أفغانستان.. مدينة بوذية أثرية مُهددة بالاختفاء بسبب مشروع تعدين

جزء من تمثال لبوذا بعد اكتشافه في موقع أثري بمدينة بوذية قديمة منحوتة في الجبل بمنطقة ميس أيناك في مقاطعة لوجار الشرقية أفغانستان - 17 مايو 2022 - AFP
جزء من تمثال لبوذا بعد اكتشافه في موقع أثري بمدينة بوذية قديمة منحوتة في الجبل بمنطقة ميس أيناك في مقاطعة لوجار الشرقية أفغانستان - 17 مايو 2022 - AFP
ميس أيناك (أفغانستان) - أ ف ب

على بعد حوالى 40 كيلومتراً جنوب شرقي كابول في أفغانستان، تقع مدينة ميس أيناك البوذية الكبيرة الأثرية الغارقة بين قمم صخرية، والمُهدّدة بالاختفاء كلياً، إذ تخطط مجموعة شركات صينية لاستغلال منجم نحاس فيها يعتبر من الأكبر في العالم.

ومدينة ميس أيناك، الواقعة في مقاطعة لوجار، كانت منسيّة طيلة عقود، قبل أن يكتشفها صدفة عالم جيولوجي فرنسي في مطلع الستينيات، وتمّت مقارنتها ببومبي الإيطالية وماتشو بيتشو البيروفية لحجمها وأهميتها التاريخية. 

وتقع آثار المدينة التي تمتد على مساحة 1000 هكتار (الهكتار يعادل 10 آلاف متر) على جبل مرتفع تشهد جوانبه البنية على وجود النحاس.

في عام 2007، وقّعت الشركة الصينية العملاقة للتعدين "Metallurgical Group Corporation" التي تترأس ائتلافاً عاماً - حمل اسم "MJAM" لاحقاً - عقداً بقيمة 3 مليارات دولارات لاستغلال النحاس على مدى 30 عاماً. 

وأثارت المخاوف من اختفاء مدينة كانت تُعتبر من أبرز المراكز التجارية وأكثرها ازدهاراً على طريق الحرير، تعبئة دولية. واضطر تحالف "MJAM" للسماح بعمليات تفتيش في الموقع، وتأخير فتح المنجم على إثر ذلك. 

وبعد 15 عاماً من توقيع العقد، لم يتمّ إنشاء منجم بعد، بسبب التأخير الناجم عن غياب الأمن والخلافات بين بكين وكابول بشأن البنود المالية في العقد. 

لكن المشروع عاد إلى سلّم أولويات الطرفين بعد انتهاء الحرب في أفغانستان واستيلاء حركة طالبان على السلطة في كابول في أغسطس الماضي، واضطرارها للبحث عن مصادر جديدة للتمويل للتعويض عن المساعدات المالية الدولية المجمّدة. 

وكانت ميس أيناك الواقعة عند التقاء الثقافتين الهلينية والهندية، مدينة مترامية الأطراف منظمة حول استخراج النحاس والاتجار به، وهو نشاط يعتقد أن الرهبان البوذيين شاركوا فيه. 

وتعود الاكتشافات إلى الحقبة الممتدة من القرن الثاني حتى القرن التاسع بعد الميلاد، لكن قد تكون المدينة شهدت نشاطاً في فترة زمنية أبكر بعد، إذ عُثر فيها على فخار من العصر البرونزي (3300-1200 قبل الميلاد) أي قبل نشأة البوذية في القرن السادس أو الخامس قبل الميلاد.

جزء من تمثال لبوذا بعد اكتشافه في موقع أثري بمدينة بوذية قديمة منحوتة في الجبل بمنطقة ميس أيناك في مقاطعة لوجار الشرقية أفغانستان - 17 مايو 2022 - AFP
جزء من تمثال لبوذا بعد اكتشافه في موقع أثري بمدينة بوذية قديمة منحوتة في الجبل بمنطقة ميس أيناك في مقاطعة لوجار الشرقية أفغانستان - 17 مايو 2022 - AFP

أكبر مشاريع علم الآثار

واكتشف علماء الآثار أديرة بوذية وستوباً (نصب ديني بوذي) وحصوناً ومباني إدارية ومساكن، بالإضافة إلى مئات التماثيل واللوحات الجدارية والخزفيات والعملات والمخطوطات.

ومنح ائتلاف "MJAM" 3 سنوات لعلماء الآثار، الذين ركزوا على المنطقة المهددة بشكل مباشر من المنجم، لإجراء عمليات الحفر في كامل الموقع، فيما كان الأمر يلزم عدة عقود للتنفيذ.

لكن تمّ تمديد المهلة إذ منع الوضع الأمني الصينيين من بناء المنشآت المخطط لها، واكتُشفت آلاف القطع، منها ما نُقل إلى متحف كابول ومنها ما تم حفظه في أماكن قريبة من ميس أيناك. 

وفي ظلّ نظام طالبان السابق، فجّرت الحركة تمثالي بوذا في باميان في 11 مارس 2001. لكن طالبان تقول اليوم إنها مصممة على حماية اكتشافات مدينة ميس أيناك. 

وقال المتحدث باسم وزارة المناجم والنفط عصمت الله برهان لوكالة "فرانس برس" إنه "من واجب وزارة الإعلام والثقافة أن تحمي الآثار المكتشفة". 

وتملك أفغانستان موارد معدنية هائلة نحاس وحديد وبوكسيت وليثيوم والأتربة النادرة تقدّر قيمتها بأكثر من 1000 مليار دولار.

جزء من تمثال لبوذا بعد اكتشافه في موقع أثري بمدينة بوذية قديمة منحوتة في الجبل بمنطقة ميس أيناك في مقاطعة لوجار الشرقية أفغانستان - 17 مايو 2022 - AFP
جزء من تمثال لبوذا بعد اكتشافه في موقع أثري بمدينة بوذية قديمة منحوتة في الجبل بمنطقة ميس أيناك - 17 مايو 2022 - AFP

وتريد حركة طالبان تسريع العملية إذ تأمل جني أكثر من 300 مليون دولار سنوياً من ميس أيناك في وقت تبلغ فيه ميزانية الدولة للعام الجاري، 500 مليون دولار.

ولفت برهان إلى أن حركة طالبان شددت هذا الأسبوع أمام ائتلاف "MJAM" على "ضرورة أن يبدأ المشروع وألّا يؤجّل".

وأشار إلى أن "المحادثات اكتملت بنسبة 80% تقريباً"، فيما لا يزال هناك فقط "نقاط فنية" يجب معالجتها، ومن المتوقع أن تتم معالجتها قريباً. 

وتطالب طالبان باحترام العقد الذي يضمن بناء محطة توليد للطاقة الكهربائية تزوّد المنجم وكابول بالكهرباء، بالإضافة إلى إنشاء خط للسكك الحديد باتجاه باكستان".

وتشدد الحركة على أن يُحوّل النحاس محلياً وأن تكون اليد العاملة أفغانية. 

وتتردد الصين التي يحتاج اقتصادها بشكل كبير إلى النحاس، في تلبية هذه المطالب.

ولا تزال "MJAM" التي لم تردّ على وكالة "فرانس برس"، تطالب بتخفيض المدفوعات المستحقة عليها.

وتُطرح أيضاً مخاوف بشأن التداعيات البيئية لهذا المشروع، فاستخراج النحاس هو عملية ملوّثة وتحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، غير أن مقاطعة لوجار قاحلة.

وبحسب برهان، تولي طالبان "اهتماماً حازماً" بهذه القضايا وستضمن أن يفي الائتلاف بالتزاماته في هذا المجال.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات