يُدهش من يرى الممثلة "الأوسكاريّة" أليسون جاني في فيلم I Tonya، إخراج كريج جيليسپي، ويكفي مشهد المناكفة بينها وبين مدرّبة الرقص على الجليد، ليُدرك المُشاهد في الحال مقدرة هذه الممثلة الستّينيّة، صاحبة الـ64 عاماً، على إنجاز أداء كثيف وعميق بقدرٍ قليل من الإيماءات، وفي مساحة حركة ضيّقة.
ليس عجباً في أنها فازت عن ذلك، بأوسكار أفضل ممثلة مساعدة في عام 2018، وستزداد دهشة المُشاهد، وهو يراها تتواجه مع دور عميلة المخابرات المركزية الأميركية المنشقّة "لُوو"، بأداءٍ عنيفٍ، متحرّك، متحوّل، وفي مساحة واسعة هي الجزيرة التي التجأت إليه هرباً من براثن زملائها السابقين.
لكن من هي "لُوو"، ولماذا تُلاحق CIA عميلتها السابقة في إيران بهدف تصفيتها؟، وما الذي بحوزتها من وثائق سريّة تفضح تورّط الوكالة الأميركية في الانقلاب ضد حكومة الدكتور محمد مُصدّق في طهران، عام 1953؟
وما الذي بحوزتها أيضاً من وثائق مسروقة تفضح تورّط إدارة رونالد ريجان في فضيحة إيران - كونترا؟، وهل ستكشف CIA عن تفاصيل تلك الفضيحة، كما فعلت مع ملف التوّرط في الانقلاب ضد حكومة الدكتور محمّد مُصدّق؟.
الجواب على هذه الأسئلة وغيرها، سنحصل عليه من خلال فيلم Lou إنتاج 2022، والمعروض على منصة نتفليكس، من إخراج الأميركية -ألمانية الأصول- آنا فورستر، التي سبق أن عملت مع المخرج الأميركي رونالد إيميرتش، في جميع أفلامه منذ Independence Day، ما عدا The Patriot.
"لُوو" هي امرأة تجاوزت سنّ الكهولة، وإلى جوارها في الفيلم ثمةَ "هانّا"، وهي أُمٌّ قاربت الثلاثين وابنتها "ڤيي" صبيّة في الثامنة من عمرها، وثمةَ أيضاً "فيليب" عسكري سابق ومدرّب تدريباً عالياً، هو رجل غامض وضع مُخطّطاً إجرامياً برفقة اثنين من رفاق السلاح الشرسين.
4 أشخاص من أعمارٍ متفاوتة، تقاربت حيواتهم مرّة، وافترقت، لتلتقي مجدداً في جزيرةٍ نائيةٍ مهدّدة بعاصفة هوجاء، وكما الجياد والغزلان التي تلجأُ إلى المرتفعات؛ لأنها انتبهت إلى خطر تسونامي قبل وقوعه، استشعرت "لُوو" خطراً ما، لكنّ شعورها بذلك الخطر ليس بسبب العاصفة الوشيكة، بل بسبب وصول "فيليب" إلى الجزيرة، فذلك الوصول بالنسبة لها، نذيرٌ بكارثةٍ أشدّ هولاً من العاصفة!.
ماتريوشكا أميركية
كُتب نص فيلم Lou بمنطق دُمى الماتريوشكا الروسية، التي لا نهاية لما تحتويها كلٍّ منها، لكنّ الفيلم لا يراوغ المُشاهد لخلق الترقّب والدهشة، بل يُميط اللثام منذ دقائقه الأولى عن علاقات "لوو" مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، التي تلاحقها بسبب حيازتها لوثائق سرية، تؤكد تورّط الوكالة في الانقلاب ضد رئيس الحكومة الإيراني الأسبق محمد مُصدّق، في أغسطس 1953، والذي أعاد شاه إيران إلى السلطة واعترفت CIA بمسؤوليّتها عنه في عام 2013؛
ومن بين الوثائق المختفية أيضاً أُخرى، ذات صلةٍ بفضيحة "إيران -كونترا" إبّان رئاسة رونالد ريجان.
لكن، ورغم الخطر المُحدق بها، فإنّ هذا كلّه ليس السبب الرئيسي في قلق "لوو"، بل هو ما سيكتشفه المُشاهد في آخر الحكاية وانقشاع غمام العاصفة، وعودة النساء الثلاث معاً. "لُوو" عصبيّة المزاج أكثر من المعتاد، ويوحي سلوكها بأنّها تُضمر شيئاً آخر، لقد سحبت كلّ مدخراتها الموجودة في بنك الجزيرة، وأعدّت وصيّةً سنكتشف ما قبل النهاية لصالح من كتبتها.
بدأت تُعدّ نفسها العدة للانتحار، لكنها محاولتها بإطلاق النار على رأسها، تبوءُ بالفشل، ليس جُبناً أو حبّاً في الحياة، بل لأنّ المخاوف التي كانت تنتابها قد تحقّقت، فمع اشتداد العاصفة، يخطف "فيليب" الفتاة الصغيرة "ڤيي"، فتستغيث أمّها بـ"لوو" لملاحقة الخاطف، وتنطلق المرأتان في رحلة بحثٍ تضع قُدراتهما على احتمال الصعاب على المحك، لكنّها تزيد تقاربهما واقتناعهما بالعمل معاً؛ لتحرير الفتاة الصغيرة.
وعندما تتمكّن "لوو" من الانقضاض على شريكَيْ "فيليب" وقتلهما ببراعة وقسوة، تُجبرُ على أن تكشف لـ"هانا" بكونها عميلة سابقة لوكالة المخابرات المركزية، لكنّنا سرعان ما نكتشف بأنّ ذلك ليس سوى جزءاً من الحقيقة.
فبعد الاشتباك الأول مع "فيليب"، والذي تُصاب فيه بجروحٍ بالغة، تكشف "لوو" لـ"هانا" أنها والدة "فيليب"، وقد اضطّرت إلى التخلي عنه خلال أدائها لمهمةٍ سريّةٍ في إيران، وتكشف لها أيضاً أنّها هي التي نظّمت وصول هانا وابنتها إلى هذه الجزيرة النائية لتحصل على مسكن بالقرب من منزلها كي تتمكّن من حمايتها وحماية الابنة الصغيرة.
وقد جعلها انتشار خبر وفاة "فيليب" في حادث تفجير تطمئن وتُعدّ العدّة للانتحار بعد أن ضمنت كل شيء لهانا وابنتها.
بطلةٌ ومنتجة
أليسون جاني، التي شاركت في إنتاج الفيلم أيضاً، تؤدي شخصية "لوو"، وهي امرأةٌ تجاوزت سن الكهولة بأعوام، لكنّ عودها ما يزال صلباً، ويمنحها امتشاق قامتها وقسمات وجهها العصيّة على التفسير هيبة تُخيف الجميع، وتُزيحهم عن طريقها، بمن فيهم شريف البلدة رانكين الذي يؤدّيه الفنان مات كراڤِن.
المشاهد الأخيرة على شاطئ البحر توحي بنهاية "لوو" وابنها "فيليب"، ونرى "هانا" وهي تغادر على متن قاربٍ إلى سياتل وكأنّ كلّ شيء انتهى وأُغلق الملف، لكن ابتسامة الامتنان نحو "لوو" على وجه "هانا" والعينين اللتين تراقبان هانا وفيي عن بُعد توحيان بأن مخطط "لوو" للانتحار لم يُنفّذ، أو ربّما أُرجأَ إلى حينٍ آخر.
لا أعتقد بأنه سيكون هناك جزءاً ثانياً مكمّل لهذا الفيلم، لكن كل الاحتمالات قائمة، وقد تركت آنا فورستر الباب موارباً لاحتمال حدوث ما هو جديد ودخول شخصيات أخرى.