إعادة ترميم مكتبة الموصل.. إحياء الثقافة والتاريخ

المكتبة المركزية بجامعة الموصل بالعراق، قبل إحراقها على يد تنظيم داعش في عام 2014 - الشرق
المكتبة المركزية بجامعة الموصل بالعراق، قبل إحراقها على يد تنظيم داعش في عام 2014 - الشرق
بغداد-إدريس جواد

لم يقتصر الدمار الذي لحق بمدينة الموصل العراقية، جرّاء سيطرة تنظيم داعش عليها في عام 2014، على الأبنية والممتلكات فحسب، بل طال المرافق الثقافية والعلمية وعلى رأسها المكتبة المركزية في جامعة الموصل التي لم يبقَ منها سوى الرماد بعد إحراقها من قبل عناصر التنظيم.

المكتبة التي أسست في عام 1967 خسرت نحو مليون مصدر ومرجع، في معظم التخصصات العلمية والأدبية والثقافية.

وعُرفت الموصل على مدى قرون بأدبائها وكتابها ومكتباتها الزاخرة بمؤلفات بلغات عدة، ويحاول أبناؤها اليوم استعادة كتبها المفقودة واستبدال المحروقة بأخرى جديدة، ضمن حملات عدة لإعادة ملء رفوف المكتبة المركزية التي خسرت جُلّ مخطوطاتها ووثائقها النادرة.

مكتبة عملاقة

الأمين العام للمكتبة المركزية في جامعة الموصل، سيف الأشقر، أكد في حديث لـ"الشرق"، أن المكتبة كانت واحدة من أضخم المكتبات العملاقة في المنطقة كونها تحتوي على مصادر علمية وفكرية قيمة.

بهو المكتبة المركزية في الموصل قبل عام 2014 - الشرق
بهو المكتبة المركزية في الموصل قبل عام 2014 - الشرق

وكانت المكتبة تضم 600 ألف مصدر باللغة العربية ونحو 400 ألف مصدر باللغات الأخرى، كالإنجليزية والإيطالية والإسبانية والفرنسية، إضافة إلى احتوائها على 10 آلاف كتاب نادر ومخطوط و30 ألف دورية و200 ألف أطروحة ورسالة في الماجستير والدكتوراة في التخصصات المتنوعة، فضلاً عن 7 آلاف مطبوع حكومي تعود إلى تأسيس الدولة العراقية عام 1921، بحسب الأشقر، الذي كشف أن "للمكتبة أهمية وتأثيراً في واقع المجتمع الموصلي والمجتمع العراقي، فضلاً عن بعض الدول التي كان طلابها يقدمون إلى العراق من أجل الدراسة، كالأردن ومصر. كما كانت تتسع لمراجعة 1000 شخص يومياً، والاستعارات الخارجية كانت تبلغ نحو 250 استعارة، فضلاً عن احتوائها على مليون و500 ألف نسخة إلكترونية".

المكتبة المركزية بجامعة الموصل، قبل إحراقها في 2014 - الشرق
المكتبة المركزية بجامعة الموصل، قبل إحراقها في عام 2014 - الشرق

وكشف الأمين العام للمكتبة أن محتواها "أحرق بأكمله وتحول إلى رماد في ليلة وضحاها، واليوم هناك مساعٍ لإعادة الترميم وإنقاذ الكتب من بين الركام والحطام"، متوقعاً إعادة افتتاح المكتبة خلال عام واحد، لتكون جاهزة لاستقبال الطلبة من جديد. 

جهود تطوعية

وأوضح الأشقر أن "ترميم المكتبة جاء نتيجة جهود تطوعية مدنية، سواء من شباب الموصل أو من المحافظات العراقية، إلى جانب منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدولية، سواء كان دعماً بالأجهزة والمعدات، كما أرسلت المكتبات العراقية بشكل عام نسخاً إلى المكتبة المركزية في الموصل لإعادة إحيائها".

وشكا الأشقر "قلة الدعم المادي في إعادة ترميم المكتبة وغياب المخصصات المالية من ميزانية الدولة، لإعادة إحيائها، شاكراً "بعض الجهود الفردية والذاتية من أجل إدامة العمل وإعادة المكتبة إلى واقعها السابق".

وتقدر مساحة مكتبة الموصل بنحو 2500 متر مربع، مكونة من 4 طوابق و36 قاعة مطالعة، ما يجعلها الكبرى في المحافظة من حيث المساحة والتنوع.

بهو المكتبة المركزية في الموصل قبل عام 2014 - الشرق
بهو المكتبة المركزية في الموصل قبل عام 2014 - الشرق

إهداءات لإعادة البناء

أستاذة المكتبات والمعلومات في "جامعة الموصل" رواء صلاح الدين، قالت لـ"الشرق" إن "المكتبة المركزية تتبع نظام (ديوي العشري) في تصنيف المصادر التي تقتنيها وفهرستها، حتى يسهل البحث عنها باسم المؤلف والعنوان أو الموضوعات"، مشيرة إلى أنها تتبع قواعد الفهرسة الأنغلو-أميركية، وإلى جانب "الفهرس البطاقي" كانت المكتبة في طور بناء فهرس آلي باستخدام نظام (كوها) المتكامل لإدارة المكتبات. 

المكتبة المركزية بعد الاحتراق - الشرق
المكتبة المركزية بعد الاحتراق - الشرق

وأكدت صلاح الدين أنه "كان للجامعة مكانتها المهمة والبالغة لدى الباحثين من طلبة الدراسات العليا والأساتذة وطلاب الجامعة، وذلك لاحتوائها على مجموعة كبيرة من الكتب المرجعية الرصينة والدوريات العربية والأجنبية والمخطوطات النادرة"، لافتة إلى أنها حالياً تعيد فهرسة وتصنيف الكتب التي تصلها عن طريق المنظمات والإهداءات. 

وأوضحت أنه "تم إنقاذ مجموعة لا بأس بها من المصادر بجهود الخيّرين، وكذلك يتم بناء مجموعة المكتبة من جديد عن طريق الإهداءات من المنظمات والمكتبات العربية والعالمية، فضلا عن مكتبة إلكترونية بقواعد بيانات المكتبات العالمية.

حريق متعمد

وبحسب القائمين على إعمار المكتبة، فإن ترميمها قطع أشواطاً مهمة، كما قال أستاذ التاريخ الحديث في "جامعة الموصل"، إبراهيم العلاف لـ"الشرق".

وأضاف: "بدأ فريق الجامعة بجمع الكتب من جديد، كما أن هناك تبرعات من مكتبة الإسكندرية في مصر وبعض المكتبات المحلية"، مؤكداً أن "المكتبة سيتم افتتاحها قريباً وسيلقي كلمة في تلك المناسبة".

ووفقاً للعلاف، فإن "المكتبة كانت تحتوي على أكثر من مليون كتاب، إلى جانب معظم المجلات العالمية، وجناح للأمم المتحدة وآخر لفلسطين وثالث لسوريا، فضلاً عن وثائق مهمة وتاريخية تم جلبها من بريطانيا في عام 1977 تتضمن معلومات عن التعليم في العراق في فترة الاحتلال البريطاني ووضعها في المكتبة".

بعض الوثائق الناجية من حريق المكتبة المركزية في الموصل
بعض الوثائق الناجية من حريق المكتبة المركزية في الموصل - الشرق

وقال العلاف لـ"الشرق": "أعتقد أن حريق المكتبة كان متعمداً من قبل تنظيم داعش، من أجل محو الثقافة العراقية نظراً لما تحتويه من خزين وإرث تاريخي كبير. وهناك مقولة لكاتب فرنسي تقول: حيث ما تُحرق الكتب، يُحرق الإنسان".

وتوقع العلاف أن تعود المكتبة كما كانت في السابق، "فالموصل مدينة متحضرة وتعطي قيمة للكتاب، وهي عبارة عن مكتبة كبيرة، إذ لا يوجد بيت بالموصل ليس فيه مكتبة".

المكتبة المركزية في الموصل بعد الحريق في 2014 - الشرق
المكتبة المركزية في الموصل بعد الحريق في 2014 - الشرق