فيلم Five Nights at Freddy’s.. لغز الشعبية الطاغية

الملصق الدعائي لفيلم Five Nights at Freddy's - facebook/FNAFMovie
الملصق الدعائي لفيلم Five Nights at Freddy's - facebook/FNAFMovie
القاهرة-عصام زكريا*

في عالم يزداد صعوبة على الفهم كل يوم، لم يعد الكبار (ممن تجاوزا الخمسين) يتعرفون عليه، فيُمكن لفيلم مثل Five Nights at Freddy’s أن يتصدر شباك التذاكر، ويحقق كل هذه الإيرادات (التي تجاوزت 200 مليون دولار حتى الآن).

هذا فيلم لعبة مأخوذ عن لعبة فيديو، صنعها شاب اسمه سكوت كوثون في 2013، بهدف التسلية وإبهاج الأطفال ففشلت، فحولها صاحبها إلى لعبة مرعبة فنجحت، فصنع منها سلسلة تحولت إلى ظاهرة، ثم إلى لعب أطفال، فسلسلة روايات، ففيلم يحقق أعلى الإيرادات (بالنسبة لفيلم رعب) من المتوقع أن يصبح بداية لسلسلة أفلام.

رعب يساوي الملايين

إذا كان لديك أطفال صغار، فلا بد أنك لاحظت هوسهم بألعاب الرعب، كان هناك لعبة اسمها Huggy Wuggy لدمية زرقاء ذات أسنان مرعبة، تحولت إلى ظاهرة، وأضيف إليها شخصيات أكثر قبحاً ورعباً، بعدها ظهرت لعبة لبني آدمين على هيئة تواليت اسمها Skibidi Toilet، تحولت لظاهرة وصُنع منها "تواليتات" أكثر قبحاً ودموية، وبالطبع تحولت شخصيات كل منهم إلى دمى وألعاب، والملايين من الدولارات تدخل جيوب مخترعوها كل يوم، وأشكالها المخيفة تدخل عقول ملايين الأطفال كل يوم.

ولا أحد يفهم ما يحدث، لكن الكثير يحلمون باستغلاله، ويتبارون في صُنع أشكال أكثر رعباً وإثارة للقرف، وبما أن المال هو المعيار الوحيد للنجاح، فلا أحد يتوقف ليتساءل عن معنى وجدوى وتأثير ما يحدث.

فيلم رعب نسوي!

يستلهم Five Nights at Freddy’s الفكرة الأساسية للعبة التي تدور حول بعض الدمى الإلكترونية، لحيوانات منها الدب والثعلب والأرنب والدجاجة، تستخدم لتسلية الأطفال في مطعم بيتزا، تدب فيها الحياة ليلاً لتطارد حارس المكان (حيث يلعب الطفل غالباً دور الحارس الذي ينبغي عليه أن يقضي على هذه الدمى المرعبة، ويدور حول شاب يعاني من مشاكل نفسية بسبب اختطاف أخيه عندما كان صغيراً، يقرأ كتباً عن الأحلام، ويحاول البحث في أحلامه عن مفتاح يقوده إلى الخاطف، يضطر للعمل في الليل كحارس للمطعم المهجور الذي يخفي بين جوانبه سر ما حدث لأخيه، والحقيقة أن الفيلم نجح في تحويل الخط البسيط للعبة إلى عمل درامي يحوي العديد من المشاعر والمعاني.

من الطريف أيضاً، أن Five Nights at Freddy’s أخرجته (والمشاركة في كتابته مع المؤلف الأصلي للعبة)، مخرجة شابة هي إيما تامي، ولعلها أول امرأة تُنفذ فيلم رعب تجارياً، ويبدو أنها كانت من الأطفال الذين أحبوا اللعبة صغاراً، وعلى ما يبدو أيضاً فهي التي بثت في سيناريو الفيلم روحاً ومعنى نسوياً من خلال شخصية ضابطة البوليس الشابة التي يتبين أن والدها هو المجرم الشرير، وتواجهه في النهاية في مشهد يبين طبيعة الأب القاتل والمغتصب لأبنائه وبناته، وبهذا الفيلم تكون إيما تامي ثاني امرأة تحقق نجاحاً مدوياً في 2023 بعد جريتا جيرويج صاحبة فيلم Barbie الذي حقق أعلى إيرادات العام.

رغم أنف النقد

على موقع Rotten Tomatoes المخصص لجمع المقالات النقدية عن الأفلام، ستجد أن Five Nights at Freddy’s لم يحظَ إلا بنسبة 29% من رضا النقاد، لكنه حظي بنسبة 88% من رضا الجمهور، أما على موقع metacritic فلم تختلف النسبة كثيراً، فكانت 33% من رضا النقاد، مقابل 80% من رضا الجمهور.

ما الذي يخبرنا به هذا الانقسام الحاد بين رأي الجمهور والنقاد؟ أشياء كثيرة ربما، لكن المؤكد منها أن هناك انقساماً حاداً في الذوق بين النقاد الذين تجاوز معظمهم الثلاثين، وجمهور الفيلم الذين لم يتجاوز معظمهم العشرين.

لقد حرص صُنّاع الفيلم على أن يصلح فيلمهم لأصغر سن ممكن رقابياً، وبالفعل نجحوا في تخفيض تصنيف الفيلم من فوق 15 إلى فوق 13 عاماً، وهو تصنيف نادراً ما يحصل عليه فيلم رعب، ولو أن "فريدي" صُنع منذ 20 أو 30 عاماً، فإن تصنيفه لم يكن سيقل عن فوق 15 عاماً بأية حال.

وبالفعل تم تصنيف الفيلم في بعض البلاد مثل مصر لفوق 16 عاماً، ومع ذلك لا تندهش إذا رأيت بعض الأطفال في سن الـ13 أو أقل يتعاملون معه باعتباره فيلماً كوميدياً.

بين الحيوانات

من الغريب، كما ذكرت أن "فريدي" بدأت كلعبة عائلية تضم بعض الدمى الإلكترونية المضحكة، ولكن ردود كثير من الأطفال رأوا أن هذه الدمى مخيفة عوضاً عن أن تكون مضحكة، والنقاد المتخصصون في الفيديو جيم انتقدوا النموذج الأول للعبة، مما دفع مخترعها إلى تحويلها للعبة مرعبة بالفعل، وهنا لاقت اللعبة نجاحاً هائلاً، وهو ما يضعنا أمام موقف غريب للغاية: عندما كان الهدف من الدمى إضحاك الأطفال خافوا منها، وعندما أصبح الهدف منها إرعابهم أحبوها واختلطت صرخاتهم بالضحك، أين علماء النفس ليفسروا لنا هذه الظاهرة؟.

على أي حال، كان مؤسس علم التحليل النفسي سيجموند فرويد هو من قال إن: دمى الحيوانات وكوابيس الأطفال التي تحتوي على حيوانات عملاقة إنما تشير إلى خوفهم من الآباء والأمهات، ويحمل غلاف كتاب "نظرية الأحلام" الذي يقرأه بطل الفيلم صورة متاهة، أما "لوجو" دار النشر، فعلى هيئة أرنب، والأرنب في الفيلم هو الهيئة التي يتنكر عليها القاتل، أما الأرنب في التراث الشعبي والأحلام، فعادة ما يكون رمزاً للخصوبة والجنس، وهو ما يشدد على المعنى الضمني المخفي لطبيعة الخوف الذي يعزف عليه الفيلم، وهو الخوف من الأب القاتل والمغتصب.

ربما يكون Five nights at Freddy’s متوسطاً أو متواضعاً فنياً، وقد يكون أبسط من أن يحمله الناقد على محمل الجد، ولكن الحقيقة أن نجاحه (ونجاح الفيديو جيم وتوابعه من كتب وألعاب بشكلٍ عام)، لا يمكن أن يكون صدفة أو شيئاً قادماً من الفراغ، فخلف هذه الشعبية، وخلف هذا الخوف، أسباب مهمة وذات دلالة بالتأكيد، من بين هذه الأسباب قد يكون التفسير الفرويدي لأحلام الحيوانات، وقد يكون علاقتنا بالصور التي يشير إليها الفيلم أكثر من مرة: فالأطفال قبل أن يتعلموا ويتقنوا اللغة يفهمون العالم، ويعبرون عنه من خلال الصور، وهم يعبرون عن فهمهم ومحاولاتهم هذه من خلال رسوماتهم التي قد تبدو ساذجة مثل الفيلم، ولكن حين نحللها قد نكتشف أشياء عميقة ومخيفة.

* ناقد فني

تصنيفات

قصص قد تهمك