هل يتمكن الذكاء الاصطناعي من صناعة الترفيه في 2024؟

صورة توضيحية تم التقاطها لشعار الذكاء الاصطناعي (AI)، هلسنكي، في 12 يونيو 2023. - AFP
صورة توضيحية تم التقاطها لشعار الذكاء الاصطناعي (AI)، هلسنكي، في 12 يونيو 2023. - AFP
القاهرة -خيري الكمار

مخاوف كبيرة تُطارد العاملين في صناعة الفن والترفيه بالعالم كله، في ظل التطور الهائل التي تشهده تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وتهديدها للعنصر البشري، ما يخلق حالة عداء اتجاهها نوعاً ما، إذ يعتقد البعض، لاسيما الكُتّاب والممثلون، أنه من المحتمل الاستغناء عنهم، واستبدالهم بفضل هذه التقنية.

ورغم أن صناعة الفن، تعتمد عموماً على أفكار وإبداعات العنصر البشري، إلا أن اتجاه بعض صانعيها في أميركا وبعض الدول الأوروبية، لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الترفيه، أثار حالة جدلية ما بين مؤيد ومعارض حول الاعتماد عليها في المستقبل القريب بشكلٍ أوسع.

ويُعد إضراب عشرات الآلاف من الكُتاب في هوليوود، يونيو 2023، هو أكبر حراك عمالي حدث في العقود الأخيرة، فقد كشفوا وقتها عن مخاوفهم من تأثير الذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية، واستخدامه في المهنة لإنتاج محتوى، ما يهدد بأخذ الأدوار التي يؤديها الكتّاب والممثلون، لذا طالبوا بضرورة حمايتهم في حقبة تتسم بالتغيرات المتسارعة في صناعة الترفيه.

كما ألمح نجوم أميركيون، في تصريحاتهم إلى تخوفهم من استخدام التقنية في تقديم صورهم في أعمال لا يشاركون فيها بالفعل، وهو الأمر الذي أشارت إليه نقابة "SAG-AFTRA" مؤخراً، وقالت إنّ: "قدرة الذكاء الاصطناعي على تقليد هذه التعبيرات الإبداعية، أثبتت بالفعل أنها تشكل تهديداً حقيقياً ووشيكاً لعمل أعضائنا".

ولفتت إلى مساعيها لحماية منتسبيها من استخدام أشكالهم أو أصواتهم أو أدائهم، من دون موافقتهم أو حصولهم على مقابل مادي.

خارج المنطق

المخرج الكندي جيمس كاميرون، صاحب أفلام Avatar و Titanic وغيرها، قال إنه سيتعامل مع مخاوف البعض من استخدام الذكاء الاصطناعي في الترفيه بجدية، حال حصول تلك الروبوتات، على جائزة الأوسكار في فئة السيناريو، يوماً ما.

وقال كاميرون، في تصريحات تلفزيونية، إنه لا يرى خطراً على صناعة السينما كأحد مجالات الذكاء الاصطناعي، خاصة فيما يتعلق بالكتابة، لذا استبعد قدرتها على كتابة سيناريو مميز، يتضمن إبداعاً وخيالاً، حيث إن المؤلف يعتمد في كتاباته على المشاعر الذي عاشها من خلال التجارب الإنسانية المختلفة الذي مرّ بها، وهو ما لا يتوافر في الروبوتات.

وفي شهر أكتوبر الماضي، حذر الفنان الأميركي توم هانكس، متابعيه عبر "انستجرام" من الانجراف وراء إعلان طبي زائف، يظهر فيه، مؤكداً أنه لم يشارك في هذا الإعلان من الأساس، وصُنع بالذكاء الاصطناعي.

وجاء ذلك، بعدما سبق وأعلن إمكانية تقديم أعمال بصورته حتى بعد وفاته عن طريق الذكاء الاصطناعي.

وفي مجال الغناء طرحت فرقة البيتلز البريطانية، أغنية جديدة بعنوان Now and Then، كان قد سجّلها جون لينون (1940 - 1980)، حيث جرى الاستعانة بتقنية الذكاء الاصطناعي، لتجمع تلك الأغنية أعضاء الفرقة مُجدداً، بعد أكثر من 53 عاماً على انفصالهم.

وتتيح بعض البرامج التي تستخدم في هذا المجال، تقديم أعمال فنية بشكل كامل، بداية من كتابة النص واختيار الممثلين وأماكن التصوير، والمونتاج، والموسيقى التصويرية وغيرها.

تجارب بدائية

الساحة الغنائية والدرامية في الوطن العربي، شهدت جدلاً واسعاً خلال الشهور الماضية، بعد دخول تقنية الذكاء الاصطناعي في الترفيه، في مجال صناعة الأغاني، إذ ظهرت محاولات عشوائية وغير احترافية مؤخراً لإحياء أصوات بعض المطربين الراحلين، وتنفيذ أعمال بأصوات مطربين آخرين، دون وجود أطر وضوابط تنظم تلك المسألة.

ورأى البعض أن تلك التقنية قد تشكل ناقوس خطر على الأغنية العربية، وبمثابة تعدّ على حقوق الملكية الفكرية، علاوة على تشويه صورة ومكانة المطربين الراحلين وتُهدر التراث، وقد تقضي على الهوية الغنائية، فيما طالب آخرون بضرورة تشريع قوانين تنظم الأمر.

ويُعتبر عبد الحليم حافظ وأم كلثوم، أكثر المطربين الراحلين، جذباً لصُنّاع الأغاني بواسطة الذكاء الاصطناعي، حيث جرت محاولات بدائية مؤخراً لإحياء صوتهما في أغانٍ معاصرة، منها أعمال لحمزة نمرة، ومؤدي المهرجانات الشعبية عصام صاصا، وكذلك "مخصماك" للمطربة نوال عبد الشافي، و"اختياراتي" للأحمد سعد، إلا أن هذه التجارب لم تلقَ انتشاراً وقتها، والبعض اعتبرها "سيئة ومبتذلة".

وفي يونيو الماضي، طُرح على منصات التواصل الاجتماعي، أغنية بعنوان "يالا"، وأعتقد وقتها قطاعاً كبير من الجمهور، أنها أغنية جديدة لعمرو دياب، قبل أن يدركوا بعضها بأنها نُفذت بالذكاء الاصطناعي.

كما كشف الفنان عمرو مصطفى، عن إطلاق مشروع غنائي جديد، مستغلاً فوائد الذكاء الاصطناعي في الفن، حيث يعتزم إطلاق مشروع لإحياء التراث الغنائي عن طريق هذه التقنية، وإقامة مسابقة بين نجوم زمن الفن الجميل، يظهر خلالها أهم المطربين والمطربات، وهم يقدمون أغنيات جديدة بالتكنولوجيا الحديثة.

كما أكد أنه يواصل حالياً العمل على تجهيز مطرب بالذكاء الاصطناعي، ليُغني مجموعة أغنيات من ألحانه، خلال الفترة المقبلة.

وقبل عامٍ تقريباً، جرى الإعلان عن الانتهاء من تصوير أول مسلسل عربي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في عدة مراحل من تنفيذه وأحداثه، وهو المسلسل السوري "البوابات السبع"، بطولة سلاف فواخرجي، وغسان مسعود، وجهاد سعد، والعمل تأليف وإخراج محمد عبد العزيز.

وتدور أحداث المسلسل، في إطار يعتمد علي الخيال العلمي من خلال فكرة السفر عبر الزمن، ومقرر عرضه على إحدى المنصات العالمية خلال الفترة المقبلة.

"عبث وتشويه"

محمد شبانة، ابن شقيق الفنان الراحل عبد الحليم حافظ، رفض استخدام إحياء صوت "العندليب" بتقنية الذكاء الاصطناعي، لاسيما وأن التجارب التي نُشرت مؤخراً كانت بدائية وبعيدة تماماً عن الصوت الأصلي، معتبراً ذلك "يُسيء ويُشوه اسم وتاريخ عبد الحليم".

وحذر من استغلال صوت العندليب، بتلك التقنية، منعاً لاتخاذ  الإجراءات القانونية اللازمة، التي تضمن الحفاظ على تاريخ "العندليب" من العبث.

ووصف المنتج محسن جابر، استخدام الذكاء الاصطناعي في الغناء، بـ"العبث، ويُشوه صورة وتاريخ كبار المطربين، وعبارة عن استنساخ لأصواتهم وتجريدها من المشاعر والأحاسيس، علاوة على أنه يُعتبر تعدٍّ على الحقوق الأدبية أيضاً".

وأشار جابر، لـ"الشرق"، إلى موقفه الأخير، عندما جرت محاولات لاستنساخ صوت أم كلثوم، في أغنية جديدة قبل شهور، إذ تصدى لهذا الأمر، وكاد أن يتخذ الإجراءات القانونية، قبل أن يتراجع صاحب الفكرة عن مشروعه.

وشدد على ضرورة اتخاذ إجراءات رادعة لمنع العبث بتاريخ ومكانة كبار الفنانين الراحلين من خلال هذه التقنية، اقتداءً بموقف كبرى شركات إنتاج الموسيقى حول العالم، وتصديها لهذا الأمر، بما يضمن الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية.

ومن جانبها، رأت المنتجة أميرة محروس، المُشرفة على شركة "فري ميوزيك" للإنتاج الموسيقي، أنّ "استخدام الذكاء الاصطناعي في هذه الصناعة، مجرد ظاهرة مصيرها الفشل، كونها تفتقد تماماً للإحساس".

وأضافت محروس، لـ"الشرق"، أنّ: "هذه التقنية لن تأخذ مساحتها في الانتشار بالوطن العربي، وصُنّاع الأغنية سيتصدون لها بكل قوة، كونها تنتهك الملكية الفكرية، كما أن الجمهور لم يتفاعل مع الأغاني التي نُفذت بالذكاء الاصطناعي مؤخراً".

"مخطط عالمي"

الناقدة الموسيقية ياسمين فراج، أبدت مخاوفها الشديدة من انتشار الذكاء الاصطناعي، والاعتماد عليه في عالم التمثيل والغناء بشكلٍ مكثف،  قائلة لـ"الشرق"، إنّ: "ذلك قد يؤدي إلى غلق معاهد وكليات الموسيقى، وأكاديميات الفنون وورش التمثيل وغيرها، فسيتم القضاء على الكثير من المجالات".

ورأت أن "التكنولوجيا الجديدة، عبارة عن مخطط عالمي يهدف إلى تعزيز نفوذ الإنسان الآلي على العنصر البشري".

وأكدت أن "استخدام الذكاء الاصطناعي في صناعة الموسيقى، أحدث أضراراً بالغة للغاية، كون البعض جعلها تؤلف مقطوعات موسيقية ذات مواصفات معينة، وتُوضع على أصوات مستنسخة لبعض المطربين"، لافتة إلى ظهور بعض التجارب الغنائية مؤخراً التي حاولت التقرب لصوت شيرين، وأصالة وأنغام وغيرهن.

وتابعت أن "الجمهور قد ينخدع في البعض، ويعتقد أن هذه الأصوات حقيقية، لكن سرعان ما يُدرك الحقيقة، لاسيما وأن بصمة الصوت لها خصوصية شديدة". 

"قادم لا محالة"

المخرج عمر عبد العزيز، رئيس اتحاد النقابات الفنية، يعتقد أن "الذكاء الاصطناعي لن يدخل صناعة السينما العربية بالمستقبل القريب، وقد يحتاج مزيداً من الوقت، مع تتابع الأجيال القادمة، وبالتزامن مع اعتياد الجمهور عليها، وبالتأكيد سيتحقق ذلك لا محالة".

وقال رئيس النقابات الفنية، لـ"الشرق"، إنّ: "فكرة الاستغناء عن الممثلين، واستبدالهم بهذه التقنية، أمر لا يمكن حدوثه، لأن العنصر البشري جزءاً من العملية الفنية، كما أن علاقة الممثل بالجمهور ليست مقتصرة على المُشاهدة فحسب، بل تمتد للتفاعل المباشر معه، فتركيبة الجمهور العربي مختلفة تماماً عن الغرب".

ولفت إلى ضرورة التحاق المخرجين وصُنّاع الفن، في ورش تدريبية حول استخدام هذه التقنية، واكتساب مهارة تكنولوجية جديدة.

أما المخرج ياسر سامي، قال لـ"الشرق"، إنّ: "الذكاء الاصطناعي لم يدخل بقوة في صناعة السينما حتى الآن، ويقتصر استخدامه حالياً في المؤثرات الصوتية والمونتاج فقط، ومن الوارد أن يتطور الأمر بشكلٍ أوسع وأشمل، ويدخل في عملية البحث وكتابة السيناريوهات وغيرها".

أما عن فكرة الاستغناء عن الممثلين واستبدالهم بتقنية الذكاء الاصطناعي، أشار إلى أن هذه التقنية موجودة منذ سنوات عديدة، واستُخدمت في فيلم The Terminator بطولة آرنولد شوارزنيجر، إنتاج عام 1984.

قوانين منظمة

الناقدة ماجدة موريس، طالبت عبر "الشرق" بضرورة تشريع قوانين تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي في الترفيه، باعتباره تكنولوجيا سيُجرى الاعتماد عليها، وليس ظاهرة تندثر مع الوقت، كما يزعم البعض.

وأشارت إلى حجم الآثار السلبية التي قد يخلفها الذكاء الاصطناعي، لعل أبرزها الاحتيال، مثل وضع أغنية على صوت مطرب آخر دون إذن صاحبها، وذلك علاوة على افتقادها الأحاسيس والمشاعر أساساً".

كما شدد الناقد طارق الشناوي، هو الآخر، على ضرورة تشريع قوانين، للحد من فوضى استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي، الحاصلة في الوقت الحالي، خاصة وأنه سيشهد مزيداً من التطور بمرور الوقت، قائلاً لـ"الشرق": "قد تُكتب قصة اليوم بقلم الراحل نجيب محفوظ، وبنفس طريقته ومفرداته، لكن بالطبع سيغيب عنها روحه وبصمته".

وعن مصير "الملكية الفكرية" في ظل انتشار هذه التكنولوجيا، قال المحامي حسام لطفي، لـ"الشرق": "سنواجه مشاكل بالتأكيد بالتزامن مع انتشار تقنية الذكاء الاصطناعي في المستقبل".

ورأى أن "التقنية الجديدة ستُساعد أصحاب الخبرات القليلة، في تحقيق آمالهم وأحلامهم على نحو زائف، لذلك العالم كله يعتبر الأفكار الإبداعية المصنوعة عن طريق الذكاء الاصطناعي، ناقصة مهما كان، وتكون أقصى مدة حماية لها 12 سنة فقط".

تصنيفات

قصص قد تهمك