خليل حاوي و"الديوان الأخير".. شاعر كتب آخر قصائده ببندقيته

غلاف "الديوان الأخير" للشاعر الراحل خليل حاوي - "الشرق"
غلاف "الديوان الأخير" للشاعر الراحل خليل حاوي - "الشرق"
دبي-ثناء عطوي

خليل حاوي، الشاعر وأستاذ الأدب في الجامعة الأميركية في بيروت، الذي كتب آخر قصائده ببندقيته. تلك البندقية التي رافقته على مدى 50 عاماً لأغراض الصيد، الهواية الأحب إلى قلبه، كانت مصدر رصاصة الرحمة التي انطلقت نحوه، بعد أن توحّدت آلام الوطن بآلامه الشخصية، وأصبح العيش والاستمرار حالةً مستعصية بالنسبة إليه. 

يعود خليل حاوي اليوم إلى الأضواء من خلال "الديوان الأخير"، الذي يضم 19 قصيدة غير منشورة، جمعتها عائلته من دفاتره القديمة، وأعطتها لدار نلسن لتقوم بنشرها.

"الشرق الجديد"

حاوي الذي عرفته الأجيال الثائرة من خلال قصيدته الأشهر "الجسر"، التي تحوّلت إلى نشيدٍ تصدح به منابر الثوّار الحالمين بالعبور "من مستنقع الشرق إلى الشرق الجديد"، على وقع صوت المغنّي وملحّن القصيدة مارسيل خليفة، يعود اليوم بقصائد معظمها من نوع "الغزل المرّ" كما يقول أستاذ الفلسفة الألمانية في الجامعة الأميركية في بيروت، صديق الشاعر الراحل، الذي يتولّى التحقيق في مراجعة قصائده حالياً الدكتور محمود شريح. 

19 قصيدة غير منشورة

شريح قال لـ"الشرق" إن الكتاب عبارة عن مجموعة قصائد ظهر بعضها في المجلّات على أثر وفاة حاوي، مثل مجلّة "تحوّلات" التي كان يصدرها بول شاوول وعبده وازن وآخرون. 

أضاف: "أمّا ما وقع عليه سليمان بختي مدير دار نلسن، فهو جديد، إذ ساهم أقرباء الراحل في إعطائه القصائد، وتولّى جمعها في كتابٍ قدّم له الراحل وجيه فانوس، والشاعر شوقي أبي شقرا، فضلاً عن كلمة الناشر سليمان بختي، والشاعر شوقي أبي شقرا". 

واعتبر شريح أن الكتاب "يلقي ضوءاً جديداً على شاعرية خليل حاوي وموهبته، ويضعه في إطاره الصحيح على خارطة الحداثة العربية". 

"انتحر لأنه انكسر"

انتحر خليل حاوي صباح الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982، مطلقاً النار على نفسه داخل منزله في منطقة الحمرا في بيروت. "انتحر لأنه انكسر" هذا ما يقوله شريح، "لم يخدع نفسه، وعندما لم يعد يحتمل واقع البلاد بين الاجتياح والحرب الأهلية، نفّذ ما يؤمن به، وهو الذي اشتهر بجملته الشهيرة التي كان يفتتح بها محاضراته الجامعية: "ليس أسهل على النفس من خداع النفس للنفس!"

"نعود إليه"

ناشر الكتاب وصاحب دار نلسن الأستاذ سليمان بختي، تحدّث لـ "الشرق" عن قصّة الديوان الأخير، فقال: في الذكرى الأربعين لرحيله نعود إليه،و"الديوان الأخير" الذي بين أيدينا اليوم بقصائده غير المنشورة، هو ثمرة جهد عمره أكثر من عشر سنوات".

ولفت إلى أن "أغلب القصائد التي يضمّها الكتاب تقول لنا إن حاوي عاش علـى وقـع قصـائده، وإنه عاش في حياته علـى حافّـة كـل شـيء وفـي عمــــق كــــل شــــيء. هذه القصائد هي جزء من آثاره وتجربته، وربما تتساوى قيمتها التوثيقية بقيمتها الفنّية".

وأشار بختي إلى أن الفصائد "تكتسب أهمّية على صعيد آخر، وهو معرفة ماذا كان يكتب حاوي في سنواته الأخيرة، وماذا كانت أفكاره وانهماكاته، وما هو الشكل الذي يترصّده في تجربته الشعرية".

لوحات ترافق الكتاب

يأتي الكتاب مترافقاً مع لوحاتٍ تشكيلية للفنّان اللبناني شوقي شمعون، وسيرى النور في 18 أكتوبر الحالي، في احتفاليةٍ ستقام في الجامعة الأميركية في بيروت، على أن "يُطلق اسم حاوي على دورة معرض بيروت العربي والدولي للكتاب هذا العام، بالتنسيق مع المركز الثقافي العربي"، بحسب بختي.

تعكس قصائد حاوي الهمّ الوطني الذي كان يشغله، إذ "كان يتفاعل مع الواقع اللبناني والعربي، وأصيب بسوداويةٍ قاتلة"، كما يقول شريح، و"في آخر أيامه خانه البيت الشعري، ونضُب الإبداع عنده، بعد أن اصطدم بما وصل إليه، لكنه بقي في الطليعة بين شعراء الحداثة العربية، صلباً في مواقفه وعنيداً فوق الشجاعة". 

ويضيف شريح: "لقد غيّر الواقع الصعب من نمط شعر حاوي، واتّجه نحو مناطق أكثر حزناً وظلمةً. كنّا نلتقي بشكلٍ يومي في ليالي بيروت، وقال لي قبل أن ينتحر أرى عالَمنا العربي مثل فحمةٍ سوداء من المحيط إلى الخليج".

بدوره، يقول بختي "جُهّزت القصائد وكان من المأمول أن یكتب الباحث والأكاديمي الـدكتور وجیـه فـانوس (1948-2022) مقدّمة العمل، وهو رحّب بذلك بفرحٍ غامر. وفي اتصـالنا الهـاتفي الأخیـر، سألني عن المهلة القصـوى لإنجـاز المقدّمـة وتحقیق القصائد، فقلت له "حین تنجزها". بعدها بأيام رحل وجیه فـانوس ولم تزل القصـائد معلّقـةً فـي حاسـوبه". 

"لم يجد بدّاً من الموت"

وتحت عنوان: "خليل حاوي محلّقاً في فضاءات العيش والشعر والأمّة"، كتب فانوس: "وحده خليل حاوي من بين الشعراء العرب المعاصرين جميعاً، استطاع أن يصل إلى رحاب توحّد الذاتي بالجمعي، لذلك كان الشاعر الوحيد الذي لم يجد بدّاً من الموت، في لحظةٍ كانت أمّته فيها تشرف على الموت". 

شو قولكم؟

في ما يلي نص آخر قصيدة نظمها خليل حاوي بالمحكية اللبنانية وكانت بعنوان: شو قولكم؟

هالدرب كلّا طلوع

 وما زال بعدو نهار 

ما زال نمشي وكل ساعة قطوع

شدّ حيلك عالتعب والجوع

 ما عاد في مهرب ولا في رجوع

سلاحك عجنبك، والرفاق كتار..

شو قولكم؟

قديش إلنا حباب

 غابوا وما رجعوا رجعة الغياب

رح تلتقوا..

وهونيك لما بتطلّ

بيعرفوك الكلّ من دعستك

 من دقتك عالباب..

اقرأ أيضاً:

تصنيفات