في زمن هيمنت عليه الصراعات والحروب ومطامع الاستعمار خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، تدور أحداث رواية "بالحبر الأزرق"، التي تتناول قصة فتاة تصعد من أدنى درجات البؤس في بريطانيا إلى أروقة القصور في إسطنبول ومصر.
الرواية الصادرة عن "الدار المصرية اللبنانية" للمؤلف المصري هشام الخشن، تقدم في 215 صفحة انعكاساً واضحاً للمساعي المحمومة في تلك الحقبة للسيطرة على مقدرات ومصائر الدول والشعوب والتعامل مع الأفراد باعتبارهم دمى من خلال قصة إنسانية عابرة للحدود والمسافات.
تتبع الرواية تقنية السرد العكسي، إذ تبدأ من النهاية في عام 1914 حين يتم تكليف ضابط البحرية السابق سيدني بويد الذي انضم حديثاً إلى مكتب الخدمة السرية بكتابة تقرير عن أحوال مصر وحكامها بهدف فصلها نهائياً عن الإمبراطورية العثمانية وضمان السيطرة عليها في وقت عصيب تلوح فيه بوادر حرب عالمية بين القوى العظمى.
وفي سبيل إعداد التقرير، يتم توجيه بويد إلى الاستعانة بسيدة عجوز عادت إلى بريطانيا بعدما قضت معظم حياتها في مصر وكانت تعمل بوظيفة مربية لدى عائلة الأمير مصطفى بهجت فاضل، أخو الخديوي إسماعيل غير الشقيق.
ويلتقي بويد مع ليديا ستون، وبدلاً من استخلاص معلومات منها تفيده في كتابة تقريره يجد نفسه متورطاً في حكايتها الشخصية بعدما ائتمنته على سلسلة خطابات شخصية كتبتها عبر سنين متباعدة إلى شخص مجهول عاش في المملكة المتحدة ولم تقابله طوال حياتها لكنها تسعى للبحث عنه وتسليمه إياها.
وبعد مطالعة بعض من رسائلها يحدّث نفسه "أسئلة كثيرة تجول بذهني حول ليديا ستون: ما الذي يجعل إنساناً لا يعود إلى وطنه طوال هذه المدة؟ هل كانت هاربة؟ وممن هربت؟ من هو هنري؟ وإن كان عشقها له مستمراً طوال هذه المدة فلِما اكتفت بكتابة رسائل أظنها علمت أنه لا طائل منها؟ من موريسون الذي تدعي أنه جندها وأرسلها لتكون عيناً لبريطانيا في القسطنطينية؟".
يكتشف سيدني بويد أن الرسائل التي بدأتها ليديا في عام 1869 موجهة إلى ابنها الذي حملت فيه سفاحاً من أحد النبلاء وتركته بدار رعاية بعد ضغوط قبل أن تنتقل للعمل بفندق فاخر في لندن ومنه إلى إسطنبول بعدما جندتها حكومة بريطانيا للتجسس على الأمير تحت ستار العمل مربية لأبنائه.
وبقدر ما فاضت به الرسائل المكتوبة بالحبر الأزرق غير المنتشر استخدامه في ذلك الوقت من مشاعر ألم وحب وندم، ضمت سرداً مشوقاً لما كان يدور في أروقة قصور الأمراء والملوك من صراعات ودسائس سواء في إسطنبول حيث عاش الأمير مصطفى بهجت فاضل أو في مصر التي انتقلت ابنته الكبرى نازلي للعيش فيها لاحقاً واتخذت ليديا وصيفة لها على مدى سنين.
وفي مصر يدور جزء كبير من الرواية، حيث يستعرض المؤلف ملامح الحياة الاجتماعية والسياسية في البلد مطلع القرن العشرين ويسلط الضوء على دور المرأة في الحياة الثقافية آنذاك ممثلة في الأميرة نازلي فاضل، وهي شخصية تاريخية حقيقية لعبت دوراً مؤثراً في تاريخ مصر.
وتبرز الرواية لقطات غير مضاءة في مشوار بعض الشخصيات المصرية البارزة مثل قاسم أمين وسعد زغلول والشيخ محمد عبده في بداياتهم.
وبالعودة إلى بريطانيا، يكتشف بويد حقيقة مصير هنري والخداع الذي تعرضت له ليديا ستون من القائمين على تجنيدها رغم الخدمات الوطنية التي قدمتها لبلدها.
وحين يبادر بإخبارها الحقيقة رغم ما يمثله هذا من تهديد لوظيفته الحكومية يجدها آثرت الاحتفاظ بصورته المتخيلة في وجدانها وعدم الاقتراب منه أو إفساد حياته.