مايكل شافيز: ولادة ابنتي أكثر لحظة عاطفية صوّرتها في حياتي

في وداع البابا فرنسيس في روما تصوير مايكل شافيز. أبريل 2025 - chavezphoto.com
في وداع البابا فرنسيس في روما تصوير مايكل شافيز. أبريل 2025 - chavezphoto.com
القاهرة-سها محمد

يقال إن "صورة واحدة بألف كلمة"، وخلال عمله الذي امتدّ لأكثر من 15 عاماً في صحيفة "واشنطن بوست"، استطاع المصوّر الأميركي من أصل بيروفي، مايكل روبنسون شافيز، الحصول على جائزة "بوليتزر" مرتين، وهي أرفع الجوائز الصحفية عالمياً، تقدّمها سنوياً جامعة كولمبيا الأميركية منذ عام 1917.

وخلال عمله في أكثر من 75 دولة، قدّم مايكل روبنسون شافيز توثيقاً مصوّراً لحرب حزب الله وإسرائيل عام 2006، والغزو الأميركي للعراق، وتأثير تغيّر المناخ على خليج البنغال، والغزو الروسي لأوكرانيا، وانهيار فنزويلا، والعنف في المكسيك، والثورة المصرية، وغيرها من القصص الإنسانية والسياسية. 

"الشرق" التقت شافيز خلال مشاركته في فعاليات أسبوع القاهرة للصورة.

المصوّر شافيز
المصوّر شافيز - chavezphoto.com

حصلت على جائزة "بوليتزر" مرتين، فما هي الأعمال التي فزت بها؟

كنت محظوظاً بأن أكون ضمن فريقين رائعين أثناء عملي في صحيفة "واشنطن بوست". عام 2020فزنا بجائزة بوليتزر في فئة "الصحافة التفسيرية" أو "Explanatory Journalism"، عن تغطية نُشرت عام  2019 حول التأثيرات العالمية لارتفاع درجات الحرارة. 

سافرت إلى كاليفورنيا وسيبيريا للعمل على هذه القصّة، وكانت تجربة مميزة، وأنا فخور جداً بأن عملاً يسلط الضوء على أزمة المناخ،  وهي قضية أكرّس لها الكثير من جهدي، نال هذه الجائزة الرفيعة.

إحدى صور شافيز
إحدى صور شافيز - chavezphoto.com
أوكرانيا عام 2022
أوكرانيا عام 2022 - chavezphoto.com

أما الجائزة الثانية، فكانت في فئة الخدمة العامة، وحصلنا عليها عن تغطية صحيفة "واشنطن بوست" لمحاولة الانقلاب على مبنى الكابيتول في واشنطن العاصمة، في السادس من يناير2021.

إحدى صور شافيز
إحدى صور شافيز - chavezphoto.com

تلقيت أول كاميرا لك كهدية من صديقك قبل رحلة إلى بيرو. كيف غيّرت هذه اللحظة حياتك؟

كنت وقتها في التاسعة عشرة، ولم أكن أعرف ما أريد فعله في الحياة ولا ما سيكون عليه مستقبلي المهني، لكن هذه الرحلة إلى بيرو غيّرتني تماماً، ربما أكثر مما غيّرني امتلاك كاميرا للتصوير.

وقعت هناك في حب أميركا اللاتينية وبيرو، وقابلت للمرّة الأولى معظم أفراد عائلتي، واكتشفت بيرو الدولة المليئة بالحيوية والجمال، الذي يوقظ الحواس وكانت رحلاتي اللاحقة إلى بيرو فرصة لالتقاط الكثير من الصور.

هل بدأ وقتها شغفك بالتصوير الصحفي؟ 

كانت بيرو مصدراً للإلهام، وعلّمت نفسي التصوير في الشارع والأماكن العامة. في البداية، كنت أركز على تصوير ركوب الأمواج بمعدّات مخصّصة للتصوير تحت الماء، ورغم استمتاعي لكني اكتشفت أنني كنت أفضّل ممارسة رياضة ركوب الأمواج أكثر من تصويرها.

إحدى صور شافيز
إحدى صور شافيز - chavezphoto.com

كان أخي الأكبر حينها يدرس الصحافة في سان فرانسيسكو، وهي الجامعة التي التحقت بها لاحقاً، و أهداني كتاباً بعنوان "In Our Time"أو "في عصرنا"، وهو كتاب يستعرض أعمال مصوّري وكالة "Magnum Photo" ، والحقيقة أن شيئاً ما تبدّل داخلي، وبدأت أفكر كيف يمكن فعل كل هذا التأثير من خلال الكاميرا، ووقتها أدركت أنني أريد توثيق قصص الناس وروايتها من خلال الصورة.

عملت في أكثر من 75 دولة مع وسائل إعلام مختلفة، كيف تستعد لكل مهمة؟

كل مهمة صحفية تتطلب تحضيراً خاصاً، لكن الأهم هو البحث الذي أصبح الآن أكثر سهولة بسبب الإنترنت، وأعني ضرورة المعرفة قدر الإمكان عن البلد الذي تسافر إليه؛ اللغة والمواقف الثقافية تجاه الغرباء والمصوّرين، القصة التي تحاول حكايتها، والأعمال الأدبية أو أفلام معيّنة تساعدك على فهم القصة بشكل أكبر لتقديمها. 

 الجزء الآخر هو المعدات التي قد تحتاجها، والقيود التي تفرضها الحكومات على تغطية بعض الموضوعات، ويجب أن يكون كل ذلك حاضراً أمامك، وأخيرا يجب أن تضع في ذهنك أن عليك مسؤولية تجاه الأشخاص الذين ستصوّرهم، وأنهم يعتمدون عليك في رواية قصّتهم بإنصاف.

شجرة مضاءة في إحدى شوارع ليبيريا تصوير شافيز
شجرة مضاءة في إحدى شوارع ليبيريا تصوير شافيز - chavezphoto.com

هل أن التقاط صورة جيدة تترك أثراً حقيقياً على الجمهور هو مسألة حظ أم تخطيط؟

المصوّر المحترف يصنع حظه بنفسه؛ الأمر يتوقف على المصوّر ليكون في المكان والتوقيت المناسبين، وخصوصاً تغطية الأخبار؛ وهو يفكّر في اتجاه الخبر وتبعاته، وأين يمكن أن تظهر هذه التبعات ويمكن تصويرها.

 المصوّر المحترف يسبق الخبر، وهو أمر بالغ الأهمية، فأسوأ شيء أن تكون متأخراً وتحاول اللحاق بتغطية القصّة، وغالباً ما يكون ذلك مستحيلاً. 

نعم يلعب الحظ دوراً؛ الإضاءة، المشهد، المشاعر الموجودة في اللحظة كلها، أشياء تجتمع لتصنع صورة مهمّة ومؤثرة، لكن على المصوّر أن يتعلم التوقّع وكيف يمكنه الحصول على أفضل فرصة، بناء على خبرته ومعرفته بالقصة، وتعاونه مع الأشخاص الذين يعمل معهم. 

إحدى صور شافيز
إحدى صور شافيز - chavezphoto.com

نرى الآن بشكل واضح في مناطق الصراعات استهداف الصحفيين والمصوّرين. من تجربتك، ما هي خطوات حماية المصوّرين لأنفسهم؟

إذا كان المصوّر في منطقة نزاع، فلا بد من الخضوع لتدريب متخصّص، ويشمل ذلك الإسعافات الأولية؛ فقد يعتمد زميل أو شخص ما على قدرتك على مساعدته، كما يجب عليك معرفة أطراف النزاع ومواقفهم تجاه الصحفيين، ومن حكومة الدولة التي تحمل جنسيتها، ومن المعتقدات الدينية وأيضاً الثقافية.

 للأسف نرى الكثير من الصحفيين يفتقرون لهذا الجزء تحديداً، عند العمل في بعض المناطق الأكثر حساسية في العالم.

فيضان فالنسيا
فيضان فالنسيا - chavezphoto.com

ما هي أصعب أو أكثر قصّة مؤثرة قمت بتصويرها؟

أكثر لحظة عاطفية صوّرتها في حياتي كانت ولادة ابنتي، فهي لحظة لا يوجد مثلها في حياتي. 

أما من حيث القصص، فالأمر ليس سهلاً؛ غطيت العديد من القصص المؤثرة، أذكر أني صوّرت والديّ مراهق، كان قد قُتل في ضواحي بالتيمور بولاية ماريلاند، وقضيت بعض الوقت معهما وكانت تجربة قاسية للغاية.

كما أن تغطية حوادث إطلاق النار الجماعي المتكررة في الولايات المتحدة، مؤلمة وتظهر فيها الدولة وقد فقدت صوابها فيما يتعلق بالسلاح، ومن أصعب القصص التي غطيتها أيضاً، كانت حادثة إطلاق النار الجماعي المتعمد ضد مجتمع من اللاتينيين في إل باسو، تكساس، عام 2019. 

كانت تجربة مؤلمة للغاية، رغم أن الناس هناك كانوا يتمتعون بقدر كبير من الكرم والطيبة، رغم ما تعرضوا له من ألم على يد إرهابي، استلهم فكره من الخطاب العنيف الذي كان يروّج له ترمب عن "غزو المهاجرين".

غطّيت الثورة المصرية عام 2011، ما هي الصورة الأهم التي التقطتها حينها؟

كانت الثورة المصرية حدثاً استثنائياً بالفعل، ومن بين كل الصور التي التقطتها، تظل صورة واحدة عالقة في ذهني وهي لحظة نادرة من الفرح، رفع المتظاهرون خلالها رجلاً على كرسي متحرك، وسط حشد ضخم في ميدان التحرير. كانت لحظة استثنائية، وكنت في المكان المناسب تماماً لالتقاطها.

أيضاً شهدت في تلك الأيام، العديد من اللحظات التاريخية، منها هجوم الجِمال على ميدان التحرير، ليلة سقوط مبارك.

في رأيك ما الذي يمكن للصورة أن تقوله ولا تستطيع الكلمة أن تعبّر عنه؟

الأمر لا يتعلق بما تقوله الصورة فحسب، بل بالطريقة التي تقولها به؛ الصورة تمتلك قدرة على التأثير الفوري، وتترك أثراً دائماً في الذاكرة، والصورة الجيدة لا تقدّم إجابات، بل تثير الأسئلة، وتُحرّك المشاعر. أؤمن أن العديد من الأشكال الأخرى للسرد، كالقصص المكتوبة أو الروايات أو المسرحيات، يمكن أن تحقّق تأثيراً مشابهاً، لكنها تحتاج وقتًا أطول وتجربة أكثر تعقيداً.

في عصر البثّ المباشر هل تعتقد أن التأثير القوي للصورة الفوتوجرافية لا يزال موجوداً؟

أعتقد أن الصور القوية ما زالت تحتفظ بقوتها حتى اليوم، صحيح أن الذوق البصري تغيّر، والتصوير الصحفي- كغيره من الفنون- يتأثر بذوق المحرّرين والتيارات الرائجة في كل فترة، سواء كانت أساليب مثل الإضاءة المباشرة بالفلاش، أو الألوان الباهتة، أو الصور ذات الإضاءة العالية، لكن ما يجب أن نحذره هو ما أسميه "تحويل أعمالنا إلى إنستجرامات"، أي أن نعتمد على التكوين البصري اللافت والألوان الجذابة كوسيلة للتأثير، بدلا من التركيز على جوهر الصورة، والمضمون، والشخصيات التي نصوّرها.

ما النصيحة التي تقدّمها دائماً للمصوّرين الصحفيين الشباب؟

إذا لم تكن لديك وظيفة ثابتة ضمن طاقم صحيفة أو مؤسسة إعلامية، فمن شبه المستحيل أن تعمل بشكل مستقل وتؤسس أسرة؛ فالأمر غير مجد مادياً، ورغم أن عدد المنصات التي تنشّر الصور ارتفع، لكن الكثير منها لا يقدّم أي مقابل مادي.

أما الجانب المشجّع فهو أن عدد المنح والمهرجانات والفرص للمصوّرين الناشئين في تزايد، وهذا شيء لم يكن موجوداً قبل 10 أو 20 عاماً، وعلى المصوّرين الطموحين استغلال هذه الفرص. كما أن هناك توجهاً بدعم المصوّرين المحليين ومنحهم فرصاً أكبر.

هناك أيضاً ورش وتدريبات متاحة عبر الإنترنت، مثل Foundry Photojournalism Workshops، وأشجع الجميع على التقديم فيها.

 في النهاية تبقى الصورة القوية قادرة على اختراق ضجيج هذا العصر، إذا كانت صادقة ومبنية على محتوى إنساني حقيقي.

تصنيفات

قصص قد تهمك