زحام غير مألوف تشهده معروضات "قصر عائشة فهمي" بمجمع الفنون في منطقة الزمالك بالقاهرة، حيث يقام الإصدار الخامس من سلسلة "كنوز متاحفنا" بعنوان: "مختارات من الفن الأوروبي".
ويضم المعرض 100 عمل نادر من المقتنيات الخاصة لمتاحف الجزيرة ومحمد محمود خليل باشا والفنون الجميلة بالإسكندرية، تتنوع بين التصوير الزيتي والنحت لكوكبة من المبدعين العالميين، أبرزهم: بول غوغان وأوغست رودان وكلود مونيه وإدوارد مانيه ورينوار وألفريد سيسلي وإدغار ديغا، وغيرهم.
ويكتسب المعرض أهميته من تلك اللوحات والأعمال التي يعرضها "قصر عائشة فهمي" حتى نهاية أكتوبر المقبل، غير المتاحة للعرض منذ عقود، بسبب الترميمات التي خضع لها "متحف الجزيرة" منذ الثمانينات. وهو المتحف الذي يضم مقتنيات أسرة محمد علي باشا، مؤسس مصر الحديثة، من الفن العالمي.
وتحظى تلك اللوحات التي وجدت طريقها أخيراً إلى الجمهور في قصر عائشة فهمي، بميزة أنها تعرض حالياً في القصر الذي شهد عملية ترميم كبرى وأعيد افتتاحه في 2017 ليضم قاعات مجهزة بأحدث إمكانيات العرض من إضاءة وتجهيزات أخرى.
وعلى الرغم من الحفاوة والزحام والاصطفاف التي شهدها الافتتاح، فإن كثيراً من المعروضات لا يصحبها سوى توثيق بسيط جداً لاسم الفنان والعمل، بلا أي إشارة إلى أهمية اللوحات ومكانتها العالمية وعلاقتها ببقية أعمال الفنانين.
فى جولة داخل أرجاء المعرض، اختارت "الشرق" مجموعة من أبرز المعروضات لتسليط الضوء عليها..
مونيه في صدر المعرض
بعد حياة حافلة بالتنقل عاشها الفنان الفرنسي كلود مونيه (1840- 1926)، مرّ فيها بالحرب والتمرد، وخاض خلالها المعارك الفنية والثقافية، اختار أن يستقر في منزل ريفي بمنطقة قصية من بلدة جيفرني الصغيرة بفرنسا، فاشترى منزلاً عائلياً وأرضاً، وقرر إنشاء بحيرة صغيرة وزراعة الزنابق فيها.
استحضر مونيه بذور الزنابق من مصر وأميركا الجنوبية واليابان، لكى يحصل على ألوان الزنبق الأصفر والأرزق والأبيض، كما استعان بخبير زراعة ياباني لاستيراد البذور المطلوبة من اليابان، إذ كان مولعاً بنقوش الفنان الياباني كاتسوشيكا هوكوساي، الذي اهتم برسم النباتات الطافية على سطح الماء في نقوش صغيرة.
ابتكر مونيه واحداً من أكثر المشاهد حضوراً في أعماله الفنية في الفترة الأخيرة من حياته، وترك هذا المنزل والبحيرة مزاراً سياحياً يستقبل ملايين الزوار كل عام. كما رسم تلك البحيرة في أكثر أعماله الفنية نضجاً وجمالاً، ومنها لوحة "جسر فوق مستنقع نبات مائي"، والتي آلت إلى المجموعة الفنية لواحد من أهم المقتنين في تاريخ مصر في العصر الحديث، وهو محمد محمود خليل باشا وزوجته الفرنسية أميلين هيكتور لوس.
تاهيتي غوغان.. من أورساي للقاهرة
زينت اثنتان من لوحات الفنان بول غوغان (1848- 1903)، رائد تيار ما بعد الانطباعية، الجناح الأيمن من البهو الرئيسي للمتحف، وهما "مستحمات من تاهيتي.. الحياة والموت" و"منظر من جزر الدومينيك"، وتنتمى اللوحتان لمجموعة من إبداعات غوغان التي رسمها متأثراً بالحياة على جزيرة تاهيتى، التي انبهر بطبيعتها وألوانها وأساطير أهل الجزيرة عن الحياة والموت، وهي تعتبر رحلة فكرية قادته خلالها زوجته التاهيتية، فظل مسحوراً بحضور الألوان الجريئة حتى نهاية حياته.
لوحة "الحياة والموت" واحدة من أشهر مقتنيات محمود خليل أيضاً، واختيرت لتكون الملصق الأساسي لمعرض أورساي بفرنسا في عام 1994. وتكمن أهمية اللوحة في كونها من ضمن الأعمال الطليعية لتيار ما بعد الانطباعية، وأثرت في معظم فناني أوروبا في هذا الوقت.
منحوتات رودان
"المشاركة فى المسابقات العامة هي الطريق الأمثل أمام نحات شاب لاكتساب السمعة والاعتراف" هذا هو الوصف الذى قدم به موقع متحف أوغست رودان (1840- 1918) على الإنترنت، ووضعت الكلمة وصفاً للظرف الذى صمم فيه رودان تمثاله المسبوك من البرونز "النداء إلى السلاح" عام 1879، بهدف تقديمه في المسابقة التي أطلقتها الدولة الفرنسية لتصميم نصب تذكاري للدفاع عن باريس.
على الرغم من استبعاد التمثال من المسابقة فى المرحلة الأولى، فإن رودان عرف سريعاً طريقه إلى المجد والشهرة، حتى أن تمثاله "المفكر" الذي صممه عام 1882، لا يزال يستخدم كمرادف بصري حديث لكلمة الفلسفة.
وتمثال "المفكر" هو أحد أشهر إبداعات رودان على الإطلاق، ويوجد منه 28 نسخة بالحجم نفسه حول العالم، أغلبها مصنوع من البرونز على قاعدة حجرية.
وزين التمثالان قاعات عائشة فهمى، إضافة إلى تماثيل أخرى لرودان الذى كان محمود خليل باشا مولعاً بفنه.
تحفة معمارية
يقام المعرض بقصر عائشة فهمي، المطل على النيل، في حي الزمالك، ويعد المبنى نفسه ذا قيمة أثرية، إذ صممه المهندس الإيطالى أنطونيو لاشاك، وتم تسجيله رسمياً كمبنى أثري في 2010. بناه فهمي بن علي باشا، كبير ياوران الملك فؤاد، لابنته عائشة عام 1907، وتبلغ مساحته 2700 متر مربع، ويتكون من بهوين وقبو وسطح، وتعد غرف القصر تحفة معمارية وفنية رائعة، إذ تم نسج لوحات من الحرير والكتان، وزخارف أوروبية على جوانب الحوائط كلها.
وتحول القصر إلى مجمع للفنون عام 1975، لكنه أغلق لأكثر من 15 سنة بسبب أعمال ترميمه، التى تحول فيها قبو القصر إلى قاعة عرض فنون تشكيلية عملاقة تمتد مساحتها إلى 1000 متر مربع مجهزة بإمكانيات وإضاءات العرض المتحفي، ليعاود القصر فتح أبوابه أمام الجمهور في 2017، بسلسلة معارض "كنوز متاحفنا".
"مختارات الفن الأوروبي"، هو الإصدار الخامس بعد "ذاكرة الشرق" الذي عرض في يونيو الماضي، وقدم للجمهور مجموعة من أعمال المستشرقين الأوروبيين عبر موقع وزارة الثقافة المصرية، ضمن مبادرة "الثقافة بين يديك"، التي استهدفت تشجيع الناس على البقاء في المنزل أثناء كورونا.
وبدأت سلسلة "كنوز متاحفنا" بالإصدار الأول مع إعادة افتتاح القصر في 2017، ثم أقيم المعرض الثاني بعنوان "روائع النسيج الإسلامي والقبطي" 2018، ثم الإصدار الثالث معرض "ملامح عهد" الذي ضم مقتنيات أسرة محمد علي باشا.