يشهد المشهد الدرامي اللبناني لموسم شهر رمضان 2021، تراجعاً ملحوظاً مقارنة بالأعوام الماضية، إذ تُشارك مؤسسات الإنتاج بـ13 مسلسلاً هذا العام، بعضها مؤجل من العام الماضي.
وتواصل المسلسلات التصوير في ظل أزمة فيروس كورونا، والإقفال العام، وانهيار الوضع الاقتصادي في البلاد وقطع الطرقات جراء الاحتجاجات الشعبية.
وقال المنتج مفيد الرفاعي لـ"الشرق" إن الجائحة "ليست السبب الوحيد في تراجع تلك الصناعة التي تدخل أكثر من 100 مليون دولار سنوياً". وأشار إلى أن "هناك أزمة اقتصادية وتراجعاً في السوق الإنتاجية والمادية مع ارتفاع سعر صرف الدولار وحجز المصارف على أموال المودعين وانهيار الليرة اللبنانية وعدم الاستقرار الأمني".
المنصات الرقمية
المنتج إياد الخزوز قال لـ"الشرق"، إن انتشار فيروس كورونا "أسهم في تزايد أعداد مشتركي منصات البث الرقمي، مثل نتفليكس، وشاهد وغيرها". ورأى أن "النمو المتسارع لتلك المنصات خدم انفتاحها على سوق الإنتاج الدرامي العربي كله، وزاد حاجتها ورفع مستوى المنافسة في ما بينها لشراء وإنتاج أعمال جديدة تعرض على مدار العام".
وأشار الخزوز إلى أن المنصات "لن تحل محل التلفزيون أو تلغيه، لكن نمط المشاهدة هو الذي سيتغير، إذ سيكون أمام المشاهد مزيد من الخيارات لمتابعة الأعمال الرمضانية الأكثر أهمية على الشاشة الصغيرة، ويؤجل البعض الآخر لمشاهدته لاحقاً عبر مختلف المنصات على مدار العام".
معايير عالية
الخزوز اعتبر أن تراجع الأعمال الدرامية في رمضان هذا العام، يأتي "بسبب تعرضها لعملية فرز وغربلة في ظل التطور الذي تشهده الصناعة حالياً"، مذكراً بـ"قدرة منصات العرض على فرض معايير جودة عالية لا يمكن لجميع الجهات الإنتاجية الالتزام به".
ولفت المنتج والمخرج الأردني إلى انسحاب بعض الشركات من السباق "لعدم قدرتها الفنية والمالية على تلبية حاجات السوق الحديثة"، موضحاً أن "الأعمال الدرامية توزعت بالمجمل في رمضان 2021 بين القنوات التلفزيونية المفتوحة والمنصات الرقمية، إذ صار عدد الوسائل العارضة ضعف ما كان في السابق".
ولفت الخزوز إلى أن "التخبط الذي يشهده لبنان حالياً، يعود إلى غياب الرؤية والوضوح والقوانين"، لا سيما في ظل أزمة كورونا، مستحضراً تجربته في أبوظبي، قائلاً: "في شركتنا التي تتخذ من أبوظبي مقراً لها نحو 100 موظف تلقوا جميعاً لقاح كورونا أواخر العام الماضي، وكل أسبوع نجري فحوصاً للموظفين، وبالتالي لم نضطر لإيقاف عملنا أو الذهاب إلى بلد آخر من أجل التصوير، بل على العكس نقلنا مواقع التصوير من سوريا ولبنان إلى دولة الإمارات".
"معاناة التلفزيون المحلي"
المنتج صادق الصباح، عزا انخفاض عدد الأعمال المشاركة في موسم دراما رمضان المقبل إلى "معاناة التلفزيون المحلي، إذ يواجه تراجعاً كبيراً في حجم الإعلانات، التي كانت تسهم بشكل أو بآخر في دعم قطاع الإنتاج الدرامي".
وقال الصباح لـ"الشرق" إنه "ليس ضرورياً أن يستمر السباق الرمضاني بالوتيرة ذاتها التي كان عليها سابقاً". وأضاف: "بالنسبة إلينا، ندخل السباق الرمضاني عادة بنحو 3 مسلسلات، لكن هذا العام قررنا أن نوزع أعمالنا الضخمة على مدار السنة، ما سيعود علينا بمردود مادي جيد، ويمكننا من الانفتاح على وسائل جديدة وجمهور متنوع".
وأفاد المنتج اللبناني بأن شركته تشارك في رمضان هذا العام، بمسلسل "2020" الذي كان من المفترض عرضه في رمضان الماضي، إضافة الى مسلسلي "لحم غزال" و"ملوك الجدعنة"، لافتاً إلى اتفاقه مع تلفزيون "إم بي سي" ومنصة "شاهد"، الخاص بإرجاء موعد عرض مسلسل "الهيبة 5" إلى أكتوبر المقبل، بينما يُعرض مسلسل "شتي يا بيروت"، نهاية العام الجاري.
العرض التلفزيوني مستمر
واعتبر صادق الصباح أن المنصات الرقمية "لن تهدد مستقبل التلفزيون"، لافتاً إلى الجدل الذي أثير نهاية سبعينيات القرن الماضي. وقال: "عندما ظهر الفيديو كاسيت (VHS)، أصبح الناس يتساءلون هل سيقتل السينما، ثم بعد ذلك هل سيحل الـDVD مكان العرض التلفزيوني؟".
الصباح رأى أن "كل منصة لها مساحتها وحظوظها في الانتشار"، سواء العرض التلفزيوني الكلاسيكي أو على المنصات الرقمية أو منصات الفيديو، مشيراً إلى أن "أي وسيلة جديدة قد تظهر بعد حين أمر متوقع، لن تقتل أي وسيلة الأخرى".
وقال الصباح: "لا يمكن التخلي عن الموضة القديمة أو المسلسلات ذات الثلاثين والستين حلقة، خصوصاً أن لها جماهيرية واسعة". وتابع: "نحن منفتحون على كل وسائل العرض ومختلف أنواع الدراما العربية، سواء على مستوى لبنان أو الملكة العربية السعودية أو مصر أو المغرب".
مصدر للعملة
المنتج نديم مهنا، اعتبر أن صناع الدراما في لبنان "لا يمكنهم هجر قنوات التلفزيون المحلية، أو الانقطاع عنها، خصوصاً وأنها تعد المتنفس لغالبية اللبنانيين". وقال: "نحن نعول على المنصات الرقمية لأنها المستقبل، ولأن أرباحها ورأسمالها غير مرتبط بالإعلانات، ومن ثم لديها حرية أكبر في النمو والإنتاج لكونها تتأثر بالركود الاقتصادي العالمي الناتج عن كورونا".
وأضاف مهنا الذي ينافس هذا العام بمسلسل "راحوا" مع كارين رزق الله وبديع أبوشقرا، أن "المنصات تدفع للمنتج اللبناني بالعملة الأجنبية التي أصبحت مفقودة في لبنان، وهي ضمانة لنا لنستطيع الاستمرار وتقديم مادة درامية للتلفزيون".
وأشار مهنا إلى أن وضع شركات الإنتاج اللبنانية "ليس بخير"، لافتاً إلى أنه كان في لبنان 20 شركة إنتاج، تقلص عددها حالياً إلى 6 فقط، وذلك بعد انسحاب العديد منها إلى دول أخرى، حيث فتحت مكاتب جديدة لها أو عقدت شراكات مع مؤسسات عربية في السعودية، ومصر، والمغرب والإمارات.