"ولاد رزق 3: القاضية".. ما بعد الحداثة تصل عيد الأضحى

الملصق الدعائي لفيلم "ولاد رزق 3" - facebook/WeladRizk
الملصق الدعائي لفيلم "ولاد رزق 3" - facebook/WeladRizk
القاهرة -عصام زكريا*

"ولاد رزق 3: القاضية" هو فيلم "عيد" بامتياز، يحمل حيوية العيد وحماسه وزحامه وفرحته المفرطة سريعة الزوال.

لا مجال هنا للهموم، ولا الجدية، ولا الانضباط بالقواعد والأصول، حتى مضمون الفيلم لعبة، وسرده خدعة، وحبكته كذبة كبيرة، مثل لعب وحكي وسعادة العيد.

تعالوا نصنع فيلماً مسلياً، مبهراً، نحطم به الأرقام القياسية في عدد النجوم المشاركين فيه وحجم الميزانية المخصصة له، ونحطم فيه بضع عشرات من السيارات، ونفرقع بضعة كيلوجرامات من الألعاب النارية.

نظام اللحن المألوف 

هذا واحد من الأفلام التي يسبق فيها الشكل المضمون، مثل الأغاني التي تكتب لتناسب أحد الألحان المشهورة، المألوفة للأذن، وهو شكل سينمائي معروف، محفوظ، لطالما رددته عشرات الأفلام الهوليوودية الشعبية، بل عزفه من قبل نفس المخرج والممثلون في الفيلمين السابقين من سلسلة "ولاد رزق".

وليس ذلك عيباً في حد ذاته، لكنه نظام وضعته صناعة السينما في أميركا، وسارت عليه الصناعات المماثلة في بلاد عدة، شبيه بمطاعم الوجبات الجاهزة، سريعة التحضير، ذات التوابل الشهية، والدهون الثلاثية، يمكنك أن تتناول "ساندوتشاً" منها في بعض المناسبات، لا أكثر ولا أقل.

"ولاد رزق 3" فيلم خفيف، لطيف، تهرب إليه من حرارة الصيف القائظة، وتذوب من خلاله وسط جمهور حاشد، صاخب، فاغر العيون أمام مشاهد الأكشن، وضاحك ومعلق على مشاهد الإغراء والإيحاء.

لعبة الراوي المخادع!

مخرج الفيلم طارق العريان، كما عهدناه، مأسور بسينما الأكشن الهوليوودية، هي عنده النموذج الذي لا يأتيه الباطل من قريب أو بعيد.

 والعريان، كما عرفناه، متشبع بقصص ومشاهد ولقطات الأكشن الأميركي، خاصة في التسعينيات، ولكن فيلماً بعينه ترك عليه تأثيراً كبيراً يظهر عبر أفلام "ولاد رزق" كلها، خاصة الثالث، وهو "المشبوهون المعتادون" The Usual Suspects (إخراج برايان سينجر، 1995).

وأبرز ما في هذا الفيلم هو السيناريو الذي كتبه كريستوفر ماكواير، وحصل عنه على الأوسكار، كما حصل أحد أبطاله، وهو كيفين سبيسي، على أول أوسكار له كأفضل ممثل.

يقوم السرد في The Usual Suspects على خدعة/ لعبة، إذ نشاهد طوال الوقت تطور وتفاصيل القصة من خلال عيون ولسان شاهد عيان، هو متهم يتم التحقيق معه في واقعة سرقة وقتل كبرى، ليتبين في المشهد الأخير من الفيلم أن كل ما شاهدناه مشكوك فيه، لإن الشاهد غالباً يكذب، وينتهي الفيلم بنا دون أن نعرف حقيقة ما حدث.

على مدار عقود من عمر الأدب والسينما انتشر السرد الذي يعتمد على شخصية شاهد العيان، الذي يكون غالبا أحد شخصيات القصة (يطلق عليه صوت أو سرد الشخص الأول، وكان يعد من أكثر أشكال السرد مصداقية، بعد شكل سرد الكاتب العليم المحايد كلي المعرفة)، ولكن مع التطورات الكبيرة التي شهدها القرن العشرين وصولا إلى مدرسة أو اتجاه "ما بعد الحداثة" تم تحطيم أشكال السرد التقليدية، كما نجد مثلاً في أعمال كوينتن تارانتينو Pulp Fiction، وستيفن سودربرج Traffic، وسلسلة أفلام Ocean، ثم كريستوفر نولان Memento، ومن علامات هذه المدرسة أيضاً فيلم The Usual Suspects الذي ترك تأثيراً ملموساً على طرق السرد، خاصة ما يتعلق بشكل سرد الشخص الأول.

منذ "ولاد رزق" الأول يلعب طارق العريان لعبة الراوي المخادع، مع بعض التعديلات، ولكن في الجزء الثالث يعود إلى النهل مباشرة من فيلمه المفضل The Usual Suspects، ليس فقط من خلال فكرة راوي الفيلم، ولكن  أيضاً من خلال شخصية المجرم الخطير الخفي سلطان الغول (كايزر سوزي في الفيلم الأصلي)، بالرغم من أنه يظهر في المشهد الأخير من "ولاد رزق 3"، في هيئة كريم عبد العزيز (إلا إذا تبين في الجزء الرابع القادم أنه أيضا يكذب).

مراجع هوليوودية

بجانب The Usual Suspects ينهل العريان من أعمال أخرى، أحياناً ما يكون لقطات مثل سير أفراد العصابة معاً بالحركة البطيئة، وهي لقطة أشبعتنا السينما بها منذ فيلم Reservoir Dogs لتارانتينو، وأحيانا يكون أسلوباً في السرد والمونتاج مثل التقطيع المتوازي بين مشاهد التخطيط للعملية، ومشاهد تنفيذها فعلياً، وهو أيضا شكل أشبعتنا به السينما والمسلسلات حد التخمة طوال السنوات الماضية.

داخل هذا القوام السردي المألوف، يصب صناع "ولاد رزق 3" قصة سرقة ومعارك ومطاردات فخيمة بالسيارات، منذ المشهد الافتتاحي الذي تقوم فيه سيارة ضخمة باقتحام مخزن المجرمين إلى المشهد الطويل في مدينة الرياض الذي يتوسط الفيلم ويعد "مشهده الرئيسي" Master Scene، الذي يذكر بآخر أفلام جيمس بوند، هذا المشهد الذي يمكن أن نطلق عليه "استعراض سينمائي سياحي" هو المحرك الرئيسي لصنع "ولاد رزق" وذروة إبداعه البصري التشويقي، بما يحمل من إبهار وتنفيذ متقن كان وراء النجاح الجماهيري الكبير للفيلم وسبب مقارنته بالأفلام العالمية.

حشد نجوم وتوابل

داخل هذا القالب أيضاً يتم صب ما يعرف بحشد النجوم، إذ لا يكاد يوجد نجم شعبي غير موجود في الفيلم، من أحمد عز وعمرو يوسف وآسر ياسين وأحمد فهمي ومحمد ممدوح وآسماء جلال ونسرين أمين، وصولاً إلى كريم عبد العزيزوإياد نصار، مروراً بكريم قاسم وسيد رجب وعلي صبحي، وضيوف الشرف الملاكم تايسون فيوري.

لم يحدث تقريباً أن اجتمع مثل هذا العدد من النجوم في فيلم واحد منذ "ليلة البيبي دول" للمخرج عادل أديب عام 2008، وكان أيضاً نوعاً من استعراض العضلات الإنتاجي الفخيم.

ومن أجل اكتمال الخلطة الجاذبة، يصب صناع الفيلم حشداً من الراقصات والنساء الجميلات و"الإيفيهات" الساخنة، وكثير من المشاهد تلعب على الصورة النمطية للشر في المخيلة الشعبية: أموال طائلة ومجوهرات ونساء وخمر ومخدرات و"ميكس جريل" من اللحوم الفاخرة.

يحمل "ولاد رزق 3" كل مقومات الجذب والإبهار الجماهيري، بكميات وفيرة، ومن ناحية الإنتاج والشكل لا شك أنه عمل ناجح وجيد، وربما يكون فاتحة للاستثمار في أعمال بمثل هذه الضخامة.

ولكن لو أن مثل هذا الإنتاج يذهب إلى سيناريو أكثر أصالة وإحكاماً، وأسلوب سينمائي أكثر تفرداً وتميزاً، فسوف يمكننا بالفعل أن نصنع أعمالاً "عالمية" نتباهى بها بين الأمم.

* ناقد فني

تصنيفات

قصص قد تهمك