فنون مصر تتفاعل مع أم كلثوم في ذكرى رحيلها

لوحة للفنان المصري عمر عبد الظاهر. 19 أغسطس 2025  (تصوير: سها محمد) - الشرق
لوحة للفنان المصري عمر عبد الظاهر. 19 أغسطس 2025 (تصوير: سها محمد) - الشرق
القاهرة-سها محمد

خمسون عاماً مرّت منذ أن رحلت كوكب الشرق أم كلثوم بجسدها عن عالمنا، لكن حضورها الطاغي، وصوتها المُعجز، وأغنياتها الساحرة، استمرت في حياة المصريين والعرب، بل تجاوز حدود العالمية.

وبالمناسبة، شهدت القاهرة افتتاح معرض "صوت مصر"، الذي يقدّم رؤية لأم كلثوم وعصرها، تعتمد على تفاعل الفن التشكيلي مع سيدة الغناء العربي، وتأثّره بشخصيتها وفنها، من خلال التماثيل والمنحوتات واللوحات المختلفة، فضلاً عن مجموعة من مقتنياتها الشخصية، التي اشتهرت بها، من ملابس أنيقة، ونظّارات شمسية مرصّعة بالألماس، وكذلك المذكرات والرسائل والأوسمة، وعشرات الكتب التي صدرت عنها.

يمثّل "صوت مصر" تجربة استثنائية، إذ تُعرض سيرة أم كلثوم بصيغة بصرية مختلفة، تتقاطع فيها الفنون التشكيلية مع الأرشيف الصحفي والذاكرة الغنائية، لتقدم صورة متكاملة عن واحدة من أهم الرموز الثقافية في تاريخ مصر الحديث. 

من أرشيف وداع أم كلثوم
من أرشيف وداع أم كلثوم - الشرق

وقال الدكتور أحمد فؤاد هنّو، وزير الثقافة المصري في حفل الافتتاح، "إن المعرض يجسّد عبقرية كوكب الشرق، بوصفها رمزاً استثنائياً للهوية المصرية، ويمثّل مساحة ملهمة تتلاقى فيها الفنون التشكيلية مع الذاكرة الغنائية والمقتنيات النادرة، ويقدّم صورة متكاملة عن أم كلثوم كقيمة خالدة في الضمير الوطني والعربي".

وفي تصريح خاص لـ"الشرق"، قال د. وليد قانوش، رئيس قطاع الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة المصرية: "إن متحف أم كلثوم في النيل، يضم مقتنياتها الخاصة، وهو متحف دائم وله سيناريو عرض ثابت، على عكس معرض "صوت مصر"، الذي يقدّم التناول التشكيلي المرتبط بالفنان ورؤيته الشخصية لفن أم كلثوم".

لوحة للفنان طاهر عبد العظيم
لوحة للفنان طاهر عبد العظيم - الشرق
بيكار وأم كلثوم
بيكار وأم كلثوم - الشرق

أضاف: "يجمع المعرض بين أعمال الفنانين الراحلين والمعاصرين، لكن وسط هذا التنوّع، هناك إجماع على قوّة وشموخ وتأثير شخصية أم كلثوم، التي تظهر بشكل مختلف في كل عمل"، مؤكداً أن هذه المعارض "تلعب دوراً في إعادة قراءة فترة مهمّة من تاريخ مصر الفني والثقافي، ظهر فيها عدد من الشخصيات المؤثرة". 

يشارك في المعرض 29 فناناً من أجيال واتجاهات مختلفة، قدّموا أعمالاً متنوّعة في مجالات التصوير والنحت، جسّدت جميعها حجم الإلهام الفني والثقافي الذي شكّلته أم كلثوم على مدار عقود.

ويضم المعرض قسماً توثيقياً خاصاً بمسيرة كوكب الشرق في الصحافة المصرية، على مدى قرن كامل، من خلال نُسخ أصلية من الصحف والمجلات التي أرّخت لمشوارها الفني والإنساني.

إحدى قاعات المعرض
إحدى قاعات المعرض -الشرق

وفي مدخل قصر عائشة فهمي بالزمالك، حيث يقام المعرض، ويستمر حتى 15 نوفمبر، وبينما تصدح أنغام أغنيات أم كلثوم، يستقبل الحضور تمثال أنيق لكوكب الشرق وهي جالسة مُمسكة بمنديلها الشهير، للفنان طارق الكومي، بينما تصطفّ على جانبي القاعة الرئيسية، مجموعة الرسوم الكاريكاتيرية للفنان بيكار، المصاحبة لمذكرات أم كلثوم، والأوراق المكتوبة بخط الشعراء الذين كتبوا أغنيات كوكب الشرق، مثل الشاعر أحمد شفيق كامل، الذي كتب أغنيات ليلة حب وأنت عمري، والشاعر جورج جرداق مؤلف "هذه ليلتي".

وفي القاعات الجانبية،  تظهر  أعمال الفنانين ومنها تمثال الفنان جمال السجيني، الذي التقط فيه روح أم كلثوم على شكل تمثال ينتمي إلى المدرسة التكعيبية.

من المعرض
من مقتنيات الست المعرض - الشرق

يري الناقد والكاتب الصحفي سيد محمود، الذي شارك في الإعداد للمعرض، والمساهمة بمجموعة من مقتنياته من الكتب، "أن المعرض هو أوّل احتفال قومي بأم كلثوم بمناسبة مرور 50 عاماً على رحيلها؛ وكان من الضروري أن يضم قسماً خاصاً بالكتب الصادرة عن حياتها، التي عرضنا منها نحو 40 كتاباً، غطّت مراحل مختلفة من حياتها".

وأشار إلى أن بعض هذه الكتب حمل رؤى مختلفة وأحياناً_ استفزازية_ عن تجربة الست"، مثل كتاب "الهوى دون أهله" للكاتب اللبناني حازم صاغية، وكتاب "بوب آرت أم كلثوم" للصحفي اللبناني محمد الحجيري، وكتاب "أم كلثوم والأتراك" الذي صدر هذا العام في تركيا، للكاتب مراد أوزيلدريم، الذي يثبت تأثر الموسيقى التركية بأم كلثوم، فضلاً عن كتاب "صوت مصر.. أم كلثوم والأغنية العربية والمجتمع المصري في القرن العشرين" للكاتبة الأميركية فرجينيا دانيلسون، وهو واحد من أهم الكتب، ومنه اشتقّ اسم المعرض".

من مقتنيات أم كلثوم
من مقتنيات أم كلثوم - الشرق

وأكد محمود أن أم كلثوم "تحوّلت إلى عنوان لليل القاهرة، وصوت يومي مصاحب للمصريين، وهي بالتالي ثروة قومية متجددة، وحقل إبداع لا ينضب على مرّ السنين".

من المعرض
من المعرض - الشرق

يشغل الطابق الثاني من القصر، عدد من  الأعمال الحديثة، ومنها لوحة تظهر فيها أم كلثوم على المسرح بصحبة العازفين من فرقتها، بينما تتناثر في اللوحة الرموز الموسيقية، للفنان التشكيلي الدكتور طاهر عبد العظيم، الذي أكد أن "أم كلثوم لم تكن مجرد صوت جميل، بل حالة متكاملة من الشعراء وكُتّاب الأغاني، والملحنين والعازفين، بل وحتى جمهور المستمعين، وقد حاولت أن أعكس هذه الحالة البديعة التي تمثّل جزءاً من وجدان الشعب المصري، وتاريخه، فخرجت في شكل سيمفونية تشكيلية".

ملابس الست
ملابس الست - الشرق

واعتبر د. سعيد سيد، أستاذ التصميمات البصرية، الذي قدّم تجربة مختلفة في المعرض، ولوحة ثلاثية الأبعاد لأم كلثوم، "أن فكرة التعبير البصري عن الموسيقى والأغاني والألحان، تحتاج إلى معالجة مختلفة، وهو ما حاولت تقديمه في العمل، من إحساس الشجن على ملامح أم كلثوم، مروراً بتحويل الموسيقى إلى معادل شكلي من الإيقاعات الخطية، وظهور علم مصر، لأن أم كلثوم الرمز الذي يمثّل الوطن، وخصوصاً مع مشاركاتها لصالح المجهود الحربي بعد حرب 1967".

عرض مسرح العرائس لحفلات أم كلثوم في افتتاح المعرض
عرض مسرح العرائس لحفلات أم كلثوم في افتتاح المعرض - الشرق

في المعرض، ظهرت أيضاً لوحة حديثة بعنوان "الهرم الرابع" لأستاذ التصميم في كلية التربية الفنية، د. أحمد عبد الكريم : "نشأت على صوت أم كلثوم، ومن أجل هذا العمل، استدعيت المخزون الثقافي والفني الذي تركته أم كلثوم في شخصيتي، وهو بالنسبة لي بمثابة هرم مصر الرابع في الموسيقى؛ واللوحة تظهر هرماً داخله المصريون بجميع أطيافهم بطريقة تجريدية، وفوق قمّة الهرم مراكب الشمس التي تتجه نحو الحقيقة، وتحمل أم كلثوم".

ضمّ المعرض أعمال فنانين روّاد معاصرين، مثل حسين بيكار، وسيف وانلي، وصلاح طاهر، وجمال السجيني، وجورج البهجوري، وسعيد سيد، وعماد إبراهيم، وحنفي محمود، وخالد سرور، وجيهان سعودي، وكاريل حمصي، وغيرهم.

كما تمّ تخصيص جناح خاص يستعرض تاريخ أم كلثوم، من خلال ما نُشر عنها في المجلات والصحف المصرية، وعدد من الرسائل التي تلقتها، وأبرزها رسائل من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، تشيد بجهودها الكبيرة في دعم القوات المسلحة و"المجهود الحربي".

تصنيفات

قصص قد تهمك