صلاح السعدني.. عمدة الدراما وفارس المسرح

الفنان المصري صلاح السعدني - facebook/ahmed.elsaadany.71
الفنان المصري صلاح السعدني - facebook/ahmed.elsaadany.71
القاهرة -عصام زكريا*

لم يملك صلاح السعدني،  الذي رحل عن عالمنا، الجمعة، عن عمر يتجاوز الثمانين بقليل، حظ وشعبية نجوم السينما، لكنه، مثل يحيى الفخراني ومحمد صبحي وسمير غانم، كان أحد نجوم المسرح والتليفزيون الكبار. 

هذه الظاهرة الغريبة، التي تميز بين الممثلين، بغض النظر عن حجم موهبتهم ومهارتهم، فتجعل من أحدهم نجماً في السينما، أو المسرح، أو التليفزيون، فحسب، بينما تجعل القليلين جداً يلمع في مجالين أو ربما الثلاثة معاً، هي أحد الأسرار المعقدة جداً لطبيعة "الحضور" التمثيلي، وعادة ما تكون نتاجاً لتشابك أسباب عدة، بعضها يتعلق بالممثل نفسه، وبعضها يتعلق بطبيعة كل وسيط.

لكن صلاح السعدني، لمن شاهدوه على المسرح، أو عملوا معه في "كواليس" الدراما التليفزيونية، يعرفون أنه "غول" تمثيل، كما كانوا يطلقون عليه.

شاهدت صلاح السعدني على المسرح لأول مرة في 1986 في المسرحية  السياسية الهجائية "الملك هو الملك"، التي أخرجها مراد منير، وشاركه بطولتها محمد منير، وحسين الشربيني، وعلي حسنين، ولطفي لبيب، وفايزة كمال، وكان قادرا بالفعل على "ابتلاع" المسرح وسط كل هؤلاء النجوم.

ورغم أن معظم الممثلين كانوا يلجأون إلى "الارتجال"، بالخروج على النص و"كسر الإيهام"، (بالحديث على لسان الممثل وليس الشخصية)، إلا أن ارتجال وكسر إيهام صلاح السعدني كان شديد التميز، بفضل تلك الملامح المبتسمة (بخبث طيب)، والنبرة الساخرة (الأجشة) التي يحملها صوته.

هذا الأداء الذي طوره في العام التالي مباشرة، من خلال دوره العظيم في مسلسل "ليالي الحلمية"، وشخصية "العمدة" سليمان الغانم، الثري الريفي، الذي يجمع بين الدهاء والسذاجة، والشراهة والبساطة.

بعد "ليالي الحلمية" تحول صلاح السعدني إلى أحد نجوم التليفزيون المعدودين، خاصة بعد دوره العظيم الآخر في مسلسل "أرابيسك"، الذي حمله منفرداً، على عكس "ليالي الحلمية"، ذا البطولة الجماعية.

ربع قرن تمثيل

ولكن قبل "الملك" و"الحلمية"، كان صلاح السعدني قد قطع شوطاً كبيراً يقترب من ربع قرن من التمثيل، منذ مسرح الجامعة وكلية الزراعة مع عادل إمام، ثم أدواره الكوميدية القصيرة في المسرح، مثل "لوكاندة الفردوس"، 1964، و"السكرتير الفني"، 1966، وأدواره الجادة المأساوية في أفلام مثل "الأرض"، 1970، و"أغنية على الممر"، 1972، وهي أفلام برع من خلالها في تجسيد شخصية الفلاح المصري البسيط، التي أداها مرة ثالثة في "الرصاصة لا تزال في جيبي"، 1974، حيث أصبح تجسيداً لمئات الآلاف من الجنود الريفيين البسطاء الذين خاضوا حربي 1967 و1973.

يحمل صلاح السعدني ملامح وتكوين الفلاح المصري، حيث ولد وعاش طفولته في إحدى قرى الدلتا، ويبدو أن العائلة كانت تحمل موهبة الأداء الكوميدي والفن الساخر في جيناتها، فقد كان الأخ الأكبر، محمود، أحد ألمع الكتاب الساخرين في عصره، وقد ورثا بعض هذه المواهب للجيل الثاني من العائلة، متمثلين في الكاتب الصحفي أكرم السعدني والممثل أحمد صلاح السعدني.

وعلى عكس كثير من محترفي مهنة التمثيل، كان صلاح السعدني يتمتع بثقافة كبيرة، ومواقف وطنية واجتماعية شجاعة، ربما يكون قد دفع ثمنها أحياناً، ولكنها من ناحية ثانية جعلته الممثل المفضل دائماً في الأعمال ذات الطابع السياسي والاجتماعي النقدي، أو ذات الطابع الأدبي الفلسفي، ولعل دوريه في فيلمي "أحلام صغيرة" و "شحاتين ونبلاء" أبرز مثالين على ذلك.

قدم صلاح السعدني خلال مسيرته عددا كبيرا من المسرحيات، معظمها في مسارح الدولة، حيث يراعى الاهتمام بالنص والمضمون والطرح الجاد، وكذلك عدداً كبيراً من الأعمال التليفزيونية، معظمها أيضاً إنتاج الدولة، كما أن معظم الأفلام التي شارك فيها ذات مضمون اجتماعي وسياسي، ما يجعله نموذجاً لجيل كامل من فناني فترة الخمسينيات والستينيات، الذين ولدت موهبتهم في خضم الصراعات الوطنية الكبرى، والنظرة العامة التي تقدر وتقدس الفن والثقافة، باعتبارهما من أساسيات النهضة والحضارة، وليسا مجرد ترفيه لا قيمة له.

رحم الله واحدا من أكثر الممثلين موهبة وثقافة في تاريخنا الفني.

* ناقد فني

تصنيفات

قصص قد تهمك