لم ينتظر الكاتب التنزاني عبد الرزاق جرنه إعلان فوزه بجائزة نوبل للآداب 2021 رسمياً، الخميس، وأعلن قبل المؤتمر الصحافي للأكاديمية السويدية بأكثر من 3 ساعات، فوزه بها عبر حسابه على تويتر.
لم يلحظ أحد الأمر، ربما لأن عدد متابعيه لم يكن يتجاوز 500 شخص، لكن بعد الإعلان الرسمي بدأت متابعته.
ويبدو جرنه اسماً غريباً على متابعي الأدب في المنطقة العربية، فعلى الرغم من أصول عائلته العربية، وتقاطع موضوعاته مع انشغالات الثقافة العربية، فإن هناك غياباً تاماً لأعماله عن لغة الضاد، إذ لم تترجم أي من رواياته العشر أو قصصه القصيرة إلى العربية.
ويعتبر جرنه الكاتب الإفريقي الخامس الحاصل على الجائزة، وسبقه إليها الكاتب النيجيري وولي سوينكا عام 1986، والمصري نجيب محفوظ عام 1988، والجنوب إفريقية نادين جورديمير عام 1991، ومواطنها جي إم كوتزي عام 2003.
واعتبرت الحكومة التنزانية، بحسب وكالة "فرانس برس"، أن تكريم جرنه "فوزاً لتنزانيا وللقارة الإفريقية برمتها"، فيما قال جرنه: "أهدي جائزة نوبل هذه لإفريقيا والأفارقة ولجميع قرائي. شكراً!".
"اللاجئون ثروة"
وفي أول رد فعل على فوزه اعتقد جرنه أن الأمر "مزحة" عندما اتصلت به الأكاديمية السويدية، وقال لوكالة رويترز: "أعتقد أنه أمر رائع حقاً.. أنا ممتن جداً للأكاديمية السويدية لترشيحي وترشيح عملي".
وأضاف: "إنه شيء عظيم، إنها جائزة كبيرة حقاً وقائمة ضخمة من الكُتاب الرائعين، ما زلت أستوعب الأمر".
ودعا في مقابلة مع مؤسسة نوبل، دول أوروبا إلى التعامل مع اللاجئين باعتبارهم "ثروة"، موضحاً: "هؤلاء لا يأتون فارغي الأيدي، إن كثيرين منهم يأتون بدافع الضرورة، ولأنهم بصراحة يملكون ما يقدمونه، وهم لا يأتون فارغي الأيدي"، داعياً إلى تغيير النظرة إلى "أشخاص موهوبين ومفعمين بالطاقة".
وقال في تصريحات لوكالة "بي ايه" البريطانية: "لم أستوعب بعد أن الأكاديمية قررت تسليط الضوء على هذه الموضوعات المتجذرة في أعمالي كلها، ومن المهم التطرّق إليها والتناقش فيها".
اختيار من خارج التوقعات
حصول جرنه على الجائزة بدا مفاجأة لكثيرين، خاصة أن اسمه لم يتردد في التوقعات التي سبقت الجائزة ولم يطرح في مكاتب المراهنات، حتى أن ناشره في السويد هنريك سيلاندر، قال للصحافيين إنه لم يكن يتخيل يوماً أن يحصل عليها.
وقالت إلكسندرا برينجل، ناشرة أعمال جرنه في دار" بلومزبري"، لصحيفة "الجارديان" البريطانية، إنه فوز مستحق لروائي لم يحصل على الاعتراف اللازم بأعماله.
ووصفته بأنه "واحد من أعظم الكُتاب الأفارقة الأحياء، ولم يلحظ أحد أعماله، وكان هذا يقتله".
وأضافت برينجل: "قلت في أحد التسجيلات، الأسبوع الماضي، إنه واحد من الكُتاب الذين تم تجاهلهم، والآن فقط حصل على الاعتراف، إنه كان دائماً يكتب عن النزوح لكن بأجمل وأروع الطرق حول اقتلاع الناس وتفريقهم عبر القارات".
وترى برينجل أن جرنه كاتب مهم مثل تشينوا أتشيبي، وأن كتاباته جميلة بشكل خاص وحزينة وتملك روح الدعابة والطيبة والحساسية.
من اليمن إلى زنجبار ثم بريطانيا
وُلد جرنه في جزيرة زنجبار عام 1948 لعائلة من أصول يمنية من حضرموت، والده سليم جرنه، ووالدته سلمى عبد الله ( أهداها إحدى رواياته) وهاجرت الأسرة في منتصف الأربعينيات إلى زنجبار، وظلت فيها حتى اندلاع ثورة ضد حكم عبيد كرومي أول رئيس لزنجبار عام 1964، فتعرض المواطنون من أصل عربي للاضطهاد، وأطاحت الثورة بالحكم العربي من الجزيرة الإفريقية التى أصبحت فيما بعد تنزانيا.
وهاجر جرنه في عام 1966 إلى بريطانيا في رحلة شتات ومنفى، حيث عمل في العديد من المهن المتواضعة، حتى يتمكن من الالتحاق بالجامعة لدراسة الهندسة والفيزياء، لكنه لم يكمل فيهما، واختار دراسة الأدب.
بدأ جرنه الكتابة كلاجئ في الـ21 من عمره، واختار الكتابة بالإنجليزية على الرغم من أن لغته الأولى هي السواحلية.
وأشار إلى أن محاولاته الأولى للكتابة بالسواحيلي لا تذكر، لكنه تأثر بالشعر العربي والأدب الفارسي، وتحديداً "ألف ليلة وليلة" التي كانت منبعاً مبكراً وهاماً، وكذلك بالقرآن.
كتابة حصرية عن إفريقيا
صدر لجرنه 10 روايات إلى جانب مجموعات قصصية، من أشهر رواياته "الجنة" الصادرة عام 1994، ووصلت إلى القائمة القصيرة لجائزتي "البوكر" و"ويتبيرد"، وروايتا "بجوار البحر" في 2011، ووصلت إلى القائمة الطويلة للبوكر والجائزة القصيرة لـ "لوس أنجلوس تايمز بوك أورد"، و"الهجر" الصادرة في 2005.
وتتناول روايته الأولى "ذكريات الرحيل" الصادرة عام 1987 ثورة فاشلة تظل داخل القارة الإفريقية، ويحاول بطل الرواية الشاب الموهوب فك الارتباط عن الآفة الاجتماعية للساحل، على أمل أن يتم وضعه تحت جناح عمّ ثري في نيروبي، وبدلاً من تحقيق حلمه، يتعرض للإذلال وإعادته إلى عائلته المفككة ووالده مدمن الكحول العنيف، وأخته التي أجبرت على الدعارة.
وفي روايته الثانية "طريق الحجاج" عام 1988، يستكشف جرنه الواقع متعدد الأوجه للحياة في المنفي، فبطل الرواية "داود" يواجه المناخ العنصري في وطنه الجديد إنجلترا، بعد محاولته إخفاء ماضيه، ويغريه حبه لامرأة أن يروي قصته، ويسرد ما حدث في نشأته المأساوية والذكريات المؤلمة للاضطرابات السياسية في تنزانيا الذي أجبرته على الفرار، وتنتهي الرواية بزيارة البطل إلى كاتدرائية كانتبري حيث يتأمل المفارقات بين الحجاج المسيحيين الذي كانوا يزورن المكان في الأوقات الماضية ورحلته الخاصة إلى إنجلترا.
وغالباً ما يسمح جرنه لرواياته المصممة بعناية أن تؤدي إلى رؤية غامضة.
وأشار بيان الأكاديمية السويدية إلى أن رواية "دوتي" الصادرة عام 1990 تمثل بورتريه لامرأة سوداء من أصول مهاجرة نشأت في ظروف قاسية بإنجلترا المشحونة عنصرياً خلال خمسينيات القرن الماضي، وبسبب صمت والدتها فإنها تفتقد إلى رابط بتاريخ عائلتها، في الوقت نفسه، تشعر بأنها بلا جذور في إنجلترا، البلد الذي وُلدت ونشأت فيه، وتحاول خلق مكانها الخاص وهويتها من خلال الكتب والقصص، القراءة تمنحها الفرصة لإعادة بناء نفسها.
ضد التصنيف
وعلى الرغم من تركيزه على القارة السمراء في كتاباته، فإنه في العديد من حواراته يرفض التصنيفات الأدبية الضيقة لأعماله أو اختزالها في مصطلحات محدودة، فلا يحب وصف رواياته بكتابات "ما بعد الاستعمار".
وقال في حوار نُشر في عام 2016: "لست متأكداً من أنني سأطلق على نفسي أي شيء بخلاف اسمي، هذه المسميات ليست دليلاً على الجودة أو عملية إنتاج الثقافة، وليست مفيدة لوصف الأدب لتمكين نقاد ما بعد الاستعمار من قول شيء حيال ذلك وتحديد أنماط داخل هذا النوع من الأدب، فهؤلاء النقاد يقيدون تفسير هذا النوع الأدبي لأنه يحوي أكثر من مجرد تصنيف".
اقرأ أيضاً: