الريف التونسي يلهم مصمّمي الزي التراثي

المصممة التونسية مريم البريبري في ورشة العمل. - Facebook/BribriTunisia
المصممة التونسية مريم البريبري في ورشة العمل. - Facebook/BribriTunisia
تونس -حاتم التليلي محمودي

برزت المدوّنة والناشطة مريم البريبري كمصمّمة أزياء تراثية، جلبت إليها الأنظار، من خلال الاشتغال على الموروث التونسي الأمازيغي.

 تصمّم البريبري اليوم للفنانين والمسرحيين والمخرجين في تونس، وتبدو تصاميمها مثل مكوّنات صغيرة لحديقة تحتفل بألوان الربيع، فضلاً عن احتفائها بالعديد من الرموز والصور، مثل الأحرف الأمازيغية، والزوارق الصغيرة، وسنابل القمح، والنقوش القديمة. 

المصمّمة البريبري تحدّثت لـ "الشرق" عن تجربتها.

درستِ القانون وعملتِ في الصحافة وانخرطت في النشاط النسوي ولم يمنعك ذلك من التأسيس لمشروعك الخاصّ استلهاماً من التراث التونسي، كيف انتقلت إلى مجال التصميم؟

حياتي تشبه كثيراً تلك الطيور التي تحدّث عنها فريد الدين العطّار في كتابه "منطق الطير"، حيث ظنّت أنّها ستعثر عن معنى وجودها بمجرّد الوصول إلى ذلك الطائر الوهمي "السيمورغ"، وبمجرد الهجرة بحثاً عنه، لم تجد غير مرآة انعكست فيها صورتها. 

عانت تلك الطيور، ومرّت بتجارب كثيرة، لكنها أدركت في نهاية المطاف، أن المعنى الحقيقي يوجد في ذواتها، وليس في ذات ذلك الطائر. أدركت هذه الحقيقة بعد رحلة من المغامرات المؤلمة، جعلتني أفهم بعض أسرار الحياة، وقادتني إلى تأسيس مشروعي المتمثّل في تصميم الزي التونسي.

كان المشروع في البداية مجرّد فكرة عابرة، لكنه تحقّق، في سعي لمواصلة هذا التقليد المتأصّل لدى عائلتي، وفي مواجهة الموضة التي اجتاحت أسواق المنتوجات الحرفية، وكل ما له صلة بالهوية والتراث.

ورشة المصممة البريبري في صفاقس
ورشة المصممة البريبري في صفاقس - الشرق

لكن ما هي الرؤية الفنية التي صاحبت أعمالك كي تحرّري هذا التراث من تحجّره؟  

سأعطي مثالاً طريفاً على ذلك الموسيقى التونسي ظافر يوسف، الذي نجح بشكل مبهر في إعادة استنطاق الغناء الصوفي، بل وأعطاه بعداً عالمياً. هذا الأمر ينطبق على الفنون الأخرى. 

كان عليّ في كل لحظة من إنجاز تصاميم جديدة، التفكير بشكل ملحّ في معانيها، وأن تتحدّث عن الأسئلة الملحّة للقضايا الراهنة، كالهوية أو ما شابه من تاريخنا المغمور، حفاظاً على الموروث من جهة، وانطلاقاً من موقف اقتصادي، عقب اكتساح الملابس الصينية والتركية وغيرها سوق الموضة التونسي.

هل يعني ذلك استنطاق تصاميمك للهامش من التراث المنسي أو مجرّد محاكاة لألوان المدينة؟  

دعني أخبرك عن موقف شخصي، أنا أعتبر المدينة سوقاً مخيفة تفتقد الحسّ الإنساني. ولهذا السبب أحنّ كثيراً إلى الريف بوصفه طاقة خلاقة وخصبة من الألوان، وبساطة العيش مع الناس. 

المدينة التي نسكنها تجبرنا على البقاء فيها، وتفرض علينا نمطها الاقتصادي الصعب، أما الريف فهو المساحة الملهمة التي من خلالها تأتي تلك الأشكال والرموز والألوان، وتظهر في الأزياء التي أصمّمها.

 إنّها شكل من أشكال الانتماء الجمالي والفني، إلى النساء الجالسات أمام الآلات العتيقة للنسيج، وإلى أزياء الرعاة في المروج، ولباس عمّال المناجم والموانئ البحرية.

نعم، أنا أعيد الكنوز القديمة إلى مساحة الضوء، أستحضر اللباس الأمازيغي الذي يعود إلى حضارة قرطاج العريقة، وأستحضر الأنواع المختلفة من أزياء النساء البدويات، كما أستحضر الأغاني البسيطة للحصادين، وأطوّعها على شكل رسومات ونقوش تلتصق بالأزياء التي أنتجها.

أزياء تراثية من تصميم البريبري
أزياء تراثية من تصميم البريبري - الشرق

 تشتغلين في ورشة في المدينة العتيقة لمحافظة صفاقس. كيف استطعت تحصينها أمام سطوة التجّار وسماسرة الأقمشة المعنيين بقانون الربح؟  

تأمّل معي الفرق بين الفلاح والتاجر: الأوّل يصون أرضه، ويسقيها ويعتني بحدائقها، إنه لا يحتمل العيش من دون ربيع. أما الثاني فتحكمه المنافسة غير الشريفة، لأنه مهتمّ بالربح والمال فقط على حساب ما هو أيقوني جميل. 

 أنا أنتمي لقصّة الأوّل، اخترت اعتزال مهنة تجارة الأقمشة التي كنت أشارك فيها والدي، كنت أمقتها وأعتبرها اليوم مصدر بؤسي لسنوات، واخترت أن أعمل في مجال لا أنافس فيه أي شخص. 

 يتحوّل فضاء هذه الورشة أحياناً إلى مكان للعروض السينمائية أو تقديم آخر الإصدارات من الكتب. هل هناك مشترك بين مشروعك والثقافة أم يعود ذلك إلى ضرورة الدعاية؟

الدعاية لعملي ومشروعي بطرق مختلفة هو حقّ في مواجهة موجات السوق التي تبتلع كلّ شيء، بحكم امتلاكها تقنيات رهيبة للإشهار. لكن الدعاية التي أتخذها لمشروعي، لا تعوّل على السينما أو العروض الموسيقية.

زي للرجال من تصميم البريبري
زيّ للرجال من تصميم البريبري -الشرق

فأن تتحوّل ورشتي إلى فضاء ثقافي لا يشبه السائ، يعني أنني أحقق حلماً آخر بالتوازي مع أحلامي الأخرى. لست مثقفة عضوية لكني أحاول الاقتراب من هذه الصفة، وأفتح ورشتي لجميع الطلاب والكُتّاب والفنانين كي يقدّموا فيها أفكارهم الثقافية.

أعتبر ورشتي الصغيرة بقعة ضوء ووجهاً من وجوه الفضاء العمومي، وهذا هو عنوان المشترك الذي يجمعني بالمثقفين.

هل تعتقدين أن تصاميمك التي تمّ استلهامها من التراث التونسي قادرة على منافسة هذا الانفتاح ومخاطره؟ 

سبق أن أخبرتك أن المنافسة لا تعنيني بشيء، لكن تعنيني مقاومة الرداءة من خلال التأسيس لمشروع ثقافي له فائدة في المستقبل. المنافسة قد ترهقني وتجعلني أخسر رموزي وأشكالي وألواني وأفكاري، لكن فكرة الرفض هي التي تدفعني إلى زراعة الورد في حديقتي، وإن كان الجفاف قاسياً. 

سأرابط داخل ورشتي، ولن أصبح أسيرة بين صفحات مجلات الموضة، لن أتخلى عن الطرقات والجبال التي صعدتها، ولن أنسى النساء اللاتي زرتهنّ والفلاحين الذين أنتمي إلى حياتهم. لن أسقط في مهنة من يراقب صانعي المحتوى، وأقلدهم بحجة المنافسة، فيموت حلمي، بل سأتوغل عميقاً في أحلامي. 

 نرى صور الممثّلين والمخرجين في عالم المسرح والتلفزيون والسينما يرتدون أزياء من تصاميمك، كيف نجحت في تكوين هذه العلاقات؟  

هذا من نجاحاتي الصغيرة، أعتقد أن العمل الجيد تكون نتائجه مفرحة. عملت مع كثير من الفنانين في سياق الإنجاز لمشاريعهم الموسيقية والفنية، وهذا ما ساهم في أن أكون معروفة أكثر في الوسط الفني، وجعل من البعض يطلب مني إنجاز تصاميم خاصّة بأعمالهم الفنية.

 كانت لي تجارب مختلفة منها تصميم أزياء خاصة لبعض المسرحيات أو الكليبات مع المغنية لبنى نعمان، وروضة عبد الله، وايضاً مع مسلسل "باب الرزق" للمخرج هيفل بن يوسف، إضافة إلى تجارب مغايرة كعروض الأزياء في مدينة وهران الجزائرية ودولة الكاميرون. 

تصنيفات

قصص قد تهمك