الفنّان فهد المجحدي لـ"الشرق": المملكة تشهد عاصفة في الخط العربي

من أعمال فهد المجحدي "العالَم يتحدّث العربية" - "الشرق"
من أعمال فهد المجحدي "العالَم يتحدّث العربية" - "الشرق"
دبي-ثناء عطوي

عاد فنّ الخط العربي مرفوع الرأس من أبواب المملكة العربية السعودية، التي كرّست عاماً للخط العربي، في تقديرٍ عالٍ للأصالة اللغوية، وللتراث المكتوب، وللنصوص المحفوظة في القرآن منذ 14 قرناً. 

احتفت المملكة بالخط وروّاده عبر تخصيص شعار "عام الخط العربي" (2020-2021) على كل ما يقع ضمن نطاق المملكة ومؤسّساتها الرسمية، وعبر استصدار قوانين لها طابع الديمومة، تحفظ هذا الفنّ، وتدعم بيئة الخطّاطين وأعمالهم.

الفنّان فهد المجحدي مصمّم شعار
الفنّان فهد المجحدي مصمّم شعار "عام الخط العربي" - "الشرق"

شعار عصري

وعلى الرغم من أهمّية الإجراءات الحكومية الداعمة لهذا الفنّ، يبقى للشعار العصري والجذّاب، الذي صمّمه الخطّاط السعودي فهد المجحدي، الرائد في مجاله، الأثر الأكبر في انتشار الشعار، وجذب الشباب مجدّداً نحو هذا الفنّ.

لقد تمّ استخدام الشعار على أوسع نطاق، إذ خُتمت جوازات المواطنين به، وأدرجه البريد السعودي على طوابعه، وزيّنت الخطوط الجوية السعودية طائراتها به، ووضعته وزارة الرياضة على قمصان اللاعبين في الدوري السعودي، فضلاً عن انخراط القهوة العالَمية وأكوابها "ماكدونالدز"، و"دانكن دوناتس"، في هذا الاحتفال الكبير.

شعار
شعار "عام الخط العربي" - "الشرق"

"الشرق" التقت الفنّان فهد المجحدي، وكان لنا معه هذا الحوار:

ما مكانة الخط العربي ومستقبله في المملكة؟

لهذا الفنّ امتداد زمني هنا، وهو مرّ بمراحل عدّة، وكان لدينا روّاد ومؤسّسين لهم إسهامات كبيرة، منهم: محمد طاهر كردي، الذي خطّ مصحفاً سمّي مصحف مكة في عهد الملك عبد العزيز، إلى جانب عبدالرحيم أمين بخاري خطّاط كسوة الكعبة، ويحي حلمي، وأحمد ضياء الذي يعدّ أصغرهم، ورحل قبل وقتٍ قصير. 

لكن الاهتمام بالخط العربي تراجع بسبب خروجه عن مساره الفنّي، والانخراط في الحملات الدعائية والإعلانية، مما أثّر على كلاسيكية الخط. لقد أصبح الخطّاط منفّذاً لأعمالٍ تجارية وإعلاناتٍ في الصحف، وتحوّل من الاستخدامات الفنّية إلى التجارية، وهكذا خفت ضوء مجتمع الخطّاطين العرب عموماً، والسعوديين بشكلٍ خاصّ. 

دعم وليّ العهد

ما دلالات الاهتمام الذي توليه المملكة للخط العربي؟

الأثر الكبير لهذا الدعم يعود إلى سيدي وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، فهو يهتمّ بالمجالات كافّة، ولديه حرص خاصّ على أن يكون أهل البلاد من السعوديين مساهمين في تعزيز المشهد الثقافي والفنّي في مجتمعاتهم. وعندما ألقت الحكومة الضوء على مجتمع الخط، وجدته يحتاج إلى الدعم من أجل النهوض بالخطّاط السعودي ليمسك بمقدرات البلد ويبدع في فنونها. 

من أعمال المجحدي -
من أعمال المجحدي - "الشرق"

تاج الفنون الإسلامية

 هل لوليّ العهد اهتمام مباشر بالخط العربي؟ 

من خلال الدعم الذي رأيناه، اتّضح لنا الاهتمام الشخصي لسموّه والاهتمام الرسمي أيضاً، كما أن الخط العربي يدخل ضمن أهداف الدولة كمنظومة عالَم إسلامي، فالسعودية هي بلاد الحَرَمين، والخط العربي هو تاج الفنون الإسلامية. 

  كيف تمّ اختيارك لتصميم شعار عام الخط العربي؟ 

جاء الاختيار مفاجئاً وسريعاً، إذ كانت الوزارة تعمل بكلّ طاقتها منذ البداية لإنجاح هذه المناسبة، لذلك لم يكن هناك وقت للمنافسة أو إعداد مسابقة للفوز بالشعار، بل كان هناك قرار مباشر من مكتب سموّ وزير الثقافة لاختيار خطّاط مؤهّل ومتخصّص. 

أعتقد أن طبيعة الشعار هي أحد أهمّ الأسباب التي اختاروني من أجلها، الشعار كلاسيكي بإخراجٍ حديث، وهذه المسألة متكاملة بالنسبة لي، لجهة الإمكانات الفكرية والمادية، حتى أن تحويل الخط إلى صيغة ديجيتال هو أمر نادر في مجتمع الخطّاطين.

المصمّم لديه أسلوبه في إخراج الأعمال بصيغة vector، لكنه لا يملك الخط، والخطّاطين يملكون الخط لكنهم لا يملكون الإمكانات الإنتاجية لعام التصميم، لذلك كلّه جاء اختياري سريعاً لتصميم الشعار، وعندما قدّمت نموذج التصميم تمّت الموافقة عليه مباشرةً من التجربة الأولى. 

لقد كان هدف وزارة الثقافة أن يشكّل عام الخط العربي الرؤية البصرية للناس، وأن يروا هذا الخط  بشكله الكلاسيكي والحديث، أي المُعصرن، مع الاحتفاظ بهويته الراسخة كقيمة فنّية وكلاسيكية. 

  ما الذي تغيّر في مسيرتك المهنية بعد هذا الإنجاز؟ 

فتح لي أبواباً واسعة ومشروعات مهمّة، ونجحت في ذلك لأني كنت صاحب منجز مثل عام الخط العربي، أتفاوض من خلاله مع أي جهة عمل، كما انخرطت في مشروعاتٍ حكومية مهمّة سترى النور بإذن الله، وستكون بالنسبة لي أهمّ من مشروع عام الخط العربي. 

عاصفة الخط العربي

هل يعني ذلك أن اهتمام المملكة بالخط العربي مستمرّ وبات له طابع الديمومة؟ 

بالتأكيد، فكل ما رأيناه من بداية عام الخط العربي لا يتجاوز العشرة بالمئة مما هو آت في المستقبل. لقد أعلنت الدولة عن إنشاء متاحف كبيرة جداً، ومنها متحف الفنون الإسلامية، ومتحف الأمير محمد بن سلمان، وهذا سيحقّق حراكاً تاريخياً للمنطقة كلّها، إذ سيكون هناك اقتناءات كبيرة واختيارات مهمّة، وسنشهد عاصفة في مجال الخط العربي في المملكة.

ماذا عن مشروعاتك الشخصية؟ 

بعد الانتهاء من التزاماتي سأعمل على تخليد أعمال للتاريخ، لدي رغبة في أن أنجز أعمالاً بخط الثلث الجلي، وأن أخطّ مصحفاً كاملاً بخط النسخ، وهذا يستغرق أكثر من 20 سنة إذأ تفرّغت للعمل بشكلٍ هادىء، وعلى مستوى فنّي عالي. 

بماذا تتميّز أعمالك؟ 

أحب أن أنتج الأعمال على أعلى مستوى، أرفض دائماً فكرة التقييد الزمني على حساب القيمة الفنية للعمل، كما أن إخراجي لأعمالي يكون متكاملاً دائماً، وهذا الأمر أعطى عملي قيمةً مضاعفة من قِبل الجهات الرسمية وغيرها. كما أن غالبية إنتاجي هي بالثلث الجلي، وهذا الخط يعتمد على التراكيب والتكوينات، وعلى القيمة الفنّية لقوّة الحرف، فأنا أعمل على الحروف والتراكيب بتركيزٍ عالٍ جداً من ناحية القيمة الهندسية. وأعمل على تجارب كثيرة حتى أصل إلى التجربة النهائية للعمل، وأنمّق الحروف كي تخرج بقوة هائلة. 

أصدقُ العشقِ بلا سببٍ

ما الذي يستهويك في الخط العربي؟

أصدَق العشق من دون سببٍ، وأنا من محبّي العربية منذ أن كنت في الابتدائية، لكن أجمل ما في الخط التحدّي، أي أن أصل إلى مرحلة لا يمكن لأحد أن ينافسني فيها. هنا تكمن القوّة والمهارة. 

هذه الموهبة التي أصبحت مهنة ماذا أعطتك على المستوى الشخصي؟ 

منحني هذا الفنّ أمرين: الثقة العالية بالنفس، والهدوء أيضاً. كما أن ذوقي الموسيقي تغيّر تماماً، وصرت أسمع لكبار الملحّنين والمؤلّفين الموسيقيين، من أمثال رياض السنباطي ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم ومنير بشير وآخرين.

هل تبهرك لوحاتك؟      

لا تبهرني بقدر ما يستوقفني المكان الذي أصبحت عليه من الناحية الفنّية، وما وصلت إليه من الصعب أن أصفه لأنه قد يكون نوع من النرجسية، لكن أعمالي عموماً تزيديني ثقة وقوّة عندما أتأمّلها.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات