في فينيسيا: حريق يهدد فيلم جون لينون.. وحرائق يشعلها فيلم نيكول كيدمان

الممثلان الأميركيان نيكول كيدمان وأنطونيو بانديراس يتوسطان المنتج ديفيد هينوجوسا والمخرجة هالينا راين والممثلين هاريس ديكنسون وصوفي وايلد على السجادة الحمراء أثناء وصولهم لعرض فيلم "Baby Girl" في الدورة الـ 81 لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، مدينة فينيسيا في إيطاليا. 30 أغسطس 2024 - REUTERS
الممثلان الأميركيان نيكول كيدمان وأنطونيو بانديراس يتوسطان المنتج ديفيد هينوجوسا والمخرجة هالينا راين والممثلين هاريس ديكنسون وصوفي وايلد على السجادة الحمراء أثناء وصولهم لعرض فيلم "Baby Girl" في الدورة الـ 81 لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، مدينة فينيسيا في إيطاليا. 30 أغسطس 2024 - REUTERS
فينيسيا -عصام زكريا*

وكأن حرارة الطقس الشديدة التي تجتاح مدينة فينيسيا الإيطالية لا تكفي، إذ يبدو أن النيران بأنواعها تطال كل شيء في المهرجان العريق الذي دخل يومه الرابع.

واحد من أغرب أحداث مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي المقام حالياً، هو "الحريق الزائف" الذي نشب خلال عرض فيلم One to One: John and Yoko.

بالقرب من نهاية الفيلم الوثائقي، والذي يتتبع فترة من حياة نجم البيتلز الأشهر جون لينون وزوجته يوكو أونو، خلال العام الأول من هجرتهما إلى نيويورك وصراعهما من أجل البقاء في أميركا، ضد محاولات المنع والتهجير، دقت أجراس إنذار الحريق في قاعة "بيرلي" الممتلئة عن آخرها، ما دفع معظم المشاهدين إلى الإسراع بالفرار خارج القاعة، قبل أن يتوقف عرض الفيلم، وتضاء أنوار القاعة، وتصمت أصوات الإنذار، ويعاد تشغيل الفيلم من جديد.

الأجمل.. حتى الآن

على الرغم من عرضه خارج المسابقة الرسمية للمهرجان، إلا أن One to One: John and Yoko هو واحد من أفضل أفلام فينيسيا (حتى الآن)، وواحد من أفضل الأعمال التي صنعت عن أسطورة الموسيقى في القرن العشرين جون لينون، الذي اغتيل على يد أحد المتعصبين المهووسين في ديسمبر 1980، منهياً سنوات لجوئه إلى أميركا هرباً من المتطرفين الإنجليز، بالوقوع ضحية متطرف أميركي.

الممثلان بيتر ورسلي وسام رايس إدواردز والمخرج كيفن ماكدونالد وأليس ويب يقفون أثناء جلسة تصوير للفيلم الوثائقي One to One: John and Yoko الذي يعرض خارج المنافسة في الدورة الـ 81 لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، مدينة فينيسيا في إيطاليا. 30 أغسطس 2024
بيتر ورسلي، وسام رايس إدواردز، والمخرج كيفن ماكدونالد، وأليس ويب يقفون أثناء جلسة تصوير للفيلم الوثائقي One to One: John and Yoko الذي يعرض خارج المنافسة في الدورة الـ 81 لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، مدينة فينيسيا في إيطاليا. 30 أغسطس 2024 - REUTERS

في One to One يعيد المخرج الاسكتلندي كيفين ماكدونالد (صاحب أفلام One Day in September وThe Last King of Scotland من بين أعمال أخرى) مع مونتير الفيلم وشريكه في الإخراج سام رايس- إدواردز، بناء العام الأول من إقامة لينون وزوجته في نيويورك، 1972، عبر رسم صورة نابضة بالحياة ليس فقط لحياة البطلين، ولكن لأميركا كلها، ويعقدان مقارنة بطريقة بالغة الذكاء بين تلك الفترة، التي شهدت حرب فيتنام وسياسات الرئيس ريتشارد نيكسون اليمينية المتطرفة، وثورة الشباب التي اجتاحت الولايات المتحدة والعالم ضد الحرب، وما يحدث الآن من حرب الإبادة في فلسطين برعاية أميركا، والمظاهرات والحركات الرافضة ضدها.

أجمل ما في One to One هو البناء الفني شديد التركيب والبراعة، والذي يمزج بين مقاطع أغنيات من حفل لينون الأول في أميركا، والذي حمل اسم One to One، وهو أيضاً أول حفل له بعد انفصاله عن فريق "البيتلز" وآخر حفل أحياه في حياته، مع حياة لينون وزوجته ذات الأصل الياباني في شقتهما الصغيرة في نيويورك، والتي حرص صناع الفيلم على تصوير تفاصيلها وإعادة إحيائها كشخصية رئيسية في الفيلم، مع عشرات اللقطات الوثائقية للأحداث السياسية والاجتماعية الهامة والحاسمة، مثل مذبحة سجن "أتيك" ضد المساجين من أصل إفريقي، ودخول أول امرأة ذات أصول إفريقية الكونجرس، والمشاهد الدموية لحرب فيتنام، والمظاهرات العنيفة ضدها، وبعض الأحداث الأخرى مثل اكتشاف مؤسسة الأطفال المعاقين التي تشبه سجون العصور الوسطى، بجانب عدد كبير آخر من اللقطات  التي ترسم صورة بانورامية تشبه لوحة جدارية من الموزاييك لبداية سبعينيات القرن الماضي، والتي ربما يكون المشاهد قد اطلع عليها في سياقات أخرى، ولكنها هنا تشكل لوحة فنية ووثيقة تاريخية فريدة من نوعها.

يحتوي One to One أيضاً على تسجيلات صوتية وفيلمية للينون ويوكو تذاع لأول مرة، كما يحتوي على لقطات لعلاقة الاثنين بعدد من كبار الفنانين "الثوريين" وقتها مثل الشاعر الكبير ألن جينسبرج، والمغني والمؤلف الموسيقي بوب ديلان، والناشط السياسي جيري روبن.

كل هذه المواد وغيرها متناسقة داخل بناء موسيقي ممتع صوتياً وبصرياً يحمل إيقاعات أغاني البيتلز وجون لينون العذبة والقوية والثورية، وعلى الرغم من كونه فيلماً وثائقياً بالأساس، إلا أنه نموذج للإبداع الوثائقي الذي يتجاوز التوثيق، ويرقى إلى مصاف الأعمال الفنية المتكاملة والمكتفية ذاتياً، إذ بعد 100 دقيقة من زمن الفيلم يدخل المشاهد في حالة من التأثر والمتعة والرغبة في مشاهدة الفيلم من جديد.

نيكول تتحدى أنجلينا بفيلم "إيروتيكي"

بعد أنجلينا جولي وفيلمها Maria الذي عرض خلال اليوم الثاني من مهرجان فينيسيا، وكانت نجمة اليوم دون منازع، ظهرت نيكول كيدمان مع بداية اليوم الثالث لتقدم وتحتفل بالعرض الأول لفيلمها الجديد Baby Girl، والذي سبقته دعاية مكثفة باعتباره فيلماً "إيروتيكياً" وجنسياً، للنجمة التي اشتهرت بأدوارها الجريئة، واحتفلت أخيراً بعيد ميلادها السابع والخمسين.

يروي Baby Girl، باختصار، قصة زوجة وأم تخطت أواسط عمرها تدخل في علاقة محمومة وخطيرة مع شاب في بداية العشرينيات يعمل موظفاً في الشركة التي تديرها، وما يترتب على تلك العلاقة من تفجير لخيالاتها وتأثير على حياتها المهنية والعائلية.

الممثلان الأميركيان نيكول كيدمان وهاريس ديكنسون في مشهد من فيلم
الممثلان الأميركيان نيكول كيدمان وهاريس ديكنسون في مشهد من فيلم "Baby Girl" الذي يعرض في الدورة الـ 81 لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، مدينة فينيسيا في إيطاليا. 30 أغسطس 2024 - REUTERS

رومي (كيدمان)، هي زوجة لمخرج مسرحي ورجل طيب ونموذجي يؤدي دوره أنطونيو بانديراس (وهو نجم ظل لسنوات رمزاً للجاذبية والفحولة)، وهي أم لطفلين رائعين، ومديرة شركة كبيرة لتصنيع الروبوتات في نيويورك، ثرية وناجحة، لديها "كل شيء في الحياة"، ولكن رومي ليست سعيدة لسبب ما مجهول، يتجسد في عدم شعورها بالإشباع الجسدي ولجوئها إلى شرائط البورنو المنحرف لإشباع رغباتها، هذه هي "الحياة العادية" التي تعيش فيها البطلة في بداية الفيلم، والتي يتعين عليها أن تغادرها لتدخل عالم المغامرة، والمغامرة في Baby Girl، على عكس حياة رومي الخارجية، هي رحلة عبر أعماق الداخل المظلم للرغبة والغريزة الأساسية، الجنس، ويذكر الفيلم بالفعل بكلاسيكيات هذا النوع من المغامرات التي ظهرت في بداية تسعينيات القرن الماضي مثل Basic Instinct وFatal Attraction وDisclosure التي لعب فيها نجم التسعينيات مايكل دوجلاس شخصية الرجل الذي يتعرض للغواية من قبل نساء شرهات شريرات.

ربما لا يحمل Baby Girl هذه الحساسية الذكورية التي اتسمت بها السينما الهوليوودية منذ 3 عقود، فنحن نعيش الآن عصر الحساسية النسوية بامتياز، وBaby Girl، على عكس الأفلام سابقة الذكر، من تأليف وإخراج امرأة، هي هالينا ريجين، ومن بطولة نيكول كيدمان، التي ارتبط اسمها بلعب أدوار المرأة القوية المتحررة، ومن ثم يفترض بنا أن ننظر إلى Baby Girl باعتباره فيلماً عصرياً ينهل من الحساسيات النسوية الحديثة، وهو يفعل ذلك بالفعل، من خلال معالجة قصته بطريقة تختلف عن العقلية الدرامية التقليدية (البطريركية)، إذ يقدم نظرة أكثر تسامحاً وتصالحاً مع الجوانب "المظلمة" للطبيعة البشرية، وعلى الرغم من أن هذه النظرة يمكن أن تكون شيئاً إنسانياً جيداً، إلا أن الإطار العام الذي توضع فيه الفكرة (هذا الثراء الفاحش، الشركة التي تبيع الروبوتات دون أي مراعاة للملايين الذين سيفقدون أعمالهم ومصادر رزقهم، المرأة التي تخون و"تكذب" على أسرتها بضمير مستريح) هو إطار غير إنساني بالمرة: ذلك أن رغبات واحتياجات رومي لا تنبع من الحاجة بقدر ما تنبع من الشره والطمع الرأسمالي الذي لا يرتوي أبداً.

* ناقد فني

تصنيفات

قصص قد تهمك