نجوجي وا ثيونجي.. الكاتب الأسمر الذي حاكم الاستعمار

الأديب الكيني نجوجي وا ثيونجو أثناء توقيع كتابه في نيروبي. (2015) - alkambatimes.com
الأديب الكيني نجوجي وا ثيونجو أثناء توقيع كتابه في نيروبي. (2015) - alkambatimes.com
الجزائر-عبد الرزاق بوكبة

حين ولد الكاتب نجوجي وا ثيونجي عام 1938، كانت كينيا قد تحوّلت من محمية إلى مستعمرة بريطانية عام 1920، وما لبثت أن اندلعت فيها انتفاضة "ماو ماو" عام 1952، التي مهّدت للاستقلال الوطني عام 1963، رغم بقاء البلاد في إطار الكومنولث. 

من هنا، لا يمكن قراءة المشروع الأدبي والمسرحي والفكري لصاحب "بتلات الدم"، خارج نزعة التمرّد على المركزية الاستعمارية الغربية، والانحياز للهوية المحلية والإفريقية بصفتها معطى متجذّر في المكان والوجدان.

معركة الاسم

بدأت هذه النزعة لدى الكاتب الذي رحل، الثلاثاء، بتخليه عن اسم "جيمس" الذي هو من أسماء "يعقوب" في المخيال الغربي، لصالح اسم "نجوجي" ويعني الممسك بالحق في المخيال الكيني، وكأنه أراد القول إن معركة الانعتاق الثقافي، تبدأ بالاسم الذي هو العلامة الأولى الدالة على هوية الشخص. 

ولأن "اللغة هي بيت الكينونة" بتعبير الفيلسوف الألماني مارتن هيدغر، فقد تنازل وا ثيونجو عن اللغة الإنجليزية، التي كان سباقاً في النشر بها على مستوى القرن الإفريقي، من خلال روايتيه "لا تبك أيها الطفل" عام 1964، و"حبة قمح" عام 1967، حين كان طالباً في جامعة "ليدز"، لصالح لغته المحلية  "الكيكويو". 

انفصال عن لغة المستعمر

احتاج الكاتب إلى شجاعة كبيرة ليصل إلى هذا القرار، الذي استبدل بموجبه اللغة الأولى في العالم، التي أوصلته إلى أن ينشر في دار "هاينمان" واسعة الانتشار، وهي خصّصت سلسلة للكُتّاب الأفارقة، بكل ما يترتب عن ذلك من امتيازات، واعتناق لغة هامشية لا تتحدثها إلا أقلية في المنطقة المحصورة بين نيري ونيروبي، حيث يصعب العثور على قرّاء ناهيك عن إيجاد مترجمين. 

كان لا بد أن يفعل ذلك، حتى ينسجم مع مسعاه إلى ما أسماه "تصفية العقل من الاستعمار"، وتأتي اللغة في طليعة أدوات تلك التصفية الثقافية. 

يقول: "لا يمكن إجلاء الاستعمار على مستوى المكان، وإبقاؤه على مستوى اللسان، فسيظل الإنسان المستعمَر مستعمَراً إلى الأبد" .

"K 677" رقم في زنزانة

التقطت سلطة الرئيس دانيال آراب موي موقف وا ثيونجو، تسع سنوات بعد الانفصال الشكلي عن بريطانيا، وعشر سنوات على انعقاد "مؤتمر ماكيريري للكُتّاب الأفارقة باللغة الإنجليزية"، على أنه تمرّد على إيديولوجيتها، فسجنته بتهمة "تشكيل خطر على الأمن العام"، أسبوعين بعد النجاح الشعبي لمسرحيته "سأتزوج متى أردت".

حاولت السلطة كسر إرادته، بجعله مجرد رقم في زنزانة. لكن الرقم "K 677" اتخذ من ورق المرحاض خشن الملمس، أداةً لكتابة روايته "شيطان على الصليب"، التي قال فيها "إن الاستعمار التقليدي لم يزد عن أن غيّر جلده، بجلد حديث أي الإمبريالية الجديدة، حيث غادر الأرض، لينوب عنه عملاؤه من أبنائها، في تسخير خيراتها له، متدثرين بالدين"، وهذا ما يفسّر عنوان الرواية. 

خصومات إيديولوجية

لم يُواجه الأب الروحي للأفريقانية، من قِبل السلطة الحاكمة فقط، بل أيضاً من قِبل بعض الزملاء الكُتّاب الذين كانوا يرون الكتابة باللغة الإنجليزية مكسباً حضارياً. 

فلئن قال الكاتب الجزائري كاتب ياسين، إن اللغة الفرنسية غنيمة حرب، فقد كان الروائي النيجيري تشينوا أتشيبي يرى أن الكتابة باللغة الإنجليزية، حتمية جمالية وحضارية، فكان في طليعة منتقدي واثيونجو، بعد أن كان في طليعة مادحيه، إذ قرأ روايته "لا تبك أيها الطفل"، حين كانت مخطوطاً، وكان سبباً في وصولها إلى دار "هاينمان". 

لم تجعل هذه العلاقة المبكرة بين الكاتبين، أتشيبي يشعر بأن "تلميذه" بصق في يده فقط، بل عمل أيضاً على تعطيل مخرجات "مؤتمر ماكيريري" الهادفة إلى ترسيم الإنجليزية لغة للأدب الأفريقي، من خلال تأثير دعوته في قطاع واسع من الكُتّاب الأفارقة الشباب، بما يشبه تحوّله إلى تيار أدبي مؤمن بالخصوصيات واللغات الأفريقية. 

نهاية سعيدة

ولأن الإيمان بالطريق شرط من شروط الوصول، فإن تمرّد وا ثيونجو أوصل نصوصه الأدبية المقلّة أصلاً، بسبب غرقه في التنظير والتدريس والمسرح والكتابة للصحافة، إلى لغات عدّة في القارات الخمس، منها اللغة العربية التي استقبلت ثلاث روايات له، وكتابه المفصلي "تصفية استعمار العقل" بترجمة مبدعة للشاعر سعدي يوسف. 

ومن المفارقات أنه انتهى مدرّساً للأدب المقارن ودراسات الأداء، في الجامعات الأميركية، ومنها جامعة "ييل" وجامعة كاليفورنيا وجامعة نيويورك، كما أدار "المركز الدولي للكتابة والترجمة"، هو الذي بنى مجده الأدبي، على مناهضة الإنجليزية لغة للكتابة. 

جوائز قليلة

ما بين عامي 1973 و2016، لم يحظ وا ثيونجو إلا بجوائز قليلة، منها جائزة "لوتس للأدب"، وجائزة "بارك كيونغ - ني"، مع وصوله إلى القائمة القصيرة لجائزة "بوكر" العالمية.

تردّد اسمه في كواليس جائزة نوبل للأدب عدة أعوام. فهل تمرّده على المركزية الغربية هو ما جعلها تتخطاه إلى غيره من الأفارقة، ومنهم عبد الرزاق قرنح من تنزانيا اللصيقة بكينيا؟ 

تصنيفات

قصص قد تهمك