توفي المصور الفوتوغرافي العراقي لطيف العاني، الخميس، عن عمر ناهز 90 عاماً، بعد صراع طويل مع المرض، تراكاً وراءه صوراً توثق جزءً من تاريخ العراق.
العاني، الذي ولد في محافظة كربلاء عام 1932، يلقب بـ"الأب المؤسس" لفن التصوير الفوتوغرافي في العراق، إذ أمضى 75 عاماً في توثيق العراق من خلال صور تتجلى فيها التغيرات التي طرأت على العراق، والحياة الحضرية طيلة العقود الثلاثة.
وعاصر العاني ملوكاً ورؤساء حكموا العراق، وتعتبر أعماله الفوتوغرافية بمثابة ذكرى لكل الفترات الحديثة والقديمة من تاريخ العراق.
العراق بالأبيض والأسود
خطوة العاني الأولى كمصور محترف، كانت مع مجلة "أهل النفط"، التي كانت جزءً من وحدة التصوير الفوتوغرافي في شركة نفط العراق، إذ عمل فيها منذ عام 1954، ولغاية 1960.
وخلال هذه التجربة، تم تكليف العاني من قبل المجلة بأخذ صور لمظاهر الحداثة والتحول الصناعي في العراق، وهي مهمة احتاجت من العاني القيام بجولة في كل ربوع البلاد.
وتنقل العاني بين مدن العراق ليصور التطور المعماري والمناظر الطبيعية، إذ التقط مشاهد لجسر سامراء، ومنازل متطابقة في منطقة اليرموك ببغداد.
كما وثّق الفنان العراقي خلال تلك الفترة، جوانب التحول الاجتماعي نحو الحداثة من خلال صور بالأبيض والأسود.
وأخذت هذه الصور شهرة واسعة، مثل صورة طالبات المدرسة اللواتي كن يمارسن الرياضة بمدرسة في بغداد، وتلميذة تقوم بالعزف في مدرسة للموسيقى، إضافةً إلى راعي تبدو على ملامحه صغر السن.
واستطاع العاني التقاط مشاهد فريدة لواقع المجتمع العراقي أواخر الخمسينيات. كما أصبح خلال تلك الجولة أول عراقي يلتقط صوراً من الجو، إذ خصصت له شركة النفط مروحية من أجل أخذ صور من الجو للمواقع الأثرية في بغداد.
الزمن الخالد
وبحلول الستينيات التي شهدت تصارع القوى المتنافسة على السلطة في العراق، كان لطيف العاني يعرض أعماله في أميركا وأوروبا، وفي أنحاء الشرق الأوسط.
وفي عام 1960، أسّس العاني قسم التصوير الفوتوغرافي في وزارة الثقافة العراقية، وشغل منصب رئيس قسم التصوير في وكالة الأنباء العراقية، وكان عضواً في نقابة الصحافيين العراقيين والجمعية العراقية للتصوير.
وجعل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، الذي تولى السلطة عام 1979، التصوير في المجال العام مستحيلاً، مما أفقد العاني أي اهتمام بإنتاج المزيد من الصور الفوتوغرافية.
وفي عام 2015، عرض لطيف العاني أعماله ضمن الجناح العراقي في "بينالي فينسيا السادس والخمسين"، وحصل خلال الحدث على جائزة "الأمير كلاوس" في حفل استضافته العائلة الملكية الهولندية.
وجاء في بيان لجنة التحكيم أن "تكريم لطيف العاني يرجع إلى إبداعه، وإنشائه أرشيفاً استثنائياً من صور فوتوغرافية تاريخية فريدة للمجتمع العراقي"، وأضاف أنها "أعماله توثق تاريخ العراق، بلداً حديثاً، ثرياً وساعياً إلى المستقبل، قبل أن يحل عليه الخراب بسبب حرب الخليج، كما أن تكريمه يرجع إلى دوره الريادي في تطوير الفوتوغرافيا التوثيقية في العراق".
وفي مقابلة سابقة مع شبكة "سي إن إن" الأميركية، قال العاني إنه كان يحرص على التقاط صور لكل الأماكن في العراق، التي يزورها، مشيراً إلى أن "الأماكن يمكنها أن تتغير أو تزول، ولكنها باقية في الزمن عبر الصورة. وزمن الصورة هو الزمن الخالد".
وقام العاني بجولات داخل العراق وخارجه، ونشر العديد من صوره في مجلة "أهل النفط"، كذلك أقام العشرات من معارض الصور خارج العراق، وثّقت الحياة بكافة جوانبها.
سرقة الأرشيف
وخلال الغزو الأميركي للعراق عام 2003، فقد لطيف العاني أرشيفه من الصور، الذي كان محفوظاً في وزارة الثقافة العراقية في بغداد، إذ سرقت بعض الصور، ودُمرت صور أخرى.
وشارك الفنان الراحل في معارض دولية عدة، إذ تم تخصيص جناح كامل لصوره في معرض "باريس فوتو"، الذي افتتح هذا الشهر في باريس، وهو أكبر معرض فني دولي مخصص للتصوير الفوتوغرافي.
في عام 2015، سألته مؤسسة "رؤيا" العراقية للفنون، خلال مقابلة منشورة على موقعها، عما إذا كان يعتزم ممارسة التصوير الفوتوغرافي مرة أخرى. فأجاب: "إنني أفتقد التصوير الفوتوغرافي، لكنني أشعر أنني هرمت أكثر مما ينبغي، وفقدت قدرتي على الرؤية والتنقل”.
وقال العاني إنه حزن كثيراً للدمار الذي لحق أغلب المناطق التي يعرفها في وسط بغداد القديمة، مضيفاً: "لقد عشت فيها، وأحببتها حباً عظيماً، كلها الآن خربت، وأغلبها اندثر فلا وجود له".