يبذل مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، جهوداً مكثفة في خدمة اللغة، والمساهمة في انتشارها عربياً وعالمياً، من خلال برامج نوعية، معتمداً على كوادر ذات خبرة عالية، ومستعيناً بأحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي.
في يوم اللغة العربية الذي يصادف في 18 ديسمبر من كل عام، "الشرق" حاورت الأمين العام لمجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، الدكتور عبد الله الوشمي، الذي استعرض منهجية واستراتيجيات المجمع، ودوره في في تعزيز مكانة العربية.
إلى أين تتجه اللغة العربية في ظل الذكاء الاصطناعي وهل العالم بحاجة إليها فعلاً؟
اللغة العربية بكل ما تحمله من ثراء وتنوّع واتساع، تتجه إلى مزيد من الانتشار، وفقاً للمؤشرات والدراسات ومسارات التخطيط التي نقوم بها في المجمع، والتي تثبت أن أعداد الناطقين والمهتمّين بتعلمها في العالم إلى ازدياد.
كذلك فإن المنظمات التي تعتمد اللغة العربية في ازدياد، وأعداد الوزراء في الدول غير العربية الذين يتواصلون معنا لتعلم العربية في دولهم في ازدياد أيضاً، أضف إلى ذلك اعتماد اللغة العربية لغة ثانية أو ثالثة في مجموعة من الدول، مع الأخذ بالاعتبار أن هذا التزايد لا يعني عدم وجود تحديات.
أما فيما يخص الحديث عن الهوية والدفاع عنها، فيقابله لدينا مصطلح آخر، وهو الانطلاق من الهوية والإيمان بها، وهو في أساس رؤية السعودية 2030 ولذلك نردد دائماً الكلمة التي قالها الملك عبد العزيز رحمة الله لأمين الريحاني "نحن العرب".
لديكم العديد من المنصّات والكثير من المشروعات ما الهدف منها كلها؟
لدينا مشروع المستشار اللغوي، ومشروع السياسات اللغوية، ولدينا منصّة "فلك" وسوار"، و"تحدي الإلقاء للأطفال"، و"مركز أبجد"، ولدينا "بلسم" للنماذج اللغوية الضخمة.
كذلك لدينا علماء العربية من السعوديين، وبرنامج لتدريب المواطن على مهارات الكتابة العربية، نفّذنا منه أكثر من 290 دورة، وبرنامج آخر دولي لتدريب المعلمين، نفّذنا منه أكثر من 104 دورات، لدينا أيضاً "شهر اللغة العربية" الذي يعدّ من أهم المشروعات وأكبرها، بالإضافة إلى دورنا في المنظمات الدولية وغيرها من البرامج التي تزيد على 70 برنامجاً معتمداً.
نحن نؤمن أن لغتنا لغة قوية، ولذلك نحن نقدّم مشروعات قوية وليست وسائل إنقاذية، ولذلك لن تجد مؤسسات لغوية نظيرة يزورها الأطفال، في حين أن لدينا معرض اللغة العربية للطفل، كذلك لن تجد مؤسسات نظيرة تركّز على الشباب، أما نحن فالشباب هم الجزء الرئيس من حلولنا، ولا نقدّم برامج لتحسين لغتهم، وإنما هم من يقوم بإنجاز الأعمال النوعية، وخصوصاً في مسار الحوسبة والذكاء الاصطناعي، ومسار الثقافة، والتعليم والتعلّم.
أين يكمن الاختلاف بين ما يقدّمه مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية وبقية المجامع في الوطن العربي؟
يختلف مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية عن بقية المؤسسات بأنه عالمي، بينما المؤسسات الأخرى لا تحمل هذا الوصف ولا تشتغل وفقه.
المسارات الأربعة التي نعمل من خلالها؛ بعض المؤسسات لا تعمل بها إطلاقاً، كمسار التخطيط والسياسة اللغوية، والبرامج التعليمية والبرامج الثقافية، إضافة إلى الحوسبة اللغوية.
قد نشترك مع بعض المؤسسات في العمل في البرامج التعليمية وبعض مسارات النشر، لكننا نختلف بأننا نغطي مساحات لا تغطيها المؤسسات الأخرى.
لقد وقّعنا مذكرة التعاون الأولى مع "سدايا"، وليس مع مجمع نظير أو إحدى كليات اللغة العربية كما هو معتاد، وهذا يعطي مؤشراً واضحاً بأننا منصرفون بقوة للعمل مع الجهات المختلفة، مثل وزارة الرياضة، والمواصفات والمقاييس، ووزارة الحج، كذلك وزارة الطاقة وغيرها من الجهات.
أخرج المجمع معاجم متخصّصة في القانون وفي الطاقة وغيرها من التخصّصات، ما الهدف منها؟
حين انطلق المجمع، درس حركة المعاجم وقدّر جميع الجهود المبذولة من الجامعات والمراكز السعودية والمجامع العربية وغيرها، ورأى أنها معاجم ورقية، تفتقد إلى المدوّنات الحديثة، كما أنها لا ترتبط بالحياة اليومية المعاصرة، لذلك أطلق المجمع منصّة "فلك" التي تعد من أضخم المدوّنات اللغوية المتاحة في العالم.
ثم أطلقنا منصّة المعاجم الرقمية "سوار" التي تضم وتتيح لجميع المعجميين من الأفراد، وفرق العمل النشر فيها موفّرة لهم جميع الأدوات.
كذلك أطلقنا مساراً لدعم المعاجم، ومساراً إضافياً لإصدار المعاجم المشتركة، وأنجزنا منها أكثر من 10 معاجم، ونحن الآن في طور إنجاز أكثر من 10 معاجم أخرى خلال الخمسة أشهر القادمة بإذن الله.
كما نستعدّ لإصدار سلسلة جديدة ومختلفة في مسارات المعاجم المتخصّصة، إضافة إلى توظيف الذكاء الاصطناعي في مسار المعاجم.
ولعلّ من أهم معاجم المجمع، هو معجم الرياض الذي يُعنى باللغة العربية المعاصرة، إذ يرصد وينمّي ويوثّق المفردات الحديثة في العالم العربي.
هل تمتدّ هذه المعاجم إلى اللهجات المحلية؟
لدينا حالياً مشروع "أصوات"، حيث نقوم بالتسجيل مع كبار السن من الرجال والسيدات، ومع الصغار من أجل المحافظة على لهجاتنا في أكثر من 40 نقطة في المملكة.
ولا يتوقف الأمر على التسجيل الصوتي فحسب، بل يمرّ بسلسلة من المعالجات، ابتداءاً بتحويله إلى نصّ مكتوب، وتنظيفه من الشوائب، ثم معالجة ما يسمى السُمية، ثم نقوم بالتوسيم لكي يصبح الكلام موسوماً فيسهل الاشتقاق منه، ثم يتم نشره في إحدى منصّات مسار الحوسبة اللغوية، من خلال عرض خريطة المملكة، واختيار المنطقة والمدينة، ثم اختبار النقطة لتظهر الكلمات الموجودة وأصلها العربي.
الذكاء الاصطناعي يشكّل حضوراً لافتاً في أعمال المجمع لا سيما الحوسبة اللغوية، كيف تمّت الاستفادة منه؟
مسار الحوسبة اللغوية يشمل المعاجم الرقمية، والذكاء الاصطناعي، والبيانات، وهو ليس مجرد خيار، أو مسار داعم، بل هو الخيار الوحيد والمسار الرئيس الذي نراهن عليه.
اللغات التي بقيت عبر آلاف السنوات هي اللغات المكتوبة، أما اللغات الأخرى فتلاشت واندثرت، والآن أقول إن اللغات التي ستبقى هي اللغة التي ستدخل الذكاء الاصطناعي والحوسبة اللغوية، ولذلك فإن مسار الحوسبة اللغوية، على قدر كبير من الأهمية لدينا، ولا يوجد له نظير في المؤسسات اللغوية في معظم المؤسسات النظيرة.
للمجمع حضور عالمي ملموس، ترى ما أهم المخرجات على المستوى العالمي؟
لدينا حالياً أكثر من 60 نقطة في مختلف دول العالم، تعمل بجهود متفاوتة، ابتداءً بالكتب والأدلة والتوثيق، وصولاً إلى الجهود الضخمة المتمثّلة في الفعاليات الدولية المختلفة، مثل شهر اللغة العربية الذي تمّ تنفيذه في دول عدّة، وجائزة مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية ذات الطابع العالمي.
لدينا أيضاً مسار التدريب، حيث نفّذنا أكثر من 104 دورات، هناك أيضاً البرامج الثنائية مع الدول، وفي مسار التوثيق، أصدرنا أكثر من 40 مجلداً وبحثاً شارك فيه مئات الباحثين حول العالم، إضافة إلى السياسات والتخطيط اللغوي في مشروع محلي تمّ إنجازه، ومشروع دولي ما زلنا نعمل عليه بتصاعد، إضافة إلى العمل مع المنظمات، وهو عمل حثيث وكثيف، وبعضه تجاوز الدورة الثالثة.
مركز "أبجد" لتعليم العربية يتعدّى تعليم اللغة إلى تعليم الثقافة السعودية فماذا يقدّم تحديداً؟
يقدّم مركز "أبجد" العديد من البرامج التعليمية المرتبطة بالأغراض التواصلية، مثل البرامج الفردية المخصّصة لكبار المسؤولين والسفراء غير الناطقين بالعربية.
وهناك برامج أخرى تسمّى برامج الغمر أو الانغماس، وهي مخصّصة لأعداد محدّدة للدراسة المكثّفة لمدة شهرين، كذلك هناك برامج تربط الطلاب بالمعلمين لرفع مستوياتهم في تعلّم العربية.
كذلك هناك البرامج الموجّهة للطلاب، وقد تمّ تخريج الدفعة الأولى منذ أشهر عدّة من أكثر من 35 دولة، وزاد عدد الدول في الدفعة الثانية، ويهدف البرنامج لتلقي الطلاب الذين ليس لديهم أي دراية باللغة العربية، وجعلهم ينخرطون في برنامج تعليمي مكثف داخل المركز، مع برنامج خارجي يشمل زيارة الأسواق، وحضور الفعاليات السعودية والمباريات، وزيارة الأسر السعودية.
يهدف هذا البرنامج إلى دمج المشاركين في الثقافة السعودية، مع التركيز على تعليمهم المفردات العربية السليمة واللهجة السعودية الأصيلة، ليتعرفوا بعمق على الثقافة السعودية.