الشاعر المصري أمين حداد: الشعر معنى وموسيقى والشكل ليس مهماً

غلاف ديوان "ما بدا لك" للشاعر المصري أمين حداد - الشرق
غلاف ديوان "ما بدا لك" للشاعر المصري أمين حداد - الشرق
القاهرة-علا الساكت

من الصعب أن تنمو في رحاب شاعر عظيم، وأن تكتب صوتك الخاص، وتتشبع الأجواء بنجاحه، ثم تشتبك معه الأجيال اللاحقة لتتخلّق قصيدة مغايرة، تلك هي اللحظة التي ولدت فيها تجربة الشاعر المصري أمين حداد، نجل الشاعر فؤاد حداد (1927- 1985)، وصهر الشاعر صلاح جاهين (1930-1986)، لحظة لامست فيها أشعار العملاقين الراحلين المدى، وتشبعت بتجربتهما أجيال كاملة، من بينها جيل الثمانينيات الذي ينتمي إليه أمين.

وتلك هي المصالحة التي كان عليه أن يعقدها على مدار 9 دواوين شعرية، صدر آخرها قبل أسبوع بعنوان "ما بدا لك"، والذي يجمع بين دفتيه نحو 50 قصيدة جديدة تجمع بين الشعر الحر، وقصائد من الفصحى والعامية.

يحكي أمين حداد، في حواره مع "الشرق"، عن تلك المعركة التي وجد نفسه وأبناء جيله - جيل الثمانينيات - وسطها بين "جيل يرفضنا أو للدقة رافض ما قبلنا، وبين جيل التسعينيات الثائر والذي يكتب قصيدة ذات جماليات مختلفة".

الشاعر المصري أمين حداد - الشرق
الشاعر المصري أمين حداد - الشرق

ويقول أمين: "كوني ابن فؤاد حداد كان سبباً إضافياً للهجوم والانتقاد، رغم أن موقفي من جيل التسعينيات وقصيدة النثر، كان مرحباً به، فقد أحببت كتاباتهم، ومنهم إيمان مرسال، وأسامة الدناصوري، وكثيرون غيرهما، استمتعت بقصائدهم، كنت أستكشفهم وأدقق وأتعلم منهم، ولا غضاضة في طريقة الكتابة، المهم أنه شعر حقيقي".

النص هو الفيصل

ويضع أمين، المولود عام 1958، تعريفه الخاص للشعر، بقوله: "طوال الوقت أشعر بأن كلمة شعر إذا أضيفت إلى كلمة أخرى قللت من قيمة الشعر نفسه، لا أحب أن أقول قصيدة نثر، أو قصيدة تفعيلة، هي قصيدة وكفى، فلا يختار المبدع تخصصاً معيناً يكتب فيه، النص هو الفيصل إما شعر أو لا، وهذا ما أفعله في دواويني، تتجاور فيها القصائد الفصحى والعامية والنثر".

ومع ذلك يتحفظ أمين كثيراً على تأثر بعض قصائد النثر بشعراء وثقافات أخرى، وهو ما وصفه بـ"قصائد تشعر معها أن لها آباء في القصيدة المترجمة"، موضحاً: "هذا النوع من الكتابة منبتة الصلة مع تراثنا لا أحبها، فالقصائد التي ينبهر البعض ويحاول تقليدها، هي قصائد مبنية الصلة مع ما قبلها في سياقها الثقافي والحياتي ولغتها الأصلية، لأن اللغة تأخذ من الحياة أبعاداً وتداعيات مختلفة عن تلك الموجودة في القاموس، والتى يصعب على القارئ الوافد فهمها مهما كان ضليعاً في اللغة، وهذه القصة أيضاً تفرق بين شاعر يكتب منطلقاً من ثقافته، وآخر يستعير ثقافة هو غريب عنها".

الحقيقة التي يستخلصها حداد من ذلك هي: "أن الشعر مهما كان عظيماً يفقد جزءاً من قيمته بالانتقال بين لغة وأخرى، لذلك فإن الاعتماد على لغة الترجمة لا ينتج قصيدة مكتملة أو قريبة حتى من الشعر، وإنما تكون بلا رائحة"

الموسيقى وليس الشكل

يمزج حداد في ديوان "ما بدا لك" بين الفصحى والعامية، والنثر، فهو يحب هذا التجاور بينهم، موضحاً: "الشعر من وجهة نظري موسيقى تحمل كلاماً، والكلام يحمل معاني وصوراً، ليس مهماً بأي شكل ستكتب الشعر فصحى أم عامية، مقفى أم نثر أو حتى زجل، المهم أن هناك نغمة خاصة وموسيقى في كل قصيدة، أنا أكره جمود التعريفات، أو تصنيفات الإبداع، لا أحب التجارب التي تكتب وفق تصنيف محدد مسبقاً، سواء من يحارب القافية ليقال إنه يكتب قصيدة نثر، أو ذلك الذي يفترض أن موسيقى الشعر في القوافي فقط، الحقيقة التي أسعى خلفها دائماً هي أن الفن يسبق النقد، ويجب أن يظل كذلك".

ويشبّه حداد، أجواء ديوانه الجديد بتجربته في ثالث دواوينه "في الموت هنعيش" الصادر عام 2003 بعد الغزو الأميركي للعراق: "كتبته بعد ديوانين مفعمين بالحماس قبل الغزو، قصائد عنوانها الانفعال، حتى شاهدنا سقوط بغداد، صمتت ولم أعرف ما أكتب، شعرت بفراغ وخيبة أمل، وبدأت أكتب عن منطقة ظننت أنها بعيدة عن السياسة، فيها ظلال ذاتية أكثر، ديوان (ما بدا لك) هو طريقتي في التعبير عن كرب ما بعد الأحداث الكبرى، زخم الثورة والآمال، والأحزان، طريقة لمقاومة المناخ العام".

صدر أول دواوين أمين حداد "ريحة الحبايب" عام 1990، تلاه عدد من الدواوين التى تنوعت بين العامية والفصحى، هي "حلاوة روح" 1998، "في الموت هنعيش" 2003، "بدل فاقد" 2008، "من الوطن للجنة" 2012، "الحرية من الشهداء" 2013، "الوقت سرقنا" و"جزيرة الأحياء" 2013، و"سلام مؤقت" 2019.

الحنين للماضي

كثيراً ما يجد قارئ حداد نفسه أمام حالة جارفة من النوستالجيا (الحنين إلى الماضي)، والاغتراب، أو البحث عن وطن لم يعد موجوداً إلا في الأفلام الأبيض والأسود، ويشعر القارئ بذلك معه من حيث المفردات والتعبيرات، حتى لهجته العامية نفسها تنتمي إلى تلك الحقبة الذهبية، حالة يفسرها حداد بأنه مسكون بهاجس الزمن، يقول: "هناك هجوم غير مبرر على النوستالجيا من النقاد، لكن حين يكون الحاضر مفعماً بالأحداث يحتل الروح بلا جدال، وقد حدث ذلك معى كثيراً، فديوان (الحرية للشهداء) كتبته من معايشة اللحظة والأحداث الكبرى التي مررنا بها".

ويتابع: "بشكل عام أنا مسكون بهاجس الزمن، بالنسبة لي الفعل المضارع أكذوبة، نحن ننظر إلى الماضي، ليس لأنه أجمل إنما بسبب قوتنا نحن في الماضي، حين أحن إلى الماضى إنما أرصد زمناً كنا فيه أفضل، ودائماً أقول لنفسي إن الماضي هو مستقبل الذاكرة، وهو ما سأتذكره، وهو مستقبل التاريخ الذي سيظل معنا".