أثارت جذور شجرة، رسمها الفنان الهولندي فنسنت فان جوخ في اليوم الأخير من حياته، جدلاً في قرية فرنسية هي أوفير سور أواز، بعد أن ثبت مؤخراً أن جذورها لا تزال موجودة في القرية.
وصل فان جوخ (1853-1890) إلى قرية Auvers-sur-Oise في 20 مايو 1890، وتوفي هناك في 29 يوليو في السنة نفسها، إثر محاولة انتحار. ورغم أن الرسام لم يمضِ في القرية سوى شهرين فقط، لكنه أنتج 74 لوحة و33 رسماً، من بينها بعض الأعمال الأيقونية، مثل صورة الدكتور بول غاشيه، وكنيسة أوفير، وحقل القمح مع الغربان.
"قطار الانطباعيين"
تقع القرية قرب باريس، وتُعرف بأنها "جنة الفنانين"، وتجذب السياح من كافة أنحاء العالم. وأسهم تصوير القرية من قِبل رسامين بارزين، مثل رينوار وسيزان وبيسارو، في زيادة جاذبيتها والإقبال عليها، ما دفع سلطات النقل الفرنسية إلى تشغيل خط موسمي من باريس، أطلقت عليه اسم "قطار الانطباعيين".
العقار الذي تنمو فيه الجذور
وقالت صحيفة "نيويورك تايمز"، "إن الجذر الرئيسي المصوّر في اللوحة، يعود إلى شجرة سنط أسود، أطلق عليها المتحمسون اسم "الفيل"، وهو يجاور طريقاً عاماً. وبعد اكتشاف قيمتها التاريخية، طالبت البلدية بملكية جزء من أرض خاصة قرب الطريق، بحجة أنها ضرورية للصيانة".
أضافت: "خاض المالكَين جان فرانسوا وهيلين سيرلينجر، معركة قضائية ضد القرية، وخلصت محكمة استئناف مؤخراً، إلى عدم وجود أساس لمطالبة البلدية".
رئيسة بلدية أوفير، إيزابيل ميزييه، "تعهّدت بمواصلة النضال"، إذ لا يزال بإمكانها الاستئناف أمام محكمة أعلى. وبعد صدور القرار، أصرّت على أن الموقع "يجب أن يكون ملكاً للعامة لا للأفراد. وكتبت على مواقع التواصل: "الجذور ملك لأهل أوفير".
ألقى استمرار النزاع على جذور شجرة فان جوخ، بظلاله على ما يعتبر عادة موسماً احتفالياً في أوفير، التي يبلغ عدد سكانها 7 آلاف نسمة، إذ تعدّ السياحة الفنية تجارة رائجة تزداد أهمية في الربيع.
ويقول مالك العقار، "إن النزاع يعرّض الموقع التاريخي للخطر، إذ منعهم رئيس البلدية والخبراء من حماية الجذور بشكل صحيح. وفي مقابلة هاتفية مع الصحيفة، اتهم سيرلينجر البلدية "باستخدام القضية الإدارية كذريعة لمحاولة الاستيلاء على موقع يتمتع بأهمية ثقافية"، وفي الوقت نفسه تعريض الجذور للخطر من خلال "عرقلة إنشاء هيكل حماية دائم".
سر الاكتشاف.. بطاقة بريدية
بقيت لوحة فان جوخ الأخيرة "جذور شجرة" محل نزاع لعقود، لأنه لم يُؤرخ أعماله. عام 2020، خلص الخبراء إلى أن جذور الأشجار المعقّدة البارزة من سفح تل في أوفير، كما هو موضح في اللوحة، رسمها فان جوخ يوم وفاته. وربما حسم هذا الاكتشاف نزاعاً، لكنه أثار على الفور نزاعاً آخر، بين البلدية ومالكي العقار الذي تنمو فيه الجذور.
وكان فوتر فان دير فين، المدير العلمي لمعهد فان جوخ، اكتشف الموقع المُحتمل للوحة "جذور الأشجار". وأدرك وجود تشابه بين اللوحة وبطاقة بريدية يعود تاريخها إلى الفترة من عام 1900 إلى عام 1910.
تُظهر البطاقة البريدية أشجاراً على ضفّة قرب قرية أوفير، ويقع الموقع على بعد 150 متراً من نُزل "أوبيرج رافو" في القرية، حيث أقام فان جوخ لمدة 70 يوماً قبل أن ينهي حياته عام 1890.
وكان متحف "أورسيه" في باريس، خصّص عام 2023، أول معرض لأعمال فان جوخ في أوفير سور أواز.