرجل. 

تجمع أعمالها بين الالتزام بالقضايا الإنسانية من خلال القصائد التي تكتب كلماتها بنفسها، وبين المتعة عبر ألحانها المنفتحة على أنواع موسيقية مختلفة، منها البوب الفرنسي والفولك المغاربي العربي والسول والهيب هوب. 

الألبوم الأول

بدأت صاحبة الصوت الأجشّ والحساس المتنقّل بسهولة بين العربية والفرنسية والإنجليزية، مشوارها كمغنية منفردة في فرقة "Cirrus" الباريسية. 

وبعد جولة عالمية مع الفرقة، قررت إصدار أول ألبوم لها بعنوان "Mama, Please" الذي نال جائزة راديو مونت كارلو الدولية في دورة 2008/2009. 

خاضت بن كريّم تجارب في المسرح والسينما من خلال أغانيها، كما شاركت في مهرجان كان السينمائي، ضمن فئة المواهب الجديدة، بعد نجاح أغنيتها التصويرية في فيلم "ياسمين والثورة" للمخرجة كارين ألبو، كما تعاونت مع المخرج طوني غاتليف في فيلم "Indignados".

وشاركت في مبادرات جماعية كثيرة منها "أنت الصوت" التي تحفّز على التصويت في الانتخابات التونسية. وكان للثورة التونسية في 2011 -التي أيّدتها وغنّت لها- وقع على توسيع قاعدتها الجماهيرية في بلدها الأم.

عبق الشرق

تحمل أغاني بن كريّم، عبق الشرق والروح المغاربية في خلفية أنغامها الموسيقية السريعة وشكلها المعاصر، ومنذ ألبوم "باسمي" (A mon nom) كان لموسيقاها وكلماتها بصمة مميزة. فكيف رسمت هذا الخطّ؟ 

تقول في مقابلة مع "الشرق": "دخلتُ عالم الموسيقى بطريقة فطرية، فلم أدرس ألف باءها في معهد أو جامعة، لذلك في غنائي شيء من العذرية. درست الأدب الفرنسي ولكني كنت مولعة بالمسرح الذي خضعت لورشات عمل في منهجيته، ليكون لدي أداة أعبّر فيها عن أعماقي ولأنقل مشاعري الى الآخرين، ففتح المسرح والأدب لي الأبواب". 

بدأت كتابة القصائد بالفرنسية، فهي قارئة نهمة وشغوفة بالشعر والأدب، أما الألحان فجاءت نتيجة "متابعاتي الموسيقية العالمية وشغفي في التأليف الموسيقي وعملي مع منتجين فرنسيين وجزائريين ومغاربة وجّهوني وساهموا في إغناء موسيقاي التي تتداخل فيها أنواع مختلفة". 

أما عن العبق الشرقي المغاربي، فتشير إلى أنه "جزء مني ومن لغتي، فأنا فرنسية تونسية في يومياتي ومتابعتي الموسيقية وثقافتي العامة، وأحرص دائماً أن ألتقي أبناء بلدي وأن أتابع المشهد الموسيقي المغاربي، والعالمي أيضاً لما له من وقع على عملي ومخيّلتي". 

وتضيف: "هذه الجذور التي يلمسها المستمع في أغانيّ، تعبُر أعمالي مثل روائح في الذاكرة، ومثل علامات مدموغة في هويتي العربية الإفريقية، هي جزء مني ومحفورة في ثقافتي، فأنا لا أستدعيها أو أقصد أن أبرزها، بل هي موجودة بشكل فطري وتتفاعل مع ثقافتي الفرنسية والثقافات الأخرى". 

وتعتبر بن كريّم أن "الفن، والموسيقى تحديداً، هو المكان الأفضل حيث يمكننا ألا نؤطر هويّتنا وألا نختار بين هوية أو أخرى، بل ندمج الثقافات ونصهرها ونجعلها تتعايش مع بعضها البعض، وذلك بتشبعيها مشاعر الحنان والرقة لتحاكي أرواح كل إنسان على وجه الأرض".

إبداع بعيد عن المعارك

كتبَت بن كريّم أغاني فلسفية وسياسية واجتماعية تحمل كثيراً من العاطفة والسخرية في آنٍ واحد، مع أنها تنتمي إلى اللون الشعبي "البوب" والهيب هوب والفولك.

تقول: "موسيقاي شعبية لكنها ليست تجارية، وُجدت لتكون في خدمة العاطفة والعطاء والحقيقة، ولست مهمته أن تمرّ مرور الكرام عبر الراديو والسلام، لذلك أنا أهتم كثيراً بعمق الكلمات بما أنني أؤمن أن الفنان يجب أن يكون مشغولاً بالقضايا الإنسانية ويعطي رأيه ويقدم رؤيته، فالطريق أمامنا طويلة لتحقيق العدالة والحرية والمساواة".

ومن جهة أخرى، ترى أنه "بعد انشغال العالم بمعارك سياسية كبرى وحامية في أواخر القرن العشرين، حان الوقت لنقاش قضايا الفرد وحتى موضوع النسوية والحديث عن مشاعر المرأة والتناقضات التي تعيشها، كما تناولتُها مثلاً في أغنية (9 شهور - 9 MOIS) التي تتحدث عن الأمومة والولادة والألم والتهميش الذي تتعرض له المرأة".

وتشرح أن "هذه القضية النسوية طرحتُها بفيض من المشاعر ومن وجهة نظر حميمية، كما أحب أن أطرح القضايا عادة حتى المتعلقة بالهوية أو الحرية". 

"أنسنة البشر"

وعن إمكانية مساهمة الفن في تحرير الإنسان وانفتاحه، تؤكد بن كريّم: "الفن يؤنسن الأشخاص ويجعلهم أكثر مرونة ويسمح في توسيع الأفق لمفهومنا للحياة كما يحرّكنا من الداخل، فالفن لديه سلطة وقوة وتأثير على البشر".

وعما إذا عنوان ألبومها "خلاص" الصادر أواخر سبتمبر الماضي، ينطلق من هذه المسؤولية، تشرح بن كريّم أن "مفهوم الخلاص هنا يشمل كثيراً من الأمور: إنه تحرر وتحرير". 

وتفيد بأنها من خلال هذا الألبوم حرّرت نفسها من التوقعات، مقدمة عملاً يجمع بين هويات موسيقية مختلفة، ويتناول حالات إنسانية وأمور بسيطة وعميقة من ناحية حميمية تهمّ كل إنسان، فهو ألبوم يلقي نظرة على العالم 

صمود بيروت

وعن أغنية "لا بأس" التي صوّرتها في بيروت قبيل انفجار 4 أغسطس، تقول بن كريّم إن الأغنية التي تختتم ألبوم (خلاص)، تتناول فكرة الصمود، أي القوة التي يجدها المرء بعد محنة أو تراجيديا مرّ بها، قد تكون محنة شخصية (حادث أو مرض) أو جماعية (حرب أو هجوم أو انفجار). 

وتضيف: "تطرح الأغنية فكرة التعامل مع المحن والدراما التي قد تدمر كل شيء في وقت قصير، كما "ُثمّن الأغنية فرصة النجاة من كل ما تمرّ به بلداننا العربية من أزمات، وأيضاً فرنسا وغيرها من الدول مع العمليات الإرهابية، وهي تطرح المواجهة بين الموت والإصرار على الحياة، بين القوة والضعف".

وتقول: "الأغنية تلخص الروح العربية الصامدة التي تكافح رغم الهزائم والمرارات والانكسارات.. ولبنان وبيروت هي بالنسبة لي مثال قوي على الصمود في وجه الحروب والفساد.. لبنان يلمسّني بسبب تاريخه الذي أسيء له، وشعبه الذي لا ييأس، لذلك صوّرت أغنية (لا بأس) بين جدرانه الفوضوية وروحه الجميلة. كان من المهم بالنسبة لي أن أنهي الألبوم بهذه النظرة للحياة، نظرة فيها أمل".