على مدى أسبوعين سنوياً، كانت وزارة الثقافة المصرية تنظم معرض القاهرة الدولي للكتاب في يناير، بالتزامن مع إجازة نصف العام الدراسي، ويمثل المعرض الحدث الثقافي الأكبر والأقدم في القاهرة، إذ يعود تاريخ ميلاده إلى عام 1969، ويقدر عدد زواره سنوياً بأكثر من 3 ملايين زائر.
لكن في 23 نوفمبر الماضي، قررت الوزارة تأجيل المعرض إلى الصيف بسبب جائحة كورونا، وحددت موعداً تقريبياً لعقده، في يونيو المقبل، في حالة انحسار أعداد الإصابات بالفيروس.
ووفقاً لتصريحات وزيرة الثقافة، إيناس عبد الدايم، في أعقاب الدورة الماضية من المعرض، كان من المفترض أن تستمر الدورة المؤجلة 3 أسابيع بدلاً من أسبوعين، بسبب الأعداد الكبيرة للزوار، وارتفاع مبيعات الكتب في الدورة الماضية.
وجاء قرار التأجيل ليصيب القراء والناشرين على حد سواء، بحالة من الحزن وافتقاد الحدث السنوي الأبرز لاقتناء وتسويق الكتاب، لكن على الرغم من التأجيل، فإن عشاق القراءة تحايلوا على غياب المعرض.
"موضة" التوصيل
الشاب العشريني، إسلام شعيب، المحب للقراءة والزائر الدائم لمعرض الكتاب منذ سنوات طويلة، كان يتوقع عدم تنظيم المعرض هذا العام، منذ بدأ تفشي فيروس كورونا نهاية عام 2019 بمقاطعة ووهان الصينية.
وقال إسلام: "فعاليات الدورة الـ51 (يناير 2020) كانت تقام في أرض المعارض بالتجمع الخامس شرق القاهرة، ولم يكن كورونا وصل إلى مصر بعد، لكني شعرت وقتها بأن هذه التجمعات الكبيرة يستحيل أن تتكرر قبل القضاء على الفيروس عالمياً، وتوقعت عدم تنظيم دورة هذا العام في يناير الماضي، بعد تزايد أعداد الإصابات".
ويستبعد إسلام أيضاً تنظيم الدورة الثانية والخمسين في الموعد المقترح من وزارة الثقافة، في 30 يونيو.
هذه التوقعات، دفعت إسلام إلى البحث عن بدائل آمنة للحصول على الكتب في الفترة المقبلة: "في العام الماضي، كانت خدمة توصيل الكتب موضة، على الرغم من صفحات التوصيل العديدة على فيسبوك، إلا أننا كقراء كنا نفضل مطالعة العناوين على الأرفف والمفاضلة بينها، كورونا أعطى فرصة كبيرة لازدهار هذه الصفحات".
توصيل الفيروس
معايير عدة اعتمد عليها إسلام، الطالب في السنة النهائية بكلية الهندسة، لاعتماد خدمة توصيل كتب ملائمة له، تجارب الأصدقاء، والسؤال على مجموعات القراءة على فيسبوك، ساعداه على العثور على خدمة التوصيل الأرخص والأكثر أماناً، فعلى حد وصفه، شراء كتاب في هذه الفترة قد يكون من باب المتعة وقتل الفراغ أثناء الحجر المنزلي، لكنه في الوقت نفسه ربما يكون مصدراً للعدوى، باعتبار الكتاب سطحاً متنقلاً قد يحمل الفيروس بين صفحاته.
التعقيم والتغليف، هما أولويات إسلام في خدمة توصيل الكتب، يأتي لاحقاً سعر الخدمة: "أسعار التوصيل متقاربة جداً إذا كانت في القاهرة، وكنت أحرص على شراء أكثر من كتاب في المرة الواحدة، لتوفير تكاليف التوصيل المتكرر".
الطقس السنوي المتمثل في الذهاب إلى أرض المعارض شرق العاصمة، والعودة بعشرات الكتب، تحول عند إسلام إلى التوصيل للمنازل، خاصة في ظل تلقي عروض توصيل مجانية، وأخرى مخفضة، من صفحات توصيل الكتب التي ازدهرت بعد تأجيل المعرض "لتشجيع محبي الكتب على الشراء في الموسم" ويرضي إسلام بها مؤقتاً، لحين عودة المعرض.
معارض مصغرة
هبة سعد (27 سنة)، وهى باحثة في مجال الاقتصاد، انتقدت سيطرة "العناوين التجارية" على الكتب في أغلب الدورات الماضية، خاصة منذ انتقال المعرض إلى وجهته الجديدة في التجمع الخامس، ما جعل مهمة العثور على "عنوان مميز" ثقيلة ومرهقة.
وقالت هبة: "نحو 70% من دور النشر تحرص على إبراز العناوين المثيرة والأكثر مبيعاً، وربما لا تحضر العناوين الأخرى إلى المعرض من الأساس، ربما بسبب التكاليف الباهظة للنقل، ورسوم العرض"، كما انتقدت ما اعتبرته "مبالغة خيالية" في أسعار الكتب.
قائمة محدودة من أجنحة دور النشر تجد فيها هبة ضالتها من العناوين "غير التجارية"، غير أن الوصول لهذه العناوين ذات القيمة المعرفية مقابل كتب "الترند" يحتاج إلى قارئ واعٍ بخريطة النشر، مشيرة إلى أنها تفتقد المعرض هذا العام بالطبع، لكن البدائل حاضرة.
أضافت هبة: "حرصت على زيارة أكثر من معرض مصغّر مؤخراً، من التي تقام على هامش الفعاليات الثقافية أو في المراكز التجارية، كما أتعامل بشكل منتظم مع مكتبة للكتب المستعملة، لا سيما الأجنبية منذ أعوام عدة، وأصبحت أستفيد من خدمات التوصيل على مدى عام الجائحة".
وحرصت وزارة الثقافة على تعويض غياب معرض القاهرة للكتاب، بعقد سلسلة من المعارض الصغيرة، من بينها معرض جامعة أسوان الأول للكتاب، ومعرض دار الأوبرا، ومعرض الإسكندرية، وآخر في المنصورة، وغيرها، وفقاً للصفحة الرسمية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب على فيسبوك.
أزمة للتجار
تقدم سارة نوري (30 عاماً) نفسها بصفتها واحدة من عشرات تجار الكتب المتعثرين على مدى العام الماضي، فهي تدير متجراً للكتب ملحقاً بكافيتريا في منطقة حدائق الأهرام، لكن الكساد أصابها العام الماضي، وأوشكت على الإغلاق، وعلى الرغم من ذلك ترى أن تجار الكتب أوفر حظاً بكثير من الناشرين.
تفسر سارة: "كتاجرة كتب لا أفتقد المعرض مثلما يفتقده أصحاب دور النشر، فعلى الرغم من الارتباك الكبير هذا العام في السوق، إلا أن تأجيل المعرض هذا العام يعطينا مهلة لتسويق ما لدينا من الكتب قبل أن نحصل على كتب جديدة، خصوصاً بالتزامن مع إجازة منتصف العام الدراسي".
وتضيف: "شهية القراء كانت مفتوحة طوال العام الماضي، نتيجة الحجر المنزلي، وانتهى القراء من قراءة ما لديهم من كتب، وكانوا يترقبون صدور عناوين جديدة مع بداية العام، لكن غالبية دور النشر أجّلت طرحها لحين إقامة المعرض، فاضطر القراء للحصول على إجازة من القراءة، وأصبح السوق راكداً، وهناك ترقب للمعرض الذي تم تأجيله".
وتعتبر سارة أن الإقبال على القراءة العام الماضي من الإيجابيات المعدودة لتفشي كورونا، لكنّ قليلين استطاعوا التكيُف مع الظروف لتحقيق مبيعات مثل أصحاب تطبيقات بيع الكتب إلكترونياً، وأصحاب المكتبات ذات الفروع في المناطق الحيوية.
وكانت الهيئة العامة للكتاب، أعلنت في بيان العام الماضي أن إجمالي مبيعاتها في الدورة الماضية فقط من معرض الكتاب وصل إلى نحو 3 ملايين جنيه (نحو 200 ألف دولار)، وهو رقم يضاف إلى مبيعات الإصدارات الحكومية الأخرى، ونحو 900 دار نشر خاصة، بينها الدور العربية، إلى جانب باعة الكتب المستعملة.
معرض دائم
"زائر سور الأزبكية قد تكون بعيداً عن نظري لكنك لست بعيداً عن فكري"، بهذه الرسالة المنشورة على صفحتهم على فيسبوك يعنون تجار سور الأزبكية عاماً بأكمله من الكساد وافتقاد الزبائن، لكن خلال الأيام الماضية شهد سور الأزبكية للكتب المستعملة رواجاً استنائياً، تزامن مع إجازة منتصف العام الدراسي التي تنتهي في 20 فبراير.
هبة كرم، واحدة من الباعة ورثت مهنة بيع الكتب المستعملة بالأزبكية عن والدها، تشعر بالرضا تجاه أيام الانتعاش الأخيرة بعد أن "دمر كورونا الجميع"، مشيرة إلى أن الباعة عزفوا هذا العام عن تنظيم "مهرجان سور الأزبكية " الذي كان يقام بالتوازي مع معرض القاهرة الدولي للكتاب في مقر السور بمنطقة العتبة المزدحمة وسط القاهرة، كإجراء احترازي، حتى قبل أن تعلن وزارة الثقافة عن التأجيل.
ويضم "مهرجان سور الأزبكية" الذي أقيم للمرة الثالثة العام الماضي أصحاب المكتبات الذين لم يستطيعوا المشاركة في معرض القاهرة للكتاب، بعد تقليص المساحات والسماح لعدد محدود من الباعة فقط بالعرض.
تقول هبة: "اتخذنا القرار مبكراً، في حالة ارتفاع حالات الإصابة وبدء الموجة الثانية، لأننا نحرص على الزبائن أكثر من الربح" ولذلك تؤكد "الحرص على تطبيق الإجراءات الاحترازية، وحث الزوار على ارتداء الكمامات عند الدخول، وصولاً إلى توزيع الكمامات على الزبائن مجاناً".
انتعاش حركة البيع في السور يمثل مفاجأة سارة للجميع ترجعها هبة إلى انخفاض الأسعار في السور، والتي تبدأ من جنيه واحد للكتاب.
وتضيف: "الزحام بالتأكيد لا يقارن بفترات المهرجان، إقبال هادئ خاصة من شريحة الطلاب، ونفتقد الجمهور العربي والآسيوي، نظراً لتراجع معدلات السياحة".
البيع "أونلاين" على المدى العام الماضي وفقاً لهبة كان حيلة العديد من الباعة، موضحة: "التوصيل أونلاين كان متنفسنا الوحيد، وكنا حريصين على أعلى درجات الأمان، تعقيم الكتاب أولاً، ثم تغليفه، ثم وضعه في عبوة الشحن".